حوار : عبدالله عبدالرحيم
تصوير: محمد نور محكر
يعد الأستاذ ربيع حسن أحمد، من الاسلاميين القلائل الذين انحازوا عقب المفاصلة لجانب الشرعية وعمل جاهداً مع بقية أخوته تذليل عقبات الخلاف التي احتدمت بين الاسلاميين، وقد عاش في كل الحقب منذ الستينات صادعاً برأيه ومجاهرا،ً الشيء الذي لم يجعله يسلم من المظنات في الكثير من الاوقات. بحثت عنه الصيحة خلال هذه الفترة الصعيبة على الاسلاميين ليسبر اغوار ما يجري فيها من حراك سري وعلني وكانت لنا معه هذه الافادات الجريئة :-
*كيف تنظر للذي يحدث بالساحة السياسية الآن وأنت من قدامى الاسلاميين الذين عاشوا تجارب مختلفة؟
– ما يجري الآن في الساحة السياسية هو نتيجة طبيعية للأوضاع في السودان وهي ردة فعل لأشياء كانت حاصلة في البلد تمثلت في ضيق المعيشة وهي التي دفعت الناس للخروج للشارع، خاصة وأن الأسر السودانية كانت تعاني، لذلك خرج أولادها للشارع ليظهروا عدم رضاءهم بما يحدث، ووجدت حركة المعارضة زخما شديدا من الذي يحدث، وفجأة أكتسبت المعارضة القوة وظهرت في الشارع، وهذا الأمر أصاب الحكومة بالشلل لم تستطع أن تقوم بأي مبادرة، وحتى المبادرة التي بدأها الرئيس في خطابه في القصر الجمهوري لم تكن مكتملة.
*كيف، وضح أكثر؟
– لم تخاطب المواطن السوداني بشكل أوسع وأكثر وضوحاً، وكانت رؤية الناس، على الانقاذ إما ان تأتي بجديد وإما ان تذهب.
* أنت ترى أن خطاب البشير هو الذي حفز ودفع الناس للخروج وتوسعت من بعد المطالب؟
– يعني لحد كبير يمكن ان نقول هذا، والخطاب لم يأت بشيء يقنعهم بأن هناك تغيير، الخطاب لم يخاطب أشياء بعينها وكان يشي أن الأمور سوف تمضي كما هي، في وقت كان الناس فيه تواقون لمعرفة ما الذي سوف يحدث في الواقع السياسي، هل سيتسمر البشير رئيساً، وما الجديد بشان الدستور والانتخابات، هذا هو الذي يطلب الناس معرفته، لذلك الخطاب لم يؤد دوره الذي كان يجب ان يؤديه، لذلك ظلت عملية الشلل هذه إلى أن انفجرت الاوضاع.
*برأيك لماذا فشلت تجربة الاسلاميين؟
– طول فترة حكم الانقاذ، لم يكن هناك من تجديد للاهداف ولم تكن هناك محاولات جادة لحل قضايا السودان، تحديداً القضية الاقتصادية، لم يحدث فيها شيء مع طول المدة ، وهي التي تسببت في عدم الرضا والغضب من الاوضاع.
*الفشل لم يكن في الاقتصاد فحسب بل هناك من يراه في كل شيء؟
– الاقتصاد لم يؤت فيه بمشروعات جديدة خلال الخمسة عشر سنة الاخيرة، و لم يأت جديد في التعامل الاقتصادي في السودان لا في حركة المصارف ولا المشروعات ولا حركة المال بالطريقة التي توظف هذه الاموال وتدخل فئات من المجتمع بدوافع جديدة كالذي حدث في تركيا، تغييراً مس كل الناس، وفي السودان لم يصبح الأمر هكذا، وكما وصفها البعض بأن “الانقاذ أصبحت دواء فاقد للصلاحية” .
يحدث هذا، بينما صفوف الإسلاميين مليئة بالكثير من الخبرات في كل المجالات؟
نظام الحكم هو السبب، ما كان يستمع للنقد من داخل النظام نفسه، من داخل المؤتمر الوطني، نقد في أجهزة الدولة مثل المجلس الوطني، ونقد في الصحف، هذا بالاضافة لنقد المعارضين وحتى نقد المؤيدين لم يلتفت له، لأن الحكومة كانت تظن أنها في موقف قوي لن تتأثر بكل هذه الأشياء، وذهبت كلها ادراج الرياح.
