أعرف “شخصيتك” من ميلك اللوني بَاحثةٌ سُودانيةٌ تبحث عن صلة “اللون” بخبايا النفس
الخرطوم- فرح أمبدة
إذا كنت تُفضِّل اللونين (الأحمر والأصفر) فأنت إذن لك مقدرة فائقة على العمل, ولكنك تتصف بالاندفاع في جوانب أخرى من حياتك قد تهد ما بنيته، وإذا كنت مِمّن يميلون للونين (الأحمر والرمادي), فإن ذلك يشير إلى طبعك الهوائي المتقلب والذي عادةً ما يجعل رغبة الانتصار على أقرانك بغض النظر عن الوسيلة مُسيطرة عليك، أما من يُفضِّلون اللون البنفسج فهم محبون ومُجاملون رغم ما يخفون من مُكرٍ.. والغارقون في حب اللونين الأصفر والأزرق فإن بحثهم عن السعي لإرساء عواطفهم على مرفأ مأمون هو من يؤدي بهم إلى النجاح عكسهم من يُميلون إلى اللونين الأصفر والبنفسج, فعليهم أن يكتفوا بإطلاق العنان لخيالاتهم وأحلامهم ورغباتهم في اجتذاب من هم حولهم دون فعل “شئٍ محسوسٍ”, فالتحرك الخيالي يصطدم في الغالب بالفشل.
خدمة اللون
كان هذا خلاصة ما توصّلت إليه الباحثة السودانية أم حقين سومي محمد, بعد أن قضت أكثر من عامٍ تبحث في ارتباط اللون بمعرفة “خبايا” الشخصية السودانية، تقول وهي تتحدّث معي: سألت نفسي يوماً أنّ الله خلق كل شئ من أجل الإنسان , فلا بد وأن اللون هو “خدمة” قدّمها الله لنا, خاصةً وأنه يملأ كل الأمكنة من حولنا.. وكان هذا السؤال هو المدخل لدراسات متعددة أنجزت منها حتى الآن “الأثر النفسي للون” و”الدلالة الرمزية للون” و”الطب والتداوي باللون”، “اللون والخداع البصري” بالإضافة “إلى اللون وقراءة الشخصية”.
نتائج مثيرة:
تقول أم حقين.. التجربة لم تبدأ بي ولكنها بدأت منذ منتصف القرن الماضي, ولكن هذا البحث حتى الآن هو الأول من نوعه في السودان وقد وزّعت استمارة لجمع المعلومات لأكثر من ثلاثة آلاف شخص منهم (1500) طالب وطالبة. وكانت من أهم النتائج التي توصلت إليها أن لا تُعمّم نتائج البحوث على كل المُجتمعات الإنسانية, فمسألة التفضيل اللوني ومعرفة الشخصية من خلالها تختلف من بيئة لأخرى ومن ثقافة إلى ثقافة، ولهذا فإنّ البحث الحالي يُمكن أن ينسحب على الشباب خاصةً في المنطقة التي تشترك مع السودان في الخلفية الثقافية والبيئية والمناخية والمعاشية (الظروفية).
وتقول: من خلال البحث توصّلت إلى حقيقة وهي أنّ هناك “مُتغيِّراً” فيما يتعلّق بالنوع, خاصةً بين الطلبة والطالبات والذين هم في أعمار طلاب الجامعات فيما يتعلّق بتفضيل اللون – ولذلك فإن قراءة شخصية الفتاة التي تحب اللون الأزرق مثلاً قد تختلف عن قراءة شخصية الطالب الذي يحب نفس اللون وقد تتّفق (لذلك تجئ قراءتي للأفراد من الجنسين الذين يشتركون في تفضيل نفس اللون من خلال تفضيلاتهم للألوان الأخرى, بجانب اللون المُشترك بينهم).
ألوان هادئة
ومن الجوانب المُهمّة التي تشترك فيها الشابات السودانيات هذه الأيّام, هي الميل إلى الألوان الهادئة عكس ما كان عليه الأمر في منتصف الثمانينات, حيث كانت الفتاة السودانية تميل إلى الألوان الصارخة مثل الأحمر والأصفر، وعن السِّبب في ذلك تقول أم حقين, ربما كانت الظروف المعيشية الصعبة التي جعلت نفسية الفتاة أقرب إلى العقلانية والواقعية – ولكن هذا لا ينسحب على الكل – فمن العينة هناك الكثير من الفتيات يملن إلى اللون البنفسجي بجانب الأزرق, مما يعني أنهن يملن للخيال والعواطف الجيّاشة, كما أنّ هذا يعني أيضاً أنهن متقلبات في ارتباطهن العاطفي مع شخصٍ واحدٍ – وهذا ما يُفسِّر كلمة “العقلانية” أي أن يكون أمام الفتاة أكثر من اختيار ولهذا تفسيرٌ وهو واضحٌ في ميل الشباب الذكور من نفس أعمارهن إلى تفضيل اللون الأزرق وهو معروفٌ بأنّ صاحبه (غير راكز) ويميل على الجدل والتغيير, ولكن قليلاً ما يكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين.
تفوق نسائي:
وتقول الباحثة أم حقين من خلال البحث, إنّ عدداً كبيراً من الطالبات دون سن الـ20 يُفَضِّلن اللون الأبيض, مما يعني أنهن أكثر وضوحاً في الفكر وفي التعبير عن أنفسهن وفي تحديد احتياجاتهن وأهدافهن. وفي المّقابل, إنّ الطلبة “الذكور” صغار السن أكثر ميلاً للون الرمادي وهذا يعني أنّهم أكثر تفاؤلاً ورومانسية ولكنهم سطحيون وليست لديهم أهداف محددة.
في السابق, كان الشباب السوداني من الجنسين أكثر ميلاً إلى اللون البنفسج, لذلك كانوا أكثر ثقةً في أنفسهم ولهم المقدرة على الابتكار، أما عينة البحث فقد أظهرت تضاؤلاً في نسبة الابتكار بين الشباب حديث العهد بهذه المرحلة, وتُرجِع أم حقين ذلك إلى حالة التشتت التي يعيشها الشباب “الأمر له أكثر من وجه, ولكن في العموم الشاب السوداني يعيش حالة من الضياع, لذلك أصبح لا يميل إلى الألوان التي تفسر حالة الثقة في النفس وتحديد الأهداف والسعي الجاد لتحقيقها”.
البيئة واللون:
وتختتم حديثها معي بالقول, إنّ للبيئة الاجتماعية النفسية وللظروف المعيشية دوراً كبيراً في تحديد الميل لهذا اللون أو ذاك, ولذلك فمن المُمكن أن يبدأ الشخص حياته بالميل للونٍ مُعيّنٍ ولكن لا يعني هذا أن يظل يميل لنفس اللون طيلة مراحله العمرية. وتقول – إنّ هذا البحث قد لا تنسحب نتائجه على كل الشباب في المنطقة العربيّة, ولكنها لا تبتعد كثيراً عنها خاصة وسط شباب الدول التي تعيش ظروفاً مقاربة لظروف السودان، ولكن مُجملاً يمكن أن تنطبق نتائج البحث على المنطقة العربية ومنطقة القرن الأفريقي (جيبوتي – إريتريا وشمال وغرب اثيوبيا) والسبب هو الخلفية الثقافية والاجتماعية والمعيشية المُشتركة.