العشم
أغرب ملاحظات المشهد السياسي الآن أن القوى الحزبية والتنظيمات بما فيها قوى الحرية والتغيير التي يفترض أن المساحات أمامها أوسع، كلهم جميعا تمارس أنشطتها في الأسافير والمؤتمرات الصحفية مع نشاطات راتبة تتعلق بمقابلات تلك القوى بالمجلس العسكري الانتقالي ! ولم ير الجمهور من هذه التنظيمات برامج لتنوير الناس بمطلوبات المرحلة أو حثاً لهم على سلوك أو فعل يدعم الانتقال إلى مرحلة أخرى غير تبادل اللعنات وتوجسات ممن قال ماذا؟
سابقاً كانت حجة البعض أن هناك قيوداً وقوانين تضيق على التعبير السياسي ندوات أو اجتماعات وغيرها مما يرتبط ببيئة ممارسة حزبية أو سياسية، وصحيح أن الأوضاع حالياً تعاني من ظرف استثنائي ووضع بالجملة يتطلب بعض الحذر خشية جر البلاد لأزمة مشاجرات وانفعالات، لكن هذا يمكن ترتيبه، إما بالتنسيق مع السلطات القائمة لتوفير حد معقول من الحماية، أو بشد العزم لأنشطة موضوعية وخطاب تنويري حاث على العون لعبور مهام المرحلة وتعقيداتها الأمنية والاقتصادية.
قصر التداول على التصريحات والتصريحات المضادة أو جعل الثقل في ساحة الاعتصام ووسائل الإعلام يدعم أجواء التشنج والوقوع تحت طرقات مواقف الرأي العام الذي تتأسس فيه الصفوف على الآراء العاطفية، وهو وضع بالإجمال لن ينتج سوى إضاعة الوقت في تجاذبات غير منتجة، لأن أي طرف سياسي يستهدف نسف مقالة الآخر أو جرها لفرضيات رغائبية لتكون الأوراق الموضوعة أمام المجلس العسكري مثل مراجع أستاذ مطلوب منه أن يجيب على كل الأسئلة ويصححها مع الحرص على نجاح الجميع، لأنه إن لم يفعل سيتهم في نواياه ومقاصده.
البلاد أحوج ما تكون لرؤية عقلاء من كل المدارس والتيارات؛ وهذه مكانها منابر التفكير ومنصات التداول بحيث تخرج كل جماعة أفضل من عندها من مقترحات، وصحيح أن الأحزاب والتنظيمات حتى الآن تبدو أقل من حجم التحديات، وربما لا تدرك طبيعة الظرف وتقاطعاته وحساسية السيولة الممتدة في كل الأرجاء، لكن هذا يجب ألا (يقطع العشم) منها لجهة أن التغيير الذي تم معني به ضمن كثير، ترتيب ابتدار جديد لممارسة سياسية تسهم في حل القضية الوطنية عموماً.