سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع ..
عقد الجلاد .. التغيير في زمن الثوابت!!
(1)
فرقة عقد الجلاد أصبحت جزءا من الوجدان الشعبي .. ذاك الوجدان الشعبي الذي يبحث عن التغيير والتجديد في زمن الثوابت .. لأن المناظر هي ذاتها.. الصور نفس المشاهد .. وذات صوت الأسطوانة القديم .. يردّد ذات التعابير وذات التفاصيل ونفس الكلمات .. لهذا تظل فرقة عقد الجلاد هي واحدة من أدوات التغيير .. ولا غرابة أن يكون ذلك عبر أغنيات الفرقة الباحثة عن وطن يشبه مدينة أفلاطون الفاضلة .. وحلم البحث عن مدينة فاضلة هو نوع من الاشتراك في البحث مع الفرقة .. ولعلنا حينما نذهب لأي حفل لعقد الجلاد فذلك يعني أننا نتشارك الهموم ونحاول جاهدين البحث عن قيم جديدة للغناء وللوطن وللانسان.
(2)
دائماً ما أكون غارقاً في حالة انسجام كبير مع كل أغنيات الفرقة التي تملك خاصية أن تجعلك محلقاً ومهوماً في البعيد.. وأجمل ما الفرقة وشكل التركيبة الغنائية بأنها يمكن أن تعيدك من حالة التخيل والتهويم الى أرض الواقع .. لتتذكر بأنك إنسان (من تراب وماء) .. وهي تتغنى برائعة أحمد مطر (تراب وماء) التي صاغها لحنياً الموسيقار الشاب حمزة سليمان:
أنا من تراب وماء
خذوا حذركم أيها السابلة
خطاكم على جثتي نازلة
وصمتي سخاء
لأن التراب صميم البقاء
وأن الخطى زائلة
ولكن إذا ما حبستم بصدري الهواء
سلوا الأرض عن مبدأ الزلزلة
سلوا عن جنوني ضمير الشتاء
أنا الغيمة المثقلة
إذا أجهشت بالبكاء
(3)
محجوب شريف الشاعر الذي اعتاد شمت محمد نور أن يقطف من حدائقه أجمل الكلمات .. فهو شاعر الشعب الذي قالوا عنه بأنه يعافر في دهاليز الحياة، قابضاً على ثوب الستره، وقيم الفضيلة من الذين أثروا وآثروا وأسروا الذاكرة شعراً وحكمة، وحلماً وتمنيا واقعيا أوقفه للثورة ، والوطن والتغيير والوعي والتقدم، بعين المبدع البصيرة النفاذة وحسه المُرهف، الممزوج بذكاء فطري، نابعٌ من تراكم نضالي كأنه لظي، وظل دئماً، سمحاً إذا نظم، سمحاً إذا كظم، سمحاً إذا ابتسم، يعطي في خفاء، ويمتهن فعل العطاء والبذل، رغم المحن والمواقف القاسية.
وأغنية (باب السنط) هي تأكيد جلي على قيم الوفاء عند هذا الشاعر الإنسان وهو يبكي الراحل علي المك بهذه المرثية الثمينة ذات القيمة الأدبية العالية التي تتجلى في هذه المفردات:
ود باب السنط والدكة والنفاج
والحوش الوسيع للساكنين أفواج
واللمة التي ربت جنا المحتاج
والنار الدغش والريكة جمب الصاج
والشاي باللبن برادو لابس تاج
صينيتو الدهب ترقش كبابي زجاج
والسكسك المنضوم حول الجبينة نجوم
والفنجرية تقوم تقهوج الحجاج
طق طرق يا “بُن” القهوة كيف ومزاج
خلي النعدل الرأس ونحصل الترماج
(4)
الأغنية الجديدة (طواقي الخوف) التي كتب كلماتها الشاعر محمد طه القدال وقام بصياغتها لحنياً الموسيقار الخلوق (شمت محمد نور), وكما أبدع القدال في التجديد في لغة وتركيبة القصيدة, أبدع كذلك شمت في وضع (الألحان) وليس (اللحن) .. لأن هذه الأغنية الروائية الطويلة كانت مجموعة من الأغنيات مضغوطة في أغنية واحدة.
ما خايف المطر
يتحاشى الضهاري الراجية قولة خيرا
ولا خايف المطر
يمشي على الصحاري تلمو في بشكيرا
ولا خايف العشم
يتناسى العشامى ونيما ياكل نيرا
ولا خايف النفس
تتذكر نفسها وتنسى يوم حِدّيرا
خوفي على البلد
الطيب جناها وقمنا في خُديرا
شاحدك يا كريم
لا تحصل خراب لا أرجى يوم ودّيرا
(5)
شمت تجوّل في كل الإيقاعات ما بين الدليب وإيقاع الرق وحتى الدوبيت الأدائي كان حاضراً في تفاصيل الأغنية الكبيرة والتي اتسمت بكل معاني الأغاني الكبار ذات النفس الايقاعي واللحني والأدائي الطويل.. والأغنية رغم مدتها الزمنية الطويلة والتي تجاوزت العشرين دقيقة ولكنها لم تكن (مملة).. لأنني كما أسلفت وقلت إن التجول في الإيقاعات منح الأغنية ذلك القبول والتفاعل من أول وهلة.. وهذا عادة لا يتحقق للأغاني الجديدة التي تحتاج لترديد مستمر حتى يتقبلها الجمهور.