رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ لـ”الصيحة” (1-2)
ما قام به الجيش ليس انقلاباً بل كان انحيازاً للثوار
حوار: هويدا حمزة
تصوير: محمد نور محكر
قُبيل المغرب بحوالي ساعتين، والجميع عدانا يتطلعون لأن تأوي الشمس لوكرها بعد يوم رمضاني أقل ما يوصف به أنه حار لدرجة الغليان، كنا ضيوفاً على المنزل الشهير في الموقع المميز بحي المغتربين، في الدقائق القليلة التي سبقت انتقالنا للصالون الأنيق حيث ينتظرنا صاحب المنزل، كنا نتمنى أن تجاملنا الشمس بالتلكؤ قليلاً حتى ننجز حوارنا معه ونعود أدراجنا إلى منازلنا قبل موعد الإفطار حيث لم يكن باستطاعتنا لظروف خاصة تلبية دعوة مضيفنا الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ على الإفطار ضمن الضيوف الكثر الذين امتلأت بهم ردهات المنزل على اتساعها، فضيفنا حمل صفة (رئيس سابق) طوعاً واختياراً بعد (تنحيه) عن منصبه لخلفه (عمر الدقير) ، وقد أرسى بذلك ثقافة لم تكن ضمن أبجديات الساسة حكومة وأحزاباً الذين شبوا وشابوا وهم (مكنكشين) على الكراسي الوثيرة حتى اقتلعتهم رياح التغيير وليس 6 أبريل ببعيدة عن الوصف، ومن ثم، فهذه الـ(6) وما تلاها من تداعيات محورها ساحة القيادة العامة كانت محور حديثنا مع ضيفنا. إلى تفاصيل الحلقة الأولى من الحوار.
*من المدرجات يمكنك أن تقدم لنا وصفاً تحليلياً للمشهد السياسي داخل ملعب القيادة؟
– هذه الصورة، انتقلت لشارع القيادة العامة يوم ٦ أبريل لتقديرات معينة من قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين، امتد الحراك 4 أشهر، وفي تقديري كان لابد من الانتقال للقيادة، وكان المستهدف قوات الشعب المسلحة المنشود انحيازها للثورة، وأن تنتصر للشعب، وتحقن الدماء وتوقف التعديات التي كان يمارسها جهاز الأمن والملثمون والأمن الشعبي، والمجموعات الأخرى التي كانت معنية بفض التظاهرات وملاحقة الثوار .
أعتقد أنه طوال هذه الفترة سادت مجموعة من القيم النبيلة التي تستحق الوقوف عندها من إيثار على النفس والتضحيات والعون الكبير الذي قدم للمعتصمين وإمدادهم بالماء والطعام، وروح الشباب في وضع المتاريس، وأيضًا الروح الطيبة في التفتيش، أيضاً الإسهام الكبير الذي قدمته المرأة السودانية أمر يستحق الوقوف عنده والإشادة به.
طوال هذه الفترة، لا أعتقد أنه كانت هناك فوضى رغم أن المكان يضم أكثر من ٤ ملايين، ولكن لم تُسجّل ولا حادثة انتهاك إلا لاحقاً في الفترة الأخيرة عندما تطاوَل أمد الاعتصام بدأت بعض المظاهر السالبة والتي تقودها في تقديري مجموعة الثورة المضادة، والأمن الشعبي والمندسون وسط المتظاهرين، أنا ذهبتُ كثيراً لمقر الاعتصام، وخاطبت طوائف كثيرة من مختلف أنحاء السودان، ولم أجد أي فوضى، بل شهدتُ عودة الروح السودانية الجميلة وسط الشباب والأطفال والنساء، وكانت محل إشادة من الجميع.
أما المظاهر السالبة، فلا يمكن أن نُسميها فوضى، الفوضى تحدث في الشارع، هناك كثير من التفلتات، وهذا نتيجة طبيعية، لأن المجلس العسكري يبدو أنه غير مضطلع بدوره، فالشرطة الآن غير موجودة بالشارع، ولا تؤدي دورها، وأنا لا أعلم ما هي العلاقة بين أن المجلس العسكري يدير البلد، وليس فيه ممثل للشرطة لحفظ الأمن وضبط حركة المرور، وليس هناك ما يمنع أن تقوم الشرطة بهذا الدور، حتى وإن كان لديها بعض المطالب متعلقة بإقالة أسماء معينة، أو مطالبة بالحقوق، لأن الشرطة جهاز ملتزم، ولا يجب أن يمتنع في أي وقت عن القيام بدوره، لأن امتناعه له أثر كبير في مسألة الأمن وضبط الشارع.