* ظهور الفساد كان يمكن أن يقضى عليه بممارسة الكثير من جلد الذات إلا انه تفشى على نحو ما جرى؟
– الفساد كان من أكبر سوءات النظام، وتحديداً الفساد في مجال الاقتصاد، فبدلا من ان تكون هناك مشاريع قومية كبيرة، أصبحت المبادرات في يد الأفراد وهم يديرون الأمور من زاوية مصلحتهم الخاصة، ولذلك كانوا يسعون للربح و الربح السريع والمشروعات التي كانت لا فائدة كبيرة من ورائها، إلا انها سبب لتكديس الأموال.
* معنى ذلك إن الاسلاميين تخلوا عن منهجهم التربوي والدعوي ومضوا خلف المكاسب الدنيوية؟
-هذا يتوقف على نظام الحكم الذي كان عليه ان يولد مبادرات ثم سياسات فكفاءات تنفذ هذه السياسات، ايضاً يتطلب هذا التنفيذ وجود فئة تنتقد وتقوم ما يحدث ليستقيم المسار ويأتي بالنتائج المرجوة، هذه الاشياء مفقودة وصارت المبادرات من الحكومة بايعاز من أصحاب المصلحة، الحكومة نفسها كجهاز ما كانت جهاز فاعلاً، يعني مجلس الوزراء ما كان فاعلاً، وفي الأخر أصبحت السياسة تأتي من الرئيس بصورة مباشرة.
*دوركم كإسلاميين وأنتم ترون الانحراف الحاد في مسيرة الحكم؟
– كانت هناك محاولات عديدة للاصلاح، لكن الفعل يأتي من الحكومة، ممن بيدهم الأمر.
*ألم يؤخذ بما تقدمونه من رؤى ونصائح؟
– في كثير من الأحيان لم يؤخذ به، فهناك إنفراداً بالسلطة.
*أيعني أن البشير كان ديكتاتورياً؟
– لحد ما كان كذلك، لا يسمع للرأي الأخر.
*كيف ترى مستقبل الاسلاميين؟
– الانقاذ الآن أصبحت شيء من الماضي و التاريخ، و الاسلاميون موجودون ولكن لكي يكون لوجدوهم معنى لابد من ان يواجهوا الأوضاع الجديدة ويتقدموا برؤيا لحل الإشكاليات ومواجهة التحدي الذي هو قائم الآن للاسلاميين وغيرهم، أن السودان مشاكله تتعاظم مع مرور الايام، وللانقاذ نصيب من المسؤلية باعتبارها أطول الحقب، لكن كل الحقب السابقة لديها شيء من المسوؤلية، لابد من أن تكون هناك استجابة لهذا، فالأمر ليس من السهولة لأن الكثير من الناس قد فقدوا الثقة واستجابتهم لن تكون بما كان عليه في الماضي، فمعركة الصعود صعبة لأنها ستكون معركة تطهير.
الشارع الآن يتوقع ردة فعل الاسلاميين، فهل سيطول الانتظار؟
ردة فعل بهذا الفهم ليست مطلوبة او محاولة لارجاع الاوضاع لما كانت عليه او التشبث بالسلطة بدون برنامج عمل ليس هذا المطلوب، ولكن يجب ان تكون هناك وقفة لجرد الحساب، وللتوجه للمستقبل لا تزال قناعات الناس بالاسلام موجودة لا تتاثر بالذي حدث، واقرب لذلك صفوف الصلوات في ساحات الاعتصام توكد رسوخ التدين وسط الشعب.
من المفارقة ان شباب الاسلاميين هو من قاد الحراك؟
هذه هي الحقيقة، هم الآن في ساحات الاعتصام.
هل الحركة الاسلامية تحولت من وعاء جامع لوعاء خاوي؟
تريد أن تسألني لماذا فقدت الشباب؟ لأنهم ما كان لهم الدور الذي كان لأجيالنا، فالحركة الاسلامية في الستينات كان عنصر الشباب هو الاقوى فيها ومتحركين لقضايا البلد والحركة، ولكن في العقود الاخيرة ما كان عندهم دور، ولم يتم توظيف الشباب في الحركة التوظيف المطلوب، لذلك الحركة أصبحت لديهم مجرد إنتماء الآباء والأجداد، لذلك اتخذوا هذا الموقف، أنا أعرف أسر إسلاميين صُدم شبابهم بالواقع.
