عبد الله مسار يكتب المسكوت عنه في السياسة السودانية (2)
2ديسمبر2021م
قلنا في المقال الأول عن المسكوت عنه في السياسة السودانية, إن الأحزاب السياسية في السودان من ذوي غرة الاستقلال أو قبله قليلاً قامت على الأبوية الطائفية وقام السيدان بدور الراعي لهذه الأحزاب, بل بعضهم ممولٌ وصارت النخب السياسية رغم علمها وخبرتها تعمل تحت عباءة الطائفية ثم أضيفت الى الأحزاب التي ترعاها الطوائف والاحزاب العقائدية يسار ويمين, وهي جاءت إليها الفكرة من خارج البلاد كالحزب الشيوعي وتوابعه وحركة الإخوان المسلمين التي شكّلت نفسها في أحزاب غيّرت أسماءها مرات عدة.
وظلت الأحزاب السياسية الطائفية يتداول قيادتها أبناء الطائفتين عدا اليسير من الزمن الذي قاد فيه آخرون الحزب الاتحادي الديمقراطي وذلك في حضرة الزعيم الأزهري, أما حزب الأمة فظلت تتوارثه أسرة المهدي من لدن الإمام الصديق وحتى الإمام المرحوم الصادق المهدي ومازال الحبل على الغارب.
ثم أيضاً انطبق طول عُمر القيادة في الأحزاب العقائدية, حيث قاد حركة الإخوان المسلمين التي تحولت الى أحزاب بمسميات مختلفة الدكتور الترابي رحمه الله حتى الوفاة, وكذلك عبد الخالق محجوب حتى موته ثم خلفه محمد ابراهيم نقد وظل يقود الحزب الشيوعي حتى وفاته.
إذن ظلت هذه الاحزاب تتوارث القيادة وتبقى فيها حتى الوفاة سواء كانت طائفية أو عقائدية.
ودخلت معهم في شراكة هذه الأحزاب الإدارة الأهلية والصوفية, ولكن ليس في رأس الأحزاب, وإنما في صفه الثاني, حيث إن أبناء العشائر وأبناء شيوخ الطرق الصوفية كانوا نواباً في كل برلمانات السودان وظلوا كذلك في كل العصور من المجلس المركزي قبل الاستقلال ومروراً بالاستقلال, وانتهاءً بآخر مجلس وطني, ولذلك لم يستقر الحكم في السودان لأنه لا يقوم على أحزاب ديمقراطية في ذاتها, فكيف تحافظ على حكم مدني ديمقراطي. ولذلك كثر التشاكس بينها فولّد ذلك الانقلابات العسكرية التي يُسلِّم فيها حزب الحكم للعسكر بعد ان يختلف مع رصيفه الآخر او يتّخذ موقفاً معادياً للآخر وهكذا ظل السودان دولة مأزومة سياسياً ولَم يستقر النظام الديمقراطي فيها, زادت فترات الحكم العسكري, لأن العساكر لا يقومون باستلام السلطة برغبة ذاتهم ولكن يستولون على السلطة بدفع من حزب أو أحزاب بعد أن تتشاكس وتختلف, ويسعى بعضها الى تصفية الآخرين وهكذا حتى في الفترات الانتقالية يحدث ذلك حتى تدخّل البرهان في 25/10/2021 نتيجةً لخلاف أحزاب الحرية والتغيير مع بعضها وإقصاء جزء منهم للآخرين وانفراد بعضهم بالسلطة.
إذن الأحزاب السياسية لم تقم على الديمقراطية,. ولذلك لا تستطيع أن تحافظ على الديمقراطية لأنها أصلاً لا تمارسها, بل يظل قائد الحزب من الميلاد الى اللحد, وهكذا صارت الديمقراطية في مهب الريح باستمرار. إذن المرض القاتل في السياسة السودانية جاء إليها من الكنكشة في القيادة وتوارثها على أساس قبلي أو طائفي أو عقائدي أو ديني, بل بقاء القيادة طيلة حياة القائد لا يتم تداول للقيادة في حياة رأس الحزب أبداً.
إذن, السياسة, السودانية مصابة في مقتل في الأحزاب التي مطلوب منها ممارسة الديمقراطية وتداول السلطة في داخلها قبل ممارستها في الحياة العامة أو في إدارة الدولة, ولذلك إصلاح الحكم يحتاج إلى إصلاح مواعينه, ومواعينه الأحزاب.