في المؤتمر الصحفي الأخير، هنالك أشخاص سألوا عن عدم وجود الشرطة، وقالوا للناطق باسم المجلس إنكم سحبتم الشرطة من الشارع وعضو المجلس العسكري كان واضحاً وأقر بذلك، وقال نعم الشرطة كانت متوقفة لأسباب هم يعلمونها، ولكن نعدكم بأنكم ستشهدون شرطة جديدة فيما بعد، ولا أدري من أين سيأتون بشرطة جديدة، ولكن أتمنى أن نرى هذا الأمر قريباً، وقد عادت شرطة المرور، ونتمنى أن تنهض الشرطة بمهمتها في كل المرافق والمنشآت والطرقات وتحفظ الشوارع وتتصدى لأي تفلتات.
*أليس أسهل من كل ذلك فض الاعتصام بدلاً من ترك الثورة نهباً لمن يريد تشويهها أو سرقتها من هذا الباب؟
– فض الاعتصام غير وارد، إذا لم تتحقّق المطالب التي خرج لأجلها الشارع، فالثورة خرجت لأسباب معلومة ونتيجة لأوضاع مزرية وسياسات كان حصادها صفراً، ونتاج لفساد رموز نظام، وبالتالي هذه المطالب لم تتحقق وحيث ذلك، فليس هناك سبب لفض الاعتصام، لأن الهدف الأساسي من الاعتصام هو تحقيق مطالب والتفاوض الآن جارٍ بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، الحرية والتغيير مطلبها الأساسي الحكومة المدنية، وتسليم السلطة للمجموعة التي نهضت بالثورة والتي ظلت تُصارع النظام لمدة ثلاثين عاماً، المجموعة التي تملك رؤية واضحة للسودان المنشود، وتتجسد هذه المجموعة في قوى الحرية والتغيير، والآن التفاوض جارٍ ورغم التعقيدات التي تشوب المشهد كله، ولكن أنا أعتقد أنه لا يزال باب التفاوض مفتوحاً، ولا يزال الأمل لتُبرَم اتفاقات من شأنها الخروج بالبلاد من حالة الشد والجذب الراهنة لآفاق جديدة تقود فيها قوى التغيير البلد، وتتشارك مع المجلس العسكري مجلس السيادة، ويأتي مجلس تشريعي يستوعب كل الطيف السوداني وأقاليم السودان، وبالتالي أؤكد لك أن الاعتصام لن يُرفع إلا إذا تحققت كل مطالب الشارع السوداني.
وإذا أجريت رصداً دقيقاً لما يجري في البلد، ستجدين أن النظام السابق لا يزال قابضاً على كل مفاصل السلطة والدولة، هم مسيطرون على الإعلام والقضاء والنيابة وعلى كل الوزارات على مستوى الوزراء والوكلاء، وعلى الجمارك والضرائب (موارد الدولة)، وبالتالي ليس هناك تغيير حقيقي، ومن ثم لا يمكن أن نُطالب بفض الاعتصام، إلا إذا كنا نريد أن نقنع من الغنيمة بالإياب، ولكن الحمد لله، الناس جميعاً مقتنعون أن المطالب التي قامت من أجلها الثورة وسقط من أجلها الشهداء، ودخل بعضهم المعتقلات والسجون لم تتحقق وهم لديهم عزيمة لمواصلة الدرب حتى تتحقق، ومن ثم ليس هناك سبب لرفع الاعتصام .
