5ديسمبر2021م
ونرجع للوراء..
نرجع إليه قليلاً في جانب… وفي جانب آخر كثيراً..
وكلا الجانبين يمكن تعميم تجربتي الشخصية إزاءهما على كثيرين..
ففيما يلي الرجوع إلى الوراء كثيراً مررت بتجربة..
وللأسف لم أتعلم منها… تماماً كحال أحزابنا التي لم تتعلم من تجاربها..
فقد كنت طفلاً عفريتاً… شيطاناً… شقياً..
وكنت – بمظنة خاطئة – أنظر إلى شيطنتي تلك بمنظار أبي ماضي..
فالشاعر إيليا هذا يقول في قصيدته وطن النجوم:
وطــــن النجـــوم أنا هنـا
حدق أتذكــــر مـــــن أنـا
ألمحت في الماضي البعيد
فتـــى غريـــراً أرعـــــنا
إلى أن يقول:
ولكم تشيطن كي يقول
النــــاسُ عنه تشيطنـا
كنت أظن – إذن – أن شيطنتي تلك يجب أن تعجب الكبار..
أن يصيحوا إعجاباً (يا سلام عليه… شيطان بالحيل)..
ولكني فوجئت بعد ذلك – صغيراً وكبيراً – إنها كانت شيطنة مؤذية..
وأعني بعبارة (بعد ذلك) بعد ردة فعل جدتنا الحرم..
وهي جدتي من جهة والدي – عليهما الرحمة – وقد كانت معنا بدارنا آنذاك..
وكنت أتشيطن فيغضب الكبار… وتصمت هي..
إلى أن انفجرت في وجهي – ذات شيطنة – بكلمات لها فصاحة دارجية..
وهي التي لا تجيد إلا التفاصح بالنوبية..
وذلك حين قلت مهدداً الكبار هؤلاء بحرمانهم من شيطنة كنت أراها لذيذة..
حين قلت لهم (والله أمشي لحبوبة التانية)..
فما أن نطقت بالذي كنت أظنه تهديداً ذاك حتى أماطت حرم اللثام عن وجهها..
أو بعبارة أخرى: أرخت طرف ثوبها الذي (تتبلم) به..
ثم أجهدت حبالها الصوتية لتقول (ما تمشي كان مشيت… شن ثمرتك؟)..
فمشيت إلى جدتي – من جهة أمي – ابنة ساتي فقير..
ثم مشيت – حين صرت شاباً – إلى العديد من الندوات السياسية للأحزاب..
وهذا هو الجانب الآخر الذي قلت نرجع إليه قليلاً..
أي بسنوات هي أقرب من سنوات طفولتي الشقية تلك؛ غير ذات الثمرات..
أو كما وصفتها جدتي الحرم..
كنا نتنقل بين الندوات – ليلاً – كتنقل النحل بين الزهرات؛ رشفاً للرحيق..
فمن كل ندوة كنا نخرج بأحسنها..
حتى جماعة أنصار السنة المحمدية كانت تقيم ندواتٍ ذات طابع سياسي..
كان ذلك إبان فترة ثورة أبريل الانتقالية..
والفترة الانتقالية لثورة أكتوبر كان يحدث فيها الأمر ذاته؛ وإن كنا لم نحضره..
والآن نحن نعيش فترة انتقالية ثالثة… بعد ثورة ديسمبر..
ولكنا لم نعايش ما كنا نعايشه في فترة الانتقال الثانية التي أعقبت الانتفاضة..
فحيثما تلفت فليس ثمة ندوة سياسية..
وذلك ما دعى مبارك الفاضل إلى أن يصفها بالذي قلناه وصفاً لها ذاته..
وهي أنها أغرب فترة انتقالية في تاريخنا السياسي..
فأحزابنا بدلاً من أن تحصر همّها في الانتخابات نجدها مهمومة بالمحاصصات..
كل حزبٍ يريد أن يحظى بنصيبه من السلطة..
ثم من الفارهات… والنثريات… والمخصصات… وكل ما في الحكم من ثمرات..
فكانت النتيجة أن فقدوا ذلكم كله… وضاعت منهم الثمرات..
وما ذاك إلا لأنها ثمار لم تنضج بعد… وفقاً للتسلسل الطبيعي لمنطق الانتقال..
فإذا بهم يصرخون هذه الأيام من هول الصدمة..
ويهددون بأنهم سوف (يمشون) إلى الشارع لانتزاع ما لا يستحقونه أصلاً..
فالمحك هو صناديق الاقتراع… وليس الشارع..
هذا الشارع الذي توقعت في خاطرة – قبل أيام – أنه سوف يخونهم كما خانوه..
كما خانوا الثورة… وأهدافها… ودماءها..
وعبثاً يظنون أنه يمكن أن يكون بديلاً للانتخابات… ويختصر لهم الطريق..
علماً بأن فترتهم في الحكم كانت عقيمة..
فلا الثورة جنت منها ثمارا… ولا الشعب حظي منها بثمارٍ في أي مجال..
ونقول لهم (ما تمشوا كان مشيتوا)..
شن ثمرتكم؟!.