كتب: سراج الدين مصطفى
(1)
الحديث عن محمد الأمين لا يتم بمعزل عن أغنية (سوف يأتي) خصوصاً بالنسبة لي .. لأن العلاقة بيني والأستاذ محمد الأمين بشكل عميق بدأت بسوف يأتي .. وكما معروف أن لمحمد الأمين علاقة قوية بالمخرج كمال فضل وهو الذي كان سبباً في العلاقة الحميمة ما بين محمد الأمين والموسيقار عمار الشريعي وكان يزوره في كل زياراته للقاهرة وكنا نلتقي أنا ومحمد الأمين عند الموسيقار عمار الشريعي وكان يسمعني سوف يأتي كثيراً، وكنت أقول له بأنني معجب بها جداً وأعتقد بأنها رغم صعوباتها وتعقيداتها إلا أنها أيضاً أغنية مناسبة لحنياً وسلسة كعادة محمد الأمين، حتى ألحانه المُعقّدة في تركيبتها المقامية واللحنية إلا أنها حينما تنظر إليها من الخارج نظرة سماعية تجدها منسابة كجدول مياه.
(2)
أغنية سوف يأتي التي تغنى بها محمد الأمين كتبها تاج السر كنه وأهداها للفنان الشاعر عبد الكريم الكابلي ولكنه أهمل القصيدة ومرت السنوات والتقى الشاعر مع الفنان محمد الأمين في لندن سنة 1968 وأعطاه القصيدة واحتفظ بها الفنان محمد الأمين ثم لحنها وغناها وقدمها لأول مرة بحفل كبير بقاعة الصداقة في العام 1983، ويرجع محمد الأمين السبب في تأخيرها تقديمها لعدم وجود فرقة موسيقية تستطيع أن تنفذ الأفكار اللحنية الجديدة في الأغنية وانتظر لما يقارب الـ15 عاماً ليقدم الأغنية رفقة بعض خريجي وطلاب كلية الموسيقى أمثال الفاتح حسين ــ سعد الدين الطيب ــ ميرغني الزين وعثمان النو.
(3)
ويواصل الموسيقار يوسف الموصلي في إفادته (حقيقة أبلغني المخرج كمال فضل برغبة الموسيقار محمد الأمين في أن أقوم بتوزيع سوف يأتي وطبعاً هذا الخبر أسعدني جداً وبالنسبة لي شرف لا يدانيه شرف، وأنا لا أخفي سراً أذا قلت بأن أغنيتي المفضل عند محمد الأمين هي (الحب والظروف) المشهورة (بقلنا ما ممكن تسافر) للشاعر فضل الله محمد.
المثير في الأمر انني بدأت في عملية التدوين الموسيقي لهذه الأغنية الصعبة جداً والتي لو حسبتها بزمنها الغنائي من حيث الدقائق فهي (35) دقيقة, ولكن من حيث التدوين الموسيقي استغرقت معي شهرا كاملا وللتعقيدات اللحنية التركيبية نسبة لبراعة الأستاذ محمد الأمين في العود, فأنا حاولت أدوّن كل التفاصيل حتى (الترعيدات) في النوتة الموسيقية والحمد لله وفقت في تدوينها بعد شهر واحتفظت بالنوتة الموسيقية لسوف يأتي وبعد أن تعلمت التدوين الموسيقي على الكمبيوتر.
(4)
رغم أن الأغنية حققت نجاحاً كبيراً وأصبحت من أيقونات الغناء السوداني ولكن هجرة شاعرها الطويلة بمدينة لندن غيّب الكثير من سيرته الذاتية، والشاعر الملقب (بالشاب الظريف) واسمه بالكامل (تاج السر محمد إدريس كنه) ولد في عام 1938 بقرية مَرّاغة بقرب مدينة دنقلا ويرتبط نسبه الشاعر تاج السر كنه بذي النون المصري.. وبعد أن بلغ ثلاثة أشهر من العمر وتوفيت والدته فتعهدته خالاته وعماته بالرعاية وفي طفولته انتقل والده محمد ادريس كنه الى مدينة عطبرة للعمل في السكة حديد وفي عطبرة بدأ تاج السر حفظ القرآن الكريم في الخلوة وفي عطبرة تلقى تعليه الابتدائي والإعدادي.. وأنهى دراسته في المدرسة المتوسطة وفي سنة 1952 التحق بمدرسة وادي سيدنا وكان ناظر المدرسة وقتها الأستاذ عوض ساتي وهو أول سفير في لندن بعد الاستقلال.
(5)
أنهى الشاعر تاج السر كنه دراسته الثانوية سنة 1956 وبعد ذلك التحق بكلية الطب في الخرطوم الجامعية والتي كانت تسمى سابقاً كلية (غردون التذكارية) ولم ينسجم تاج السر مع دراسة الطب رغم مرور سنتين على التحاقه بالكلية الطبية، وكان تاج السر مولعاً بالطيران وكان يحلق بخياله بعيداً عن كلية الطب, ففي سنة 1958 نال تاج السر بعثة للتدريب على الطيران في مدينة بيرث الأسكتلندية فتفوق على أقرانه ونال الشهادة خلال 9 أشهر وقد نشرت جريدة الصحافة أول قصيدة لتاج السر كنه 1957.
(6)
عاد تاج السر الى الخرطوم والتحق بالخطوط الجوية السودانية ورغم مرور سنتين على الاستقلال فإن إدارة الخطوط الجوية السودانية بقيت تحت السيطرة الإنجليزية لذلك لم يحقق تاج السر ما كان يراوده من أحلام, حيث وقف الإنجليز بوجه طموحاته ومع ذلك استمر بالتدريب والطيران المدني حتى استقال سنة 1964 وسافر الى ليبيا ونظم فيها قصيدته سوف يأتي.
(7)
ولع تاج السر كنه بالشعر الجاهلي منذ صباه, فحفظ منه الكثير ولكنه لم يتخصص بدراسة الأدب العربي, حيث فضّل التحليق بالطائرات ولكن ذلك لم يكبل خياله الشعري وظل يستمر في قرض الشعر, ولقد جمع من شعره ثلاثة دواوين باللغة العربية وله ديوان بالغة الإنجليزية، بقي تاج السر كنه مع أسرته بمدينة لندن حتى توفي يوم 13/8/ 2019م