* لكن الجيش انحاز للثوار وحمى الثورة، بينما تضع قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين تضع (المتاريس) أمام المفاوضات والحلول والمبادرات)؟
– لا نستطيع القول إن الجيش استجاب لمطالب الثوار، ولكن الوضع كان شائهاً يذهب البشير ويأتي ابن عوف، وهو في الأساس نائبه الأول، وهو الذي ظل حامي حمى النظام لفترة طويلة جداً، هذا الوضع كان شائهاً، ثم يأتي مجلس عسكري وعلى رأسه ابن عوف نفسه وكمال عبد المعروف، أو المجموعات الأخرى مثل جلال الشيخ وعمر زين العابدين والطيب بابكر، أي المجموعات العقائدية في المؤسسات العسكرية، والمعلوم أنه ليس مسموحاً قانوناً للقوات المسلحة بأن تنتمي للأحزاب أو أي كيان له تأثير على أداء تلك المؤسسات، لذلك فالمجلس العسكري يده مغلولة تماماً، أنا أعتقد أن ما حدث كان انقلاباً وليس انحيازاً للثورة، لأن الجيش لم تكن به طليعة ثورية تتناغم مع الثوار، وتنحاز لهم منذ وقت مبكر قبل أن نذهب للقيادة العامة، وقبل الأعتصام، المجموعة التي استصحبها النظام طوال 30 سنة هي من قامت بالانقلاب مستهدفة حماية مصالحها ومصالح النظام وحماية رموز النظام، فقررت أن تضحي بالبشير مقابل حماية جسم النظام كله، وهذه المسألة تبدو في كل يوم أكثر وضوحاً فعند إعفاء مدير الإذاعة والتلفزيون تم تعيين عبد الماجد هارون، وإعفاء النائب العام وتعيين نائبه، إعفاء رئيس القضاء وتعيين نائبه، وهكذا بقية الأشياء ظلت في محلها، ليس هناك تغيير على الإطلاق حتى مفوضية حقوق الإنسان أعفيت منها إيمان زوجة شقيق الرئيس، وعينوا حورية، وحورية هذه كانت رئيس المفوضية قبل إيمان، وبالتالي ليس هناك تغيير حقيقي حتى عدد المعتقلين الحقيقي ليس لدى الناس علم به، هنالك أسماء ترِد، ولكن الناس كانوا يريدون أن يتأكدوا ما إذا كانت تلك الأسماء موجودة أم لا؟ هل هذه المجموعات تلتقي داخل السجن أم لا، هناك رموز نظام ورموز فساد ذات أدوار أساسية نهضت بها في حماية النظام، وفي إدارة ملفات كثيرة كلهم مازالوا أحراراً، وبالتالي لا نستطيع القول إن المجلس العسكري حقق مطالب الناس، المجلس لم يحقق، وهو الآن يبدو حريصاً جدا على السلطة، رغم حُسن النية الذي أبدته مجموعة إعلان الحرية والتغيير، ورغم الروح التي سادت في أكثر من 3 جلسات، حتى التعديلات الأخيرة التي أجراها على الوثيقة الأخيرة فيها بعض المسائل الموضوعية، ولكن فيها أيضاً تكريس للسلطات في يد مجلس السيادة، بما يعبر عن نيته الكبيرة في الهيمنة على قيادة المشهد كله، وقيادة الفترة الانتقالية، وبالتالي يكون هو “فيتو” على الأداء في مجلس الوزراء، والمجلس التشريعي، وهذه الأشياء ليست مطلوبات الوقت الحاضر، الناس الآن يتطلعون لسودان جديد ينهض على أنقاض السودان القديم، ولا نُريد إعادة إنتاج النظام بأي شكل من الأشكال لا بسياسات جديدة، ولا برموز كانت في الظل يتم ترفيعها، المطلوب الآن استقامة واضحة، وأن يُدرك المجلس العسكري أن ما قام به ليس انقلاباً، بل يجب أن ينحاز للثورة، ويتناغم معها، ويصبح أداؤه مواكباً لأداء الثوار في الشارع السوداني.
*إذا سمّيتَ ما حدث انقلاباً، فالجيش هو صاحب الفضل في التغيير الذي تم، وليس لأحد أن يُملي عليه شروطه؟
– انقلاب حرّكته الثورة، ولولا تهديد الثورة لمصالح النظام لما قام الإنقلاب، وبالتالي مجموعة العسكريين الذين كانوا على رأس اللجنة الأمنية العليا، فكروا وقدروا واختاروا أن يضحوا بالبشير، وينفذوا انقلاباً يُطيح بالبشير فقط، وتبقى بقية الأشياء كما هي، وهذا هو الوضع الماثل الآن، حيث أطاحوا بالبشير، ولم يعد في المشهد، ولكن المجموعة التي أتت لم تستطع أن تًحدث التغيير المطلوب، فإذا أرادوا تغييرًا، فلابد أن تذهب كل تلك المجموعات، ويأتي آخرون أصحاب كفاءة، وملتزمون.
نحن نريد تفكيك دولة الحزب الواحد، فإذا لم تذهب كل تلك المجوعات كأنما نتصالح مع النظام السابق ورموزه وسياساته .
