بروفيسور الفاتح حسين يكتب : أنواع غناء المرأة في السودان
أغاني الحكّامات:
ينتشر هذا النوع من الغناء في مجتمع دارفور وكردفان بغرب السودان وتقوم به إحدى النساء ويطلق عليها (حكامة) وهي مأخوذة من كلمة الحكمة، حيث تلعب الحكامة دورا وضحا في مجتمعها، فهي التي تضع قوانين وأسس المجتمع في الأخلاق والكرم والشجاعة والجود، ولها القدرة في إثارة الحرب بين قبائل المنطقة او إيقافها, فهي تعتمد على الارتجال الفوري في الشعر وتتمتع بفصاحة اللسان وسرعة البديهة وهو ما يجعل أفراد المجتمع وخاصة قادته يحرصون على تحسين علاقتهم بها ويتجنبون الوقوع في خطأ أمامها تحاشياً للحرج والحديث القوي الذي قد يصدر منها في مواجهتهم وربما يتحول الى موقف تاريخي تتناقله الأجيال المتعاقبة.
أغاني التُّم تُم:
المقصود بأغاني (التُم تُم) هي تلك الاغنيات الخاصة بالبنات وتستخدم فيها آلة (الدلوكة) وهو ضرب إيقاعي في الميزان الثنائي المركب، وفي الثلاثي البسيط ويتميز هذا النوع من الغناء بخفة الإيقاع وسرعة اللحن وبساطته وخلوِّه من التعقيدات, إذ غالباً ما يكون على وتيرة واحدة وطابعة التكرار وهو مبنيٌّ على النظام الخماسي الخالي من أنصاف الأبعاد الصوتية، وكلمة (التُّم تُم) ليس لها معنى واضح غير أنه مصطلح شعبي يرمز إلى رقصة وغناء (التُّم تُم).
ويرى الفاتح الطاهر أن عنصر الجذب الرئيسي لهذا النوع من الغناء يكمن في إيقاعه الذي يدفع إلى الحركة والرقص, فهي بالنسبة للسودانيين مثل ايقاع السامبا عند البرازيليين وإيقاع الفالس عند النمساويين, ويؤكد مختلف الباحثين على أن هذا النوع من الغناء قد ارتبط في نشأته وبداياته بالنساء سيئات السمعة ومن يعيشون على هامش المجتمع ، كما يتفقون أيضاً على أن مصدره هو مدينة (كوستي) وموقعها على النيل الأبيض جنوب الخرطوم ، وورد إلى أم درمان في حوالي عام 1935، وترى أروى الربيع أن مدينة كوستي وبوصفها مدينة تجارية حديثة ـ في ذاك الوقت، وملتقى للطرق البرية والنهرية ، قد استقبلت هذا الإيقاع والنوع من الغناء ضمن ما استقبلته من مجموعات كبيرة من تجار الريف من مختلف بقاع السودان، ثم صدّرته بعد ذلك إلى المدن الأخرى وبخاصة مدينة أم درمان.
انتشرت أغاني (التُّم تُم) اولاً بمدينة كوستي في العام 1935م على يد أختين هما (أم جباير وأم بشاير) وكن من اشهر مغنيات ذلك النوع من الغناء وبعد انتقال هذا النوع من الغناء إلى أم درمان ظهرت مغنيات بنفس الأسلوب أمثال (رابحة التُّم تُم من منطقة الدويم) و(سامية) و(المظ وهاط) و(خديجة بت معتوق) و(فاطمة خميس) و(فاطمة رزق) و(ساوا بمنطقة أبو روف) و(بخيتة أم زميم) و(بنونة) و(مندي) و(عشة أم رشيرش).
بعد أن انتشرت أغاني (التُّم تُم) في مدينة أم درمان، ارتبطت أيضاً بالنساء سيئات السمعة وابتعد الرجال عن غنائها باستثناء قلة منهم أمثال (أبو حراز، إبراهيم زغرب، الطيب إبراهيم وفضل المولى زنقار), ولما بدأ هذا النوع من الغناء في الذيوع والانتشار نسبة لخفة إيقاعه وحلاوة ألحانه, انتبه الشعراء والمغنون إلى بساطة كلماته وعدم جودة مضمونها أحياناً فشرعوا في تأليف الأشعار والأغاني على إيقاع (التُّم تُم) وعلى ألحانه، إذ كانوا يستبدلون الكلمات الأصلية للأغنية وغير المقبولة اجتماعياً بأخرى ذات دلالات ومعان واضحة, بل حملوها قيماً ومضامين وطنية أو عاطفية أكثر رقياً, ومن أمثلة ذلك الأغنية المنتشرة والتي تغنى بها المطرب فضل المولى زنقار ويقول مطلعها:
سوداني الجوة وجداني بريدو
والتي وضع كلماتها الشاعر عبد القادر تلودي لتحل محل أغنية البنات والتي تقول كلماتها:
دو دو بي وأريتو كان طار بي اللوري