ما بين الشرطة والثوار.. البحث عن طرف ثالث!!
الخرطوم: آثار كامل 8ديسمبر2021م
لا يزال المواطن البسيط يتوجّس خِيفةً من الشرطة, فخلال الثلاثين عاماً الماضية, ظلت المساحة بين الشرطة والمواطن تتسع كل حين, بالإضافة إلى أن النظام السابق عمل على بث العداء بين الشرطة والمواطنين, ما جعل المناكفات بينهما تتفاقم عقب ثورة ديسمبر, فكل طرف كان يستعدي الآخر, اذ ان المواطن يرى ان الشرطة هي التي كانت تُطارده إبان تظاهرات الثورة وتعمل على قمعه بكل قوة, كما ان الشرطة ظهرت بأزيائها المعروفة خلال عملية فض الاعتصام.. ربما عمدت الشرطة احياناً لأن تظهر بمظهر مغاير, إذ ظهرت في خطوة غير متوقعة خلال مواكب العدالة بصورة مُختلفة وقامت بتوزيع قوارير المياه على الثوار الذين خرجوا في مسيرات الذكرى الثانية لفض اعتصام القيادة العامة في الثلاثين من يونيو المنصرم, ففي ذلك اليوم خلعت الشرطة ثياب العصى والبمبان، وارتدت ثياب الإنسانية, وربما استطاعت في ذاك الوقت أن تستعيد جُزءاً من هيبتها وسط الثوار.
تغيير الصورة
ربما أدى تعامل الشرطة مع الثوار بصورة إنسانية إلى تغيير الصورة الذهنية لها, ولكن سرعان ما تغيّرت الأوضاع واصبح الشد والجذب متوفراً ما بين الشرطة والثوار وزاد العداء بعد الأحداث الأخيرة, التي سجل فيها الطرف المجهول حضوراً في الإيقاع ما بينهما وتدخل مجموعات تخريبية, بعد أن أقدم مجهولون على حرق قسم النجدة والعمليات ببحري والتعدي على الشرطة في القسم, بجانب عمليات السلب والنهب التي حدثت حسب بيان المكتب الصحفي للشرطة في الأسبوع الماضي, ليتكرر المشهد أمس الأول في أول مليونيات ديسمبر, حيث هاجمت مجموعة قسم الصافية ببحري, مَا أوقع إصابات وسط الشرطة بينهم ضباط تم نقلهم للمستشفى, بجانب إحراق مركبات عبارة عن معروضات وإتلاف وإحراق السجلات والمضابط وإطلاق سراح متهمين داخل الحراسة, في الوقت الذي استطاعت الشرطة القبض على بعض المتهمين الهاربين وتلاحق آخرين!
فقدان السلطة
يرى مراقبون بأن هؤلاء الذين أقدموا للاعتداءات على الشرطة ليسوا ثواراً, فالثوار يلتزمون بالسلمية ويشيرون الى ان ذلك ربما يؤكد ما ظلت تقوله الجهات الرسمية دوماً بوجود طرف ثالث ما بين الشرطة والثوار، طرف يعمل لمصلحة من فقد السلطة وذلك باختلاق الأزمات بعد ان فقدوا عناصرهم التي يراهنون عليها, ويبدو ذلك من خلال ما يحدث الآن, ونجد أن مدير عام قوات الشرطة السابق الفريق خالد مهدي الذي قال في مؤتمر صحفي, إن تحقيقات تُجرى لمعرفة مصدر عمليات القتل والاعتداء على المتظاهرين بالسلاح, بجانب التحقق في مصدر الاعتداء التي تتم للشرطة.
جر الشرطة للمواجهة
ويرى الخبير الاستراتيجي د. عبد العزيز منصور بأن ما قامت به المجموعة المتفلتة لا يحسب إلا أن يكون محاولة لجر الشرطة للمواجهة مع المتظاهرين وشيطنة القوات النظامية واستفزازها للتعدي على الثوار من خلالها, مشيراً إلى انه ومنذ اندلاع ثورة ديسمبر, بدأت تظهر استفزازات واتهامات ما بين الشرطة والثوار, ولفت منصور خلال حديثه لـ(الصيحة) لضرورة أن يعمل الجميع على تحويل دولة الحزب إلى دولة الوطن وإعادة بناء الدولة التي تسع الجميع, دون أن يسعى الكل إلى بناء الجزء الخاص به, فالشرطي أو النظامي جزء لا يتجزأ من ذلك, فالكل يجب أن يدرك دوره بعد سقوط النظام وهو دورٌ يختلف تماماً في ظل نظام ديمقراطي جديد يمنح حق الحرية والتعبير, وتعتبر الشرطة هي أحد أذرع إنفاذ القانون وإحدى مؤسسات الدولة في ظل الدولة المدنية الديمقراطية, وأشار الى انه لا بد من تنمية العلاقة بين الشرطة والجمهور ورعايتها, وأضاف “لا يوجد مكابر في الشرطة ينفي وجود بعض الممارسات السلبية لبعض الأفراد بالشرطة وهذه السلوكيات والتصرفات محصورة في قلة وتصرفات فردية لا تُحسب على جهاز بأكمله, ولكن الشر يعم والخير يخص”.