*ظل الناس في حالة تخوف من ان الاسلاميين سوف يحركون كتائب الظل ولم يحدث ،فأين هذه الكتائب الآن؟
أنا لا أدري ما هذه الكتائب وقد سألت عنها، وعرفت أن الاشارة عنها لا تزال هي كتائب الجهاد القديمة وهناك بقية منها في الجامعات، ولكنها ليس لها واجب منوط بها وغير مهيأة لأي دور بعد ان أنتهت مسألة الحرب الجهادية في الجنوب، وأصبحوا فقط مجرد أفراد موجودين تجمعهم ذكريات الحرب في الجنوب، ولم يعودوا يشكلون وجوداً لتلك الكتلة، وأغلبهم تخرجوا من الجامعات.
*الراحل الشيخ حسن الترابي اعترف بوجود هذه الكتائب ، وأيضا علي عثمان دلل على ذلك؟
– هي الدفاع الشعبي وكتائب الجهاد الموجودة في الجامعات و “قطع شك” إن كان لها تأهيل وإستعداد لكي تخوض معركة فحينما يشار إليها بذلك من قادتها.
*لم تكن مؤهلة الآن؟
– ليست مؤهلة ولم تكن مستعدة لذلك فهي مجرد زكريات وليس الغرض منها ان تكافح لأجل بقاء النظام.
*وبم تفسر حديث علي عثمان حينما أشار إليها وقال لدينا كتائب ظل يعلمونها جيداً؟
– هذا نوع من التهويل والتخويف ليس إلا.
*بصراحة من أطاح بالبشير، هل تعرض لخيانة من الجيش مثلاً، أم من الأخوان؟
– أنا لست مهيأ للرد على هذه الاسئلة لأني أبتعدت عن السياسة المباشرة منذ فترة طويلة وكان إنشغالي بالبحث والفكر.. ولكن حتما بمرور الزمن سوف تنكشف الأمور لأنه حينما كان الناس يسألون هل البشير سيستمر وهو مرشحكم للانتخابات، كان دائما رد القيادة إنه لم يأت الوقت للاجابة على هذه الأسئلة بعد، لكن يبدو أن هناك حديث في هذا الأمر ولكنه باكر عليه و ما ظهر على السطح بعد.
*واقعة وأحداث صالة قرطبة، ما الاشارات التي استخلصتها منها؟
– لها مدلولات كثيرة، لكن اهمها واخطرها بروز ظاهرة العنف في مواجهة الخصم، زمان يأتي الناس ويصنعوا ضوضاء وينصرفوا، لكن ما كان يحدث مثل هذا العنف في مواجهة فئة أخرى تخالفهم الرأي وكل الاطراف اظنها ادانت هذه المسألة القبيحة في زمن يفترض ان يكون زمن الحرية.
*هناك بعض الجهات أشارت لضلوع الاسلاميين أنفسهم في الواقعة؟
-هذا بعيد وغير منطقي ولا يمكن أن يتورط الاسلاميين بهذه الطريقة في تصفية مسائل كهذه، ولا يمكن أن يصاب الاخوة في المؤتمر الوطني خيراً مما أصاب الأخوة في المؤتمر الشعبي.
*ألا يمكن أن تقرب بينهم مثل هذه العداوات ؟
– يمكن ان توحد بينهم، لكن قضية الشعبي والوطني لا تعالج إلا بذهاب هذه الفئة التي صنعت الخلاف، وأن تأتي أجيال جديدة غيرهم لا يرون في هذا الاختلاف معنى.
*هناك حديث عن عودة الاسلاميين للعمل السري من باطن الارض؟
– العمل السري مسألة طبيعية وتاريخية موروثة لدى الاسلاميين منذ ظهور ونشأة الاسلاميين في مصر في ظل دولة القمع والسيطرة، ولذلك أورثتنا تقاليد العمل السري، ولكن بعد ما قويت الحركة في السودان ووجدت الحركة استجابة من الناس، أصبحت مسألة السرية غير مرغوبة و بدأ الناس يتخلصون منها لأنها لها مضار كثيرة جدا، فالعمل العلني والواضح أسلم لكل الاطراف، إذ لا يجعلك عرضة للظن والشك وسط الناس ويقوي فيك أهمية أن تصدع بالرأي.
