تقرير: مريم أبشر 3ديسمبر2021م
تعرف العلاقات السودانية الإثيوبية بأنها علاقات جوار وتمازج قبلي وجداني ضاربة الجذور في شقها السياسي، تمتد لأكثر من خمسه آلاف عام قبل الميلاد، ولعل أبرز سبب لعراقة هذه العلاقات كان الحاجة المشتركة لنهر النيل، والتي لا تزال مستمرة إلى عصرنا هذا، ويسجل التاريخ الحديث حسب المعلومات اسم عثمان خالد كأول سفير للسودان لدى إثيوبيا قبل الاستقلال والذي يجعل من السودان في قائمة البلدان الأوائل التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إثيوبيا، إلا أن هذه العلاقة لم تصل للجدية المطلوبة إلا بعد استقلال السودان لتأخذ منحىً أكثر قوة ابتداءً من عام 1956.
وتوّجت العلاقة الجدية تلك بتوقيع الكثير من الاتفاقيات بين البلدين وفي العديد من المجالات، إلا أن مستوى التنفيذ لهذه الاتفاقيات يصنف متدنياً، ويرجع هذا التدني للبيروقراطية التي أضعفت قدرات الأنظمة، غير أن هذه العلاقات الشعوبية المميزة اعترتها بعض العقبات، في مقدمتها قضية سد النهضة والتحالف الإثيوبي السوداني، بالرغم من الاتهام بأن السودان كثيراً ما يتحالف مع إثيوبيا في هذا الملف على وجه التحديد ابان بداية الخلاف بين الدول الثلاث، خاصة وان السودان لم يخف مساندته لإثيوبيا حينها علناً.
خلافات الحدود
شكّلت الحدود الطويلة الممتدة بين السودان واثيوبيا، بجانب كونها محلاً للتداخل والتواصل، احدى بؤر التوتر وذلك بسبب احتلال إثيوبيا ووضع يدها على مساحات واسعة من الأراضي السودانية بمنطقتي الفشقة ذات الأراضي الخصبة، وأصبحت الحدود مكاناً للمناوشات العسكرية من وقت لآخر، خاصة بعد ان بسطت القوات المسلحة السودانية سيطرتها على معظم الأراضي المحتلة من قِبل الجيش الاثيوبي وبعض المليشيات.
الأسبوع الجاري شهد في بدايته تجدد التوترات الحدودية، حيث أعلنت القوات المسلحة السودانية تعرض جنود الجيش الذين يعملون في تأمين الحصاد بالفشقة الصغرى في منطقة بركة نورين على الحدود مع إثيوبيا، لاعتداء وهجوم من مجموعات للجيش والمليشيات الإثيوبية استهدفا ترويع المزارعين وإفشال موسم الحصاد والتوغل داخل الأراضي السودانية وأكد بيان للقوات المسلحة أن القوات السودانية تصدت للهجوم، وكبّدت المهاجمين خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، واحتسب عدداً من القتلى، من بينهم ضابطان في اشتباكات عسكرية مع قوات إثيوبية على حدود البلدين. ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر عسكري سوداني قوله إن “ضابطين استشهدا جراء الاعتداء، بجانب بعض الجنود”، ويأتي الاعتداء على القوات السودانية في الوقت الذي تخوض فيه إثيوبيا حرباً على جبهة تحرير شعب تيغراي.
لهذا السبب
التوغل الإثيوبي الجديد حسب المعلومات استهدف تحقيق أمرين، الأول إسناد كبار مزارعي الأمهرا بالفشقة، وثانياً قطع الطريق أمام قوات تيغراى التي تخوض حرباً ضد الجيش الإثيوبي. ومعلوم أن مساحة الفشقة تبلغ نحو مليوني فدان، وتمتد لمسافة 168 كيلومتراً مع الحدود الإثيوبية من مجمل المسافة الحدودية لولاية القضارف مع إثيوبيا والبالغة نحو 265 كيلومتراً.
أصل الهجوم
حسب مصادر عسكرية، فإن الهجوم مع القوات الإثيوبية حدث في منطقة الفشقة الصغرى الحدودية، حينما تقدمت القوات السودانية نحو جبل السقيعة شرق بركة نورين، لتمشيط المنطقة وتنظيفها من بعض الجيوب والكمائن التابعة للقوات الإثيوبية، بغرض تأمين موسم الحصاد من أي هجمات مفاجئة، وسجل قائد الجيش الأعلى الفريق أول عبد الفتاح البرهان عقب الهجوم زيارة لمنطقة الفشقة، وأكد أثناء تفقده للمنطقة أن الخرطوم لا عداء لها مع أديس أبابا، لكنها لن تفرّط في أي شبر من أرض السودان، وأن الشعب السوداني يقف بجانب قواته المسلحة ويساندها لبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني، داعياً مُواطني منطقة الفشقة إلى الانخراط في أنشطتهم الزراعية.
بعيداً عن المُساومة
إنكار من بادر بالهجوم الأخير، اعتبره الدكتور والباحث الأكاديمي صلاح الدومة أنه أمر مستهجن، خاصة من الجانب السوداني صاحب الحق في أراضيه، واعتبر أن النكران سمة الدول الضعيفة، وقال إن اثيوبيا لم تنكر حتى مساعدات احدى الدول لها من أجل قلب موازين المعادلة في ساحة حربها مع تيغراي، ولفت إلى أن السودان له الحق في استعادة كامل سيادته على أراضيه، نافياً أن يكون الأمر انتهازية، ومع ذلك وصف العلاقات السودانية الاثيوبية في مستواها الشعبوي بالممتازة والراسخة بعيداً عن الحقوق المشروعة.
حق أصيل
للسودان الحق في وضع يده على كامل حدود أراضيه، هذا ما يراه الخبير الدبلوماسي جمال محمد ابراهيم، مؤكداً على وجود تداخل قبلي تاريخي بين السودان واثيوبيا على الحدود الشرقية، ولفت إلى ان هنالك عددا من المزارعين الاثيوبيين ظلوا يزرعون في الأراضي السودانية، واعتبرها بعضهم كأنها جزءٌ من بلدهم، بيد أنه اشار إلى ان ما يحدث من حين لآخر من مناوشات تقوم بها مليشيات وليست القوات الاثيوبية، وأضاف “قانوناً، المزارعون الاثيوبيون في تلك المناطق ليس لهم اي حق”.
فرصه مواتية
ويعتقد السفير أن الفرصة اصبحت مواتية للسودان لفتح باب الحوار لاستعادة اراضيه وبسط السيطرة على كامل حدوده الشرقيهة،ويرى ان اولى مهام الحكومة الجديدة بعد تشكليها خاصة وزيري الخارجية والدفاع، يجب أن يكون قيادة حوار جاد مع الجانبين الإثيوبي والمصري لاستعادة كامل اراضيه بالفشقة وحلايب وحسم هذه الملفات بشكل نهائي، وقال يجب ان ينتهي عهد المجاملات وان تمضي الحكومة بشكل جاد وبشفافية في مناقشة حقوق السودان، وقال ان السودان له الحق في اراضيه في حلايب وفي الفشقة التي رسمت منذ 58، وان وضع اليد لا يعطي الحقوق، واضاف ان الوقت الآن مناسب ويجب الضرب على الحديد وهو ساخن، خاصة وان اثيوبيا المشغولة داخلياً لن تبحث عن مشاكل مع الخارج، معتبراً الحوار هو الأنسب لحسم الملفات.