لقاء الـ(18) مع حمدوك.. قشة تقصم ظهر وحدة حلفاء الأمس
الخرطوم: الطيب محمد خير
أفرز الاتفاق الموقع بين رئيس الوزراء د. حمدوك والقائد العام للقوات المسلحة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان, مؤشرات بإمكانية حدوث انفراج في حالة الاحتقان التي شهدها النظام السياسي السوداني، إلا أن هذه المؤشرات حسب مراقبين لا ترتقي إلى حد الرهان على تغيير حقيقي للواقع السياسي المأزوم الذي ينشده الشعب السوداني في ظل محاولة بعض القوى السياسية التسلل مجدداً لفرض هيمنتها على رئيس الوزراء عبر الوفود التي بدأت تتقاطر لإعلان تأييدها ومساندتها له, متحججة بعدم ترك ظهر رئيس الوزراء مكشوفاً وملء الفراغ الذي حدث ويفتح الباب لعودة فلول النظام البائد بسبب غياب الحرية والتغيير، ومن هؤلاء كان لقاء (18) عضوا من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير مع حمدوك والذي ربما جاءت نتيجته بغير التوقعات فقد أريد له أن يظهر تأييداً لحمدوك, بيد أنه ربما مثّل القشّة التي تقصم ظهر بعير وحدة تجمع الثورة العريض.
صفة حزبية
رغم تأكيد رئيس الحزب الناصري ساطع الحاج ابرز القيادات المشاركة في اجتماع الثلاثاء الذي اكد ان الاحزاب والكيانات اجتمعت مع رئيس الوزراء بصفتها الحزبية لا ممثلة لقوى الحرية والتغيير, رغم هذا التبرير لم تسلم هذه المجموعة من الاتهامات التي دمغها بها حزب المؤتمر السوداني بأنها مجموعة انقلابية انتحلت اسم المجلس المركزي للحرية والتغيير والتقت رئيس الوزراء وأبلغته تأييد الحرية والتغيير للاتفاق رغم انها اعلنت موقفها الرافض للاتفاق في بيان رسمي, ويشي هذا الهجوم والاتهامات المرسلة بظهور بودار أزمة انقسام وشيكة تنذر بانفجار داخل تحالف قوى الحرية والتغيير وتشكيل تحالفات جديدة غير واضحة المعالم حتى الآن كبديل لتحالف قوى الحرية والتغيير الذي تم تشكيله كذراع سياسي للقوى المعارضة إبان فترة النظام البائد، لكن بعد بلوغ عتبة سقوطه الإنقاذ اصبح شبح الانهيار يتهدد هذا التحالف خاصةً في أعقاب فشله في إصدار جدول أعمال مشترك أو استراتيجية شاملة تنهي خلافاته المتجذرة حتى يتمكّن من إدارة المرحلة الانتقالية بما يكشف أن كل التحالفات كانت تكتيكية وليست شاملة بطبيعتها ويظهر من سعي كل حزب لتحقيق مصالحه الخاصة والانغماس في بحر الصراع, ما زداد من فرصة الانقسامات داخل التحالفات.
تشظٍ وانقسامات
ولم تقتصر الاتهامات والانقسام بين مؤيد ومعارض للاتفاق داخل تحالف قوى الحرية والتغيير, بل تعداه لداخل حزب الأمة بمطالبة قطاع المرأة والشباب بالدعوة لانعقاد الهيئة المركزية أعلى سلطة تشريعية في الحزب لسحب الثقة من الرئيس المكلف اللواء برمة ناصر ومحاسبة الأمين الواثق البرير اللذين كانا أكثر ظهوراً وفعاليةً في التفاوض الذي أفضى للاتفاق الموقع. في المقابل احتفظ الحزب الشيوعي بموقفه الرافض للشراكة بين المكونين العسكري والمدني وإسقاطها بالشارع، وانتهز الفرصة وركب ذروة موجة السخط الواسعة على الأحزاب السياسية التي شاركت قيادتها في الوساطة, ولم يسلم رئيس الوزراء من لهيب نيران الهجوم الذي شنّه الحزب الشيوعي على لسان سكرتيره العام مختار الخطيب, الذي قال ان حمدوك وقع وثيقة الاتفاق المعيب بتأثير من قوى خارجية يخضع لها, لافتا الى ان الوثيقة تم تصميمها من قبل قوى إقليمية ودولية وبرجوازية ورجال أعمال سودانيين, هدفت لإجهاض الثورة وإفساح المجال للهبوط الناعم لإشراك الحركة الإسلامية.
