الخرطوم: جمعة عبد الله
ستكون الموازنة المقبلة 2020م, تحدياً عسيراً على الحكومة وهي أصعب مهمة تنتظرها، قياساً على تبعات إرث ثقيل من الانتكاسات الاقتصادية لا تبدأ من افتقار البلاد لموارد حقيقية لتمويل هذه الموازنة ولا تنتهي بتدهور العملة الوطنية، بطبيعة الحال سترث الحكومة الجديدة ذات المعضلات التي واجهتها سابقتها، بسبب شُح مَوارد المُوازنة وما أحدثته من اختلالات إضافية على الوضع الاقتصادي، ويبدو حلم الوصول لمرحلة ما قبل 2018 بعيد المنال، ففي ذلك الوقت لم يكن الدولار تخطى حاجز الـ20 جنيهاً.
ويشير مراقبون الى صعوبة معالجة افتقار الموازانات السابقة للموارد الحقيقية في التمويل، حيث يبدو ان التخلص من هذا الإرث مهمة ليست بالسهلة، خاصة في ظل عدم تغيُّر كثير من السياسات السابقة، وأولها وضع البلاد كدولة لا تملك الكثير من الموارد الحقيقية في الوقت الراهن، وبُطء نتائج الإصلاح الاقتصادي الذي أعلنته الحكومة، بالإضارفة الى تبعات سياسية تتمثل في عدم الاستقرار واستحقاقات إحلال السلام.
مصادر التمويل
ونظراً لعدم تغيُّر الكثير من الأوضاع، فمن المُرجّح أن تسير الموازتة العامة لسنة 2022 على نهج سابقتها موازنة 2021 التي اشارت في اعتماداتها بشكل أساسي على الضرائب والجمارك ثم على الذهب والبترول بشكل ثانوي، ويبدو وفقاً لاعتمادات موازنة 2022, فإن المنح والقروض من أهم دعائمها وفق إعدادات الموازنة بصورة مباشرة، ويبقى الرهان على ذلك من قبل خبراء اقتصاديين بعد استئناف العلاقات الخارجية وبمجرد تكوين حكومة كفاءات من مستقلين بقيادة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك وآخرين, يشيرون إلى أن عدم الاستقرار السياسي في البلاد سينعكس خصماً وربما سيتسبّب في كارثة اقتصادية وإنسانية، ووفقاً للمؤشرات الحالية التي يراها المُختصون أنه لا بد من وضع موازنة تحقق تراجعاً في معدلات التضخم واستقراراً في أسعار الصرف وزيادة في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة في معدلات التشغيل للحد من تنامي البطالة، ومن المؤمل أن تتحقّق التنمية الشاملة رغم الأوضاع الاقتصادية المُتردية بتضافُر الجُهُود لتشجيع الاستثمار على أسس تكامل أدوار القطاعات الاقتصادية.
موارد ذاتية
وكان الناطق الرسمي باسم وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، أحمد الشريف، قد قال إن الموازنة الجديدة للدولة للعام (2022) تعتمد على الموارد الذاتية للدولة من رسوم جمركية وضرائب ورسوم مصلحية وغيرها من الإيرادات الذاتية.
وتوقع الشريف، تدفق المنح والقروض قريباً بعد توقيع الاتفاق بين البرهان وحمدوك لاستكمال الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ تنفيذه منذ العام الماضي بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وأضاف الناطق باسم وزارة المالية: “الآن يجرى إعداد الموازنة العامة للدولة للعام الجديد والمُناقشات مع الوحدات والمؤسسات الحكومية حول مُقترحات الموازنة الجديدة وفقاً للاعتماد على الموارد الذاتية ونتوقّع حدوث انفراج اقتصادي بعد توقيع الاتفاق بين البرهان وحمدوك وتدفق المنح والقروض قريباً وبالتالي يمكن استيعاب المنح والقروض في الموازنة الجديدة”، وتوقع أن يعود العون الخارجي ويحدث انفتاح جديد لاستكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي.
