عبد الله مسار يكتب: المسكوت عنه في السياسة السودانية (3)
5ديسمبر2021م
قلنا في الحلقتين السابقتين, إن السياسة السودانية قامت على أركان خمسة, اجتمعت حيناً واختلفت أحيانا أخرى, وهي الطائفية والعقائدية والقبلية (الإدارة الأهلية) والصوفية والعسكر, هذه الفئات الخمس سيطرت على السياسة السودانية بأحزابها, وسيطرت على الحكم طيلة الخمسة وستين عاماً منذ الاستقلال أو قبله بقليل, ويُضاف إليهم النخب وهم أغلبهم من تعلّم وشغل مواقع مختلفة في المجتمع أو الوظيفة العامة وهم تقرّبوا الى الفئات الخمس وصاروا كملح الطعام أو كالبهار في الطعام, بل كمذوقي ومصلحي الصناعة, وهم الذين يقومون بتوضيب الأحزاب, بل هم كالحشوة بين الزجاج وصاروا هم يزيّتون هذه الأحزاب, وصاروا يحذقون ويضيفون الكماليات اليها, ولكن الأصل لا يخرج من الخمس فئات التي ذكرناها.
وكل هذه الأحزاب تأتي الى الحكم ومعها النخب سعياً الى الحكم وهدفهم مَن يحكم السودان ويتصارعون في ذلك, يأتلفون وينفردون, بل يجتمعون وقصدهم مَن يحكم, ولكن أبداً لم يلتفوا على برنامج كيف يحكم السودان, لذلك كان الحكم تشاحناً وتباغُضاً ولَم يكن تراضياً, لأن القصد هو مَن يحكم ولكن ليس كيف يكون ذلك الحكم, وهل على برنامج وخُطة أم غير ذلك. ولذلك قامت الحروب في السودان منذ الاستقلال, بل لم يستقر الحكم نهائياً في السودان وصارت الدورة الشريرة, انقلاب, ثورة وفترة انتقالية ثم مدنية, مُلخبطة ومُشخبطة ومركوكة ومربوكة, ثم انقلاباً فثورة, وهكذا لأن الحكم من غير برنامج وخُطة ولا محدد فيه كيف الحكم, ولذلك يحدث في الحكم فوضى وظلم ومنفعة شخصية او حزبية او أسرية, وهكذا يثور الشعب الذي ظُلم واستأثر بحقه أفراد أو جماعات, وهكذا لم يستقر الحكم في السودان على نظامٍ واحدٍ, بل لم يُؤسس على نظام تكون فيه استدامة, لأن طريقة الحكم لا تقوم على أسس واضحة, بل لا تقوم على كيف يحكمون, ولكن يعملون جميعاً على أن يحكمون, ولذلك تكون أساليب الحكم ترقيعية, لهذا ظل السودان يتصارع أبناؤه وجهاته, وقامت حركات مطلبية تدعي أن حيفاً وقع عليها من أشخاص أو مجموعات, وهكذا ظلت دولة السودان وحكمها مكان نزاع مُستمر, حتى في ثورة ديسمبر 2018م لم تسلم من ذلك, حيث سيطرت فئة قليلة على الحكم وجيّرته لصالحها أفراداً أو أحزاباً أو جماعات, وتركت كل الشعب في الصقيعة وخارج هذه المنظومة, بل خارج إدارة الدولة والمشورة والرأي, واستأثرت هذه الفئة بكل إمكانيات الدولة وجيّرتها لصالحها ولَم ينجُ من ذلك حتى الشباب والشابات الذين جابوا الثورة وغيّروا الحكم, لذلك قضية المسكوت عنه في السياسة السودانية ظَلّت تلازم هذا الوطن منذ بواكير الاستقلال, ولذلك جاء الوقت وحان أن تتغيّر هذه الحالة الى أن تقوم السياسة السودانية على الديمقراطية المُطلقة دون المُقيّدة, وأن تقوم في البلاد أحزاب ديمقراطية تتداول فيها القيادة, وأن تقوم الأحزاب على المواطنة والتدافُع الديمقراطي بلا إرث طائفي أو عقائدي أو قبلي أو مناطقي ويكون الولاء للوطن, وتقوم قيادة الحزب على الكفاءة والتنافس وفق أُسس التنافس الموضوعية.
عليه, نحتاج أن نُعيد النظر في أحزابنا السياسية كلها, وننشئ أحزاباً تقوم على الديمقراطية منهجاً وسلوكاً وعملاً, وأن يقوم الحكم على البرنامج لا على الأشخاص, وهكذا نصلح حال السياسة السودانية لينصلح حال الدولة والوطن.