تكريس العودة
وكل ذلك تواجهه رؤية مراقبين ومحللين تقول أياً كانت التحالفات الجديدة التي ستنشأ نتيجة هذا الانقسام، فإنها لن تكون سوى محاولة لتكريس عودة هيمنة وتأثير القوى السياسية الحزبية وقوى المجتمع المدني على مراكز صناعة القرار في الدولة، خلافاً لما نص عليه الاتفاق الذي عاد به حمدوك لمنصبه، بإبعاد القوى السياسية عن السلطة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية وقيام حكومة تكنوقراط مستقلة، تستعيد هيبة الدولة في إطار المؤسسات والقانون.
وعلى صعيد المقابل في الضفة الاخرى تكثر الانتقادات للأحزاب السياسية ونخبها بالسعي خلف مصالحهم الخاصة بدلًا من الدفاع عن المصالح الوطنية الأوسع نطاقا وهذا ما ترفضه القوى السياسية.
استقرار ثوري
ويؤكد المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر ان تحالف قوى الحرية والتغيير شكّل اهم دعامات نجاح ثورة ديسمبر وتعتبر قيادته لها في ظروف صعبة وبالغة التعقيد من أهم إنجازات هذا التحالف حتى تمكن من الوصول بالبلاد لحالة الاستقرار الثوري, ولنتائج معقولة ومقبولة لدى كل السودانيين، هذا من جهة, ومن جهة اخرى رغم كل الاختلافات في الرؤى بين مكونات قوى الحرية والتغيير, استطاع في مرحلة تشكل منعطفا خطيرا وفترة حالكة ان تتوافق على اختيار رئيس الوزراء وتوفر له خيارات من شخصيات ليختار من بينها طاقم حكومته من الوزراء.
تباين رؤى الاختلاف
واضاف عبد الله خاطر لـ(الصيحة) انه ورغم التباين والاختلاف بين مكونات قوى الحرية والتغيير كحاضنة بكل هذه المقدرات والامكانات التي انجزت بها الثورة, إلا أنها لم تكن على توافق وتماهٍ على الدوام وهذا واضح من خروج بعض أطرافها منها وتجميد البعض الآخر لعضويته في التحالف، لكن تباين الموافق من الاتفاق الذي وقع الاحد الماضي إن جاز يمكن التعامل معه بعقلانية بعد وصفه أو تسميته بأنه فرصة لإعادة تقييم ما حدث في المرحلة الماضية بتحديد مواضع النجاح وتحديد الخلل، ومن ثم البدء في مرحلة جديدة برؤية واستراتيجية توافقية بالاتفاق على الحاضنة الموضوعية لحكومة حمدوك التي ستتشكل وليس احتواؤها سياسياً بأن تترك تعمل وفق رؤية رئيسها وعضويتها من الوزراء, باعتبار هذه الحكومة من اختيار رئيس الوزراء وان تتم مراقبة ادائها وتقييمها من خلال المجلس التشريعي، وفيما يلي المشاركة أن تتم من خلال السياسات العامة ليكون كل حزب جزءا من تشكيل مستقبل البلاد.
مغبة التجريم
وقال خاطر “لا ارى جدوى من الشحن والشحن المضاد او التجريم والإدانة المطلقة في هذه المرحلة من قبل اي جهة كانت تجاه جهة أخرى, هذه يحب ان تختفي الآن في صمود الشارع بهذه القوى, وبالتالي على القوى السياسية ان تضع التحضير للانتخابات كهدف أساسي”.
واضاف خاطر بما يشي المشهد داخل القوى السياسية بظهور تحالفات جديدة, لكن من الافضل ان تكون هذه التحالفات اضافة لقوى الحرية والتغيير وليست اجساما موازية لها باعتبارها الحاضنة التي قادت الثورة, والمأمول أن يصمد هذا التحالف لكن قد يتغيّر طبقاً لأهداف المرحلة الانتقالية.