اعتماد الموازنة
المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان، قال إن الموازنة تعتمد بشكل أساسي على الضرائب والجمارك ثم على الذهب والبترول بشكل ثانوي، معتبراً أن المنح والقروض من أهم دعائم الموازنة القادمة وفق إعدادات الموازنة قبل التطورات السياسية الأخيرة التي ادت إلى تجميد المعونة الأمريكية البالغة 700 مليون دولار والمنحة المقدمة من البنك الدولي عبر وكالة التنمية الدولية البالغة ملياري دولار, إضافة لتجميد دعم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والتهديد بإلغاء مشروع إعفاء الديون الخارجية، وأشار إلى أنّ المانحين الدوليين لم يعلنوا حتى الآن عن إلغاء تجميد الدعم الدولي, وبالتالي فإن خبراء الموازنة مضطرون لإعداد موازنة تعتمد بشكل كلي على الموارد المحلية فقط مع فتح الباب لإدخال تعديلات على الموازنة في حالة تدفق المنح والقروض من المانحين الدوليين، ورهن ذلك بعد استئناف العلاقات الخارجية معهم بمجرد تكوين حكومة كفاءات مُستقلين بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
شكوك
وقال المستشار الاقتصادي، الشاذلي عبد الله عمر، لا توجد أي مؤشرات حالياً تبنى عليها الموازنة وإن كانت في السابق هناك احتياطي وبعض الدعومات من الخارج التي تغطي أكثر من 50% في الموازنة الآن توقّفت, وبالتالي نحن بدأنا من خانة الصفر خاصةً بعد الأحداث الأخيرة التي جرت في البلاد الشهر الماضي، مستبعداً وجود إيرادات عن طريق الضرائب والجمارك بصورة واضحة, وبالتالي هذا يُشير إلى أن الموازنة لن تصمد ما لم تحدث تغييرات وسياسات وانفراج سياسي في البلاد، وتابع قائلاً ما لم يستقر السودان سياسياً, فإن هذا سيتسبب في كارثة اقتصادية وإنسانية, بجانب أننا ننتظر ونراقب ما سيحدث في السودان في الفترة المقبلة.
خيارات التمويل
الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي، قال وفقاً للمؤشرات الحالية لا بد من وضع موازنة تحقق تراجعا في معدلات التضخم واستقرارا في أسعار الصرف وزيادة في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة في معدلات التشغيل، ورهن تحقيق التنمية الشاملة بتضافر الجهود لتشجيع الاستثمار على أسس تكامل القطاعات الاقتصادية، وَحَدّدَ خيارات بطرق مُحتملة لتمويل العجز تتلخّص ابتداءً بالخيار الأسهل والأكثر ضرراً على الاقتصاد والمجتمع ويتمثل بطباعة العملة الورقية، والخيار الثاني يتمثل في الاقتراض الداخلي من خلال إصدار سندات الخزينة، أما الخيار الثالث والأخير فهو اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، وقال إن الأخير هو الأفضل لتمويل العجز وهو المعتمد في كثير من الدول المتقدمة وغيرها بشرط ألا تتجاوز نسبة الدَّين الداخلي 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وتساءل هل هذا الخيار ممكن ومتاح أمام الحكومة؟ وواصل حديثه بأن المُستثمر دائماً يبحث عن الربح ويعتمد على عنصر المخاطرة أيضاً في اتخاذ قرار الاستثمار، وأشار إلى أن وضع أي بلد غير مستقر سياسياً فإن ذلك لن يشجع أحداً على الاكتتاب الاستثماري، وفسّر د. هيثم بأن الخيار الثاني هو خيار مُرجح وهو قيام الحكومة بالاقتراض من المصرف المركزي عن طريق الإصدار النقدي أو طباعة النقود، وعدّد عيوبه بأنها تكمن في المخاطر والآثار الاقتصادية المُترتِّبة على ذلك بزيادة في الكتلة النقدية للعرض النقدي غير مُتكافئة مع الزيادة في عرض السلع والمنتجات والخدمات، ونوّه بعد ذلك سوف نصبح أمام حالة «نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة» مما يحدث ويُسبِّب مزيداً من الارتفاع في الأسعار، ومزيداً من التدهور في القوة الشرائية للجنيه السوداني، وقال الباحث الاقتصادي, تأتي موازنة 2022 في ظل التدهور المستمر لقيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، الذي بدوره أدى إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم، وزيادة أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن في معاشه اليومي، وزاد بالقول تُواجه موازنة 2022 تحديات خارجية وداخلية، قد تؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي وزيادة التضخم وارتفاع نسبة البطالة وعجز الموازنة وزيادة الدين العام، وقال في تقديري هناك ضرورة لانتهاج الحكومة لسياسات تقشفية فيما يتعلق ببنود الصرف والانفاق على تسيير مؤسسات الدولة.