* ولكنهم تحدثوا عن اعتقالات في الصحف والوسائط وباعتبار أن فترة تقلّد المجلس قيادة البلد قصيرة ولا تكفي لكنس آثار 30 عاماً؟
– نحن لم نُطالب بمحاسبة الفاسدين الآن، بل نطالبه بوضع يده على الملفات الحيوية التي تحوي فساداً، والتحفّظ على رموز النظام في السجن، وبناء المؤسسة القضائية نفسها وإعادة سلطة النيابة، بالشكل المنشود لتصبح قادرة ومؤهلة للحساب بعد التحرر من الانتماءات العقدية للنظام، وبعد ذلك ستأتي المحاسبة، لكن الآن يجب ألا نترك المسائل (مفكوكة) والوثائق تختفي وتحرق والرموز تسافر والأموال تُهرّب، الآن أجهزة الدولة كلها في يد المجلس، ومطلوب منه توظيف تلك الأجهزة لحماية الدولة، وإذا قرر المجلس اعتقال ألف، يستطيع اعتقالهم في ساعة، وليس أمام تلك الأجهزة إلا السمع والطاعة. جهاز الأمن اعتقل 3 آلاف من الثوار في 48 ساعة، وبالتالي يستطيعون اعتقال كل رموز النظام في وقت وجيز،هم يقولون لدينا لستة بـ284 شخصاً لم نعتقل منهم سوى 22، وبالتالي هذا أداء بئيس جداً، ويظهر أن المجلس ليس لديه نية حقيقية في التغيير، لأن المجلس ليس ذا طبيعة ثورية، ولم يكن على قطيعة مع النظام السابق حتى ارتقى في هذا السلم لأعلى الدرجات .
* الواقع يشير إلى أن أسهم قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين أضحت تتناقص باستمرار أمد الاعتصام وتعطّل مصالح الناس، الذين اعتبروهم غير ناضجين سياسياً خاصة بعد فوضى المفاوضات، بينما ارتفعت أسهم المجلس العسكري لدرجة المطالبة بتوليه زمام الأمور خلال الفترة الفترة الانتقالية لحين الانتخابات؟
– لا أعتقد أن الاعتصام انحسر بالعكس، الدنيا رمضان وهناك خيام نُصبت، ومُعينات وُفّرت للمعتصمين، أعتقد أن هذا مؤشراً واضحاً على أن الناس قابضة على جمر القضية، ومتمسكة بمطالبها، وروح الثورة ما تزال مُتّقدة وجذوتها مشتعلة، الذين يتحدثون عن انحسار يتحدثون عن أحلام، وتستطيع قوى التغيير نفسها أن تدعو 5 ملايين في بضع ساعات متى ما شعروا بوجود خطر على الثورة، والناس تستجيب، فالثورة مستمرة، ولا أظن أن الناس ستعود من منتصف الطريق.
*أنا تحدثت عن ضعف الممارسة السياسية للسياسيين الجدُد؟
– الناس يعتقدون أن النضج السياسي لدى كبار السن فقط، ولكن هؤلاء الشباب الذين ترينهم في المشهد السياسي أو في المؤتمرات الصحفية أو التنسيقية أو في سكرتارية تجمع المهنيين كلهم مجموعات ناضجة ومسلحة بالمعرفة والوعي والعلم، وخاضوا التجارب السياسية مبكراً في الجامعات والمعاهد العلمية، وهم يعلمون ما يريدون والنضج ليس بالسن، بل بالوعي والتجارب والصراع اليومي، وهي قادرة إذا أوكل إليها أمر البلد أن تُديره، ولن يخيبوا أمل الناس فيهم أبداً .
* ثقتك في الشباب هي التي جعلتك تتنازل عن منصبك لعمر الدقير مُرسياً ثقافة ليست متوفرة في الساحة السياسية؟
– ميزة حزب المؤتمر السوداني، أن قيادته كلها شابة وليس بالضرورة أن يكون من يتبوأ المناصب عمره 50 أو 60 سنة، وهولاء الشباب كانوا هم نائب رئيس الحزب وأمانة المال والأمانة الاجتماعية، وأنا كنت أكبر الأعضاء سناً، ومازلت، ولكن أولئك الشباب لديهم معرفة وكلهم قادمون من الطلاب، وإدراك عميق جداً لما هو المطلوب، وبقراءة طويلة جداً لتاريخ السودان بدءاً من الاستقلال والنكبات والعثرات التي شابت الفترة من الاستقلال وحتى اليوم، ولديهم برامج الحزب نفسها وشاركوا في صياغتها، والثقة فيهم كبيرة، والمطلوب الآن إفراد مساحة كبيرة للشباب ليقودوا المرحلة المقبلة. فكنكشة الكبار وعدم إشراك الشباب نتيجته مثل هذه الثورة التي قادها الشباب .