العهد الجديد
ولفت الخبير في الشؤون الشرطية طارق الحسن لضرورة إعادة هيكلة الشرطة أولاً لتكون مهنية وقومية باعتبارها جهازا مهما جداً في العهد الديمقراطي الجديد, ولها دور بارز لأن الديمقراطية تحتاج إلى تهيئة الأجواء والقيام بالدور الوظيفي في استتباب الأمن، وخلق علاقة وطيدة مع الجمهور، ولعودة العلاقة ما بين الشرطة والجمهور, لا بد ان يطمئن المواطن اولاً وتتنازل الشرطة في إزالة الصورة المشوهة لها في الشارع بتغيير التعامل بعيداً عن الانفعالات، ولفت الحسن خلال حديثه لـ(الصيحة) إلى أن كل ما تم سرده في السابق يعتمد على الشرطي نفسه، لأنه يمثل جهاز الشرطة، ولتنفيذ ما يليه لا بد من تهيئة الأجواء وتوفير الإمكانيات، ولا بد من تأهيل المنظومة الشرطية أولاً في كيفية التعامل مع المواطن وجعله يتلمس ذلك الفعل وتحقيق شعارات الشرطة بالسهر والأمانة.
ثقة الشارع
قال د. خالد قنديل محمد المحلل السياسي: للأسف العلاقة بين الشرطة والمواطن عدائية, خاصّةً خلال السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط نظام المخلوع عمر البشير, وترسّخت هذه العدائية خلال المواكب التي ظلت تخرج للمطالبة بإسقاط النظام فتعرضت للعنف المفرط في كثير من الأحيان ومع ذلك لم تتعد الاصابات حالات الاختناق بالغاز المسيل للدموع أو الضرب المبرح بالهراوات ولكن لاحقاً ما أساء لصورة الشرطة سقوط عدد كبير من الشهداء خلال المواكب التي ظلت تخرج حتى الوقت الحالي, ما وضع الشرطة في موقف أخلاقي قبل ان يكون قانونيا ان لم يتورط منسوبوها في حالات قتل الثوار عليها ان تعرف من قتلهم, ولفت قنديل في حديثه لـ(الصيحة) الى ان هذا الواقع خلال العامين الماضيين رسخ صورة مهزوزة للشرطة في نظر الشارع خاصة وان بياناتها الصحفية عقب كل أحداث تأتي بمبررات تكذبها الوقائع ومقاطع الفيديو المتداولة لحالات اعتداء موثقة وعناصر يرتدون زي الشرطة يستخدمون العصي, وقال “الحديث المكرور بأن هناك طرفا ثالثا وراء حالات الاغتيال في صفوف الثوار يضعف من هيبة الشرطة, وسبق ان تحدث قيادات الشرطة في اكثر من مؤتمر صحفي وتوضيح أن هنالك قوات امنية اخرى ترافق الشرطة خلال التظاهرات, لذلك عليها ان تتحدث بوضوح من هي هذه الجهات وماذا تحمل من اسلحة ومن اين تأتي توجيهاتها وهل تعمل تحت أمرتها ام تتلقى تعليمات وتوجيهات من وحداتها الخاصة”؟ وأضاف “على الشرطة ان تجاوب على هذه الاسئلة حتى تبرئ ساحتها من قتل المتظاهرين وإلا فإنها ستصبح في نظر الشارع هي نفسها الطرف الثالث وان لم يكن هذا الطرف بين صفوفها فهي تعرف من هو”, مشيرا الى ان رئيس المجلس السيادي القائد العام الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان تحدث لإحدى الوكالات الاجنبية عن قتل المتظاهرين, واعلن بوضوح ان الشرطة هي المسؤولة عن التعامل مع المظاهرات وان الجيش والدعم السريع لا يحملان أسلحة ولا يتدخلان في فض التظاهرات, وحمّل المسؤولية بصورة ضمنية للشرطة ولذلك عليها ان تحدد من هو الطرف الثالث حتى تستعيد ثقة الشارع.
تنمية العلاقة
قالت خبيرة التنمية البشرية زينب الشيخ لـ(الصيحة) انه لا بد من تنمية العلاقة بين الشرطة والجمهور وبين المسؤول والجمهور ورعايتها، واقرت الشيخ بوجود بعض التصرفات السلبية لأفراد بالشرطة او مسؤولين او مدنيين في المؤسسات الحكومية, الا انها سلوكيات وتصرفات محصورة في قلة وتصرفات فردية لا تحسب على جهاز او مؤسسة بأكملها, فلا بد من عمل علاقة جيدة بين المسؤولين والشرطة وغيرها وبين صانعي ثورة الوعي، واضافت أن الأجهزة النظامية في عهد الأنظمة الشمولية تمت شيطنتها، وأصبح المواطن هو العدو الأول لها، منبهة إلى أن هذه الثورة ثورة وعي، وأرست قيماً جديدة وجدت مردوداً إيجابياً لدى الأجهزة والمواطن وسلمية الثورة ومخاطبتها للأجهزة بأنها جزء منهم، وهذه القيم سوف تاتي أُكُلها، وتبقى منارة تثقيف لهذه الأجهزة، والدور الذي يجب أن تتعامل به مع المواطن بأنه ليس كمجرم أو عدو.