تقرير: إنصاف أحمد
كثيرٌ من المُشكلات اعترضت مشروع الجزيرة، والذي يعتبر أكبر المشاريع الزراعية في السودان، وتقدّر مساحته بـ 2 مليون فدان، حَيث يمتاز بإنتاج القُطن بأنواعه المُختلفة، واحتلت البلاد الصّدارة عالمياً في إنتاجه لما له من ميزاتٍ تَفضيليّةٍ، حَيث تَوفّرت البنية الأساسيّة والخِبرات التّراكُمية التي امتدّت لأكثر من 85 عَامّاً بكل ما يتعلّق بالإنتاج والحِزم التّقنيّة ونتائج البحوث العلمية وزرع القطن بمساحة تصل إلى مليون وسبعمائة ألف فدان، بجانب زراعة مَحَاصيل أُخرى، كَمَا تَمّ إدخال محاصيل جديدة بالمشروع، شهدت نجاحاً ملحوظاً عبر الإنتاجية العالية، ويعتمد على المشروع عددٌ كبيرٌ من سكان المنطقة، وفي السنوات الأخيرة شهد المشروع تدهوراً مريعاً في الإنتاج، إضافةً إلى وجود مشاكل في ملكية الأراضي. وفي العام 2005م قَامَت الدولة بإصدار قانونٍ جديدٍ للمَشروع وتَحديد هَويته وأهدافه بالتّركيز على تفعيل دَور المُزارع في إدارة شأنه الإنتاجي، إلا أنّ المُشكلة المُتجدِّدة جاءت بين قانوني 1927 و2005 بشأن ملكية الأرض، مما أدى إلى صراع بين المزارعين ومُلاك الأراضي والحكومة، التي تعتبرها من مصادرها الاقتصادية التي يجب أن تُخضع لسياستها، ومن المَعلوم أنّه بعد إصدار قانون 2005 وجد اعتراضاً من العديد من أصحاب الشأن لما أثاره من جدلٍ وخلافٍ بين أوساط المُزارعين والأكاديميين والسِّياسيين في تناوله لقضايا المياه والأراضي والتركيبة المحصُولية وعلاقات الإنتاج، ممّا شكّل نقطة تَحوُّل في المشروع، حيث بدأ الانهيار الحقيقي، وأبدى عددٌ من الجهات، اعتراضها على تطبيق القانون، وَتعَالت الأصوات لفترةٍ طويلةٍ بإلغائه رغم اتجاه الحكومة خلال العام 2014م بإدخال تعديلاتٍ على المشروع، ولكن التوصيفات الناقمة على القانون، دمغته بأنّه مُخطّطٌ مدروسٌ لتفكيك المشروع وتشريد المُزارعين وإدخال القطاع الخاص تنفيذاً لرؤية البنك الدولي، وظهرت كيانات عديدة بالجزيرة صارعت القانون وعَملت على إبطاله، ودفعت بمُذكِّرات لرئيس الجمهورية في هذا الشأن، ومؤخراً طَالَبَ تحالُف مُزارعي الجزيرة والمناقل بإلغاء القَانون المُعَدّل لسنة 2019 والعمل بقانون سنة 1984 لحين وضع قانون يُلبِّي طُموحات المُزارعين والعاملين بالمشروع، وأكّد عدد من المُزارعين الذين تحدثوا لـ(الصيحة) عدم رضائهم عن القانون، ووصفوه بأنّه المُسمار الأخير في نعش المشروع، وأدّى إلى دخول القطاع الخاص، فساهم في تدهوره بصُورةٍ ملحوظةٍ، وفي المُقابل أعرب بعض المُزارعين بالمشروع عَن رضائهم بالإبقاء على قانون 2005، حيث أكد العضو السابق بمشروع الجزيرة والمناقل محمود محمد نور، أنّ القانون أعطى الحُرية للمُزارع في اختيار الدورة الزراعية، إضافةً إلى بيع المنتج بالصورة التي ترضي المُزارع، لافتاً الى أنّ إلغاء القانون يعني الرجوع للمربع الأول وهو الزراعة عبر المُفتش، وتسليم المحصول للإدارة دون وجود عائد مُجزٍ، وقال خلال حديثه لـ(الصيحة): الآن المُزارع يقوم بزارعة القطن في مساحاتٍ كبيرةٍ، حيث يتم بيعها من داخل الحواشات، لافتاً أنّ القانون أعطى كامل الحُرية للمُنتج رغم وجود فوضى بعدم التزام المُزارعين بالدورة الزراعية، وقال إنّ العيب الوحيد في القانون هو خروج الدولة عن عملية التمويل نسبةً لتعرُّض البنك الزراعي لخسائر، لعدم مقدرة بعض المُزارعين عن السداد، وأضاف: نحن مع قانُون 2005 لما له من ميزاتٍ تعود بالفائدة على المزارع، خاصةً بعد دخول شركات في عملية شراء القُطن وعبر المَحالج، حَيث ارتفعت الأربَاح بصُورةٍ كبيرةٍ، واتّهم تحالُف المُزارعين بالوقوف ضد القانون والإبقاء عليه، ووافقه الرأي المُزارع عبد الله البشير، الذي أكّد لضرورة الإبقاء على القانون، مشيراً إلى أنّ الفترة السابقة كان العمل يتم عبر الروابط والمُفتشين ولا يتم بالطريقة التي تُرضي المُزارع، وأردف: إنّ القانون نظّم العمل وأعطى الحُرية للمزارع في زراعة المحاصيل التي تعود بالدخل المادي العالي.
ومن ناحيته، دعا الخبير الاقتصادي بروفيسور عثمان سوار الدهب بضرورة إعادة النظر في القانون لما له من تأثيرٍ سالبٍ على المشروع وتقليص المساحات الزراعية، بجانب تَحميل المُزارع مَسألة تَكاليف الإنتاج واختياره الدورة الزراعية والذي أحدث خللاً في المُعادلة وبالتالي فشل المشروع، ولفت في حديثه لـ(الصيحة) إلى أنّ القانون أضعف من إنتاجية القطن، وكان يُعتبر في السابق من مصادر الدخل القومي بنسبةٍ كبيرةٍ، حيث تراجعت الى أقل من 20%، مُشيراً إلى تحوُّل المشروع للإنتاج البستاني والاعتماد على زراعة الخُضروات، مِمّا أثّر على التركيبة الزراعية، موضحاً أن الكمية المنتجة لا تتعدّى 400 ألف طن، وطالب بوضع معادلة جديدة للخارطة الزراعية، مع وضع أسعار مُجزية للمُزارعين.