قصص المسارات التي وقعت في اتفاق جوبا للسلام, تستحق أن تُفرد لها مساحات ومساحات كون أنها لم تفارق الوثيقة التي جرى فيها التوقيع قيد أنملة وأصبحت معلقة ما بين السماء وبين الأرض.. تجاهلتها حكومة حمدوك الأولى وتجاهلها المجلس السيادي السابق, ونخشى أن يتجاهلها المجلس السيادي الحالي الذي تم تكوينه مؤخراً, علماً بأن إلغاء هذه المسارات كما يُطالب البعض يلغي الاتفاقية برمتها ويجعلها في طور العدم.
وإذا تتبّعنا ما يدور حول هذه المسارات نجده كله يدور حول مُطالبات بإبعاد الشخصيات التي جاءت بها, كما تُطالب تنسيقيات كيانات البجا بإبعاد بعض الأشخاص بعينهم, ومُطالبات ما يسمون بأسماء شمالية وكيانات وهمية بإبعاد الجاكومي والذين جاءوا بالاتفاقية.
وللأسف الشديد, هنالك من يستمع إليهم وينصت, ويحاول سراً أو علانية تنفيذ مطالبهم مع أنها مطالب قد تنسف اتفاقاً كاملاً وضع حدّاً لاحتراب دارفور.
لا يُمكن بالطبع أن يتم إلغاء أي مسار إذا كان هنالك مَجَالٌ لاستيعاب كل المطالب الأخرى التي يراها البعض مهمة.
حينما وقع السيد موسى محمد أحمد وآمنة ضرار ومبروك مبارك سليم من قبل, اتفاق الشرق مع النظام البائد, لم يعترض أحدٌ ولم يقل أحدٌ إنه اتفاقٌ ناقصٌ لم يستوعب قضايا ومشاكل البجا المعروفة, جميعهم رضوا بالاتفاق رغم أنه لم يحقق شيئاً للإقليم, وأنفقت معظم أمواله الضخمة التي دفعها المانحون في أشياء غير مفيدة وقامت مبانٍ ومدارس في مناطق خالية من السكان, بل الطريق الاستراتيجي الذي يربط بورتسودان وقرورة لم يكتمل بعد.
والمسارات التي وقّعت في جوبا هي ضمن اتفاق مُهم, نجحت الحكومة في توقيعه تنفيذاً لشعارات الثورة “سلام.. حرية وعدالة” ولا مجال لإلغائه, وإلا نكون نحرث في البحر ونفتح على أنفسنا أبواباً أخرى من الاعتراض والإغلاق!!
نحن نحترم كيانات البجا, ونعلم أن لهم حقوقاً, ولكن إذا أردت أن تُطاع فأمر بالمُستطاع, ولهذا ينبغي أن تكون هنالك منطقة وسطى تحفظ حقوقهم كاملةً دون المساس بإلغاء المسار وإدخال البلاد في أتون صراعات جديدة.
أما بالنسبة للشمال فهو يختلف, وعلى الحكومة أن تنفذ مسار الشمال كاملاً ولا تنصت لأولئك الذين تدافعوا بالمناكب لنيل مكاسب شخصية برفضهم له, سارعوا بتكوين كيانات بعدد الحصى والرمل باسم الشمال, وجاءوا ليطالبوا ويتحدّثوا عن ظلم الشمال وأن نسبة العشرة بالمائة التي نص عليها اتفاق مسار الشمال قليلة ولا تتناسب مع الشمال.
أين كانوا حينما كانت المفاوضات تُجرى, لماذا لم نسمع لهم صوتاً..؟
تُخطئ الحكومة ويُخطئ السيد ياسر العطا عضو المجلس السيادي المُمسك بهذا الملف إذا حاول إرضاء من يُهدِّد بإغلاق الشمال على حساب اتفاق مُلزم وقانوني.
رضي مُوقِّعوه بأن ينتظروا على الرصيف في انتظار تنفيذه ولم يُهدِّدوا ولم يقطعوا الطريق.
علماً بأن قطع الطرق مسألة سهلة للغاية, لكنها لا يمكن أن تكون مبرراً لتحقيق المكاسب..!