*ولكن الآن الظروف تغيرت؟
– لا زال السودان بلد لا توجد فيه عداءات تكون في حالة خطورة لمن له رأي مخالف، وأملنا أن نزداد قناعة بان الحرية تعني عدم الضيق بالأخر، السودانيون دائماً يقولون عن أنفسهم أنهم يقدرون الشخص ويظهر هذا في تعامل السياسيين في الخمسينيات حتى خصومات الكرة.
* يعني أنكم لن تلجأون للعمل السري؟
– العمل السري زال من ثقافتنا، كان موجوداً لأن الحركة السياسية والاسلامية كسبت الكثير بالعمل المفتوح، وأذكر عندما خرجنا للدراسة خارج السودان واحتككنا بجماعات اسلامية من بلدان أخرى كانوا يسألوننا كيف تعملون بالواضح هكذا، وكنا نقول لهم: في ثقافتنا غير موجود الخوف والعمل السري.
* كيف تنظرون لعملية الاقصاء ضدكم الآن في الساحة، إذ أنكم صرتم غير مرغوبين ؟
– هذه ظاهرة سيئة ولا تتفق مع هذه الثورة التي قامت وسيكون خصما عليها، فالكثير من الناس يخشون على هذه الثورة أن تكون مثل ثورات قبلها لأنه حدث فيها الضيق بالآخر وحصلت التفرقة وعادى بعضهم البعض ، حتى قيل إن الأمة سألت الله أن يأتيها بدكتاتور على الأقل يضمن لهم سلامتهم.
*هل ترى بالضرورة مشاركة الاسلاميين في الحكومة القادمة؟
– لظروف عملية واشياء كثيرة ليس من السهل أن يكونوا جزءا من هذه المسألة، إذا كان المجموعات التي صنعت الثورة الآن هناك خلافات بينهما، لذلك وجود الاسلاميين وسطهم لا يمكن ان يأتي بفائدة، هذا بالنسبة لناس المؤتمر الوطني، لكن بقية الاسلاميين الاخرين يمكنهم المشاركة مثل جماعة غازي والمؤتمر الشعبي، رغم انه كان شريكا مؤخرا في الحكومة الماضية إلا انه نال من الضنك ما لم ينله غيره من القوى السياسية.
*ما هي رؤيتك لمستقبل الحركة الاسلامية وهي تواجه واقعاً كانت جزءا اساسيا في تشكيله؟
– ليست لنا اجابات وهذا الموضوع نتحدث فيه وإلى الآن نظن أنه حتى الحديث فيه أقل من المطلوب، يجب ان يكون هناك تركيز أكثر في النظر لهذه المسألة، لأنه الآن كل الاسلاميين تحديداً يواجهون مصيراً واحداً ويواجهون تكتل كل الفئات التي تريد أن تضربهم لأنهم أصبحوا يشكلوا الفريق السياسي المواجه، لكل ذلك يأتي السعي في كل الدول لجعلهم مجموعات إرهاب وهذا هو التغير الكبير الذي يواجهونه، فعندما قامت ثورة الربيع العربي في مصر كان الرأي العالمي في أمريكا وغيرها أن مجئ الاسلاميين لسدة الحكم شيء طبيعي لأنهم يؤمنون بالديمقراطية وهو سبيلهم، لكن الآن الأمر أختلف ظلوا ينظرون إليهم بهذه النظرات المختلفة، وسيرجع الاسلاميون مثل الشيوعيين في الاربيعنات، لكن وضعنا مختلف فمهما عملت من إجراءات، فلن يجعل هذا الناس أن يفكروا بغير الاسلام.
* قراءتك للخلافات الدائرة ما بين المهنيين والعسكريين في تشكيلات الحكومة القادمة؟
– هذا الموضوع حديث الساعة، الآن فاذا فشلت المساعي بين الاطراف المختلفة ولم يتمكنوا من الوصول لاتفاق، فحتماً البلد ستندفع اما لفوضى او انقلاب آخر، ويأتي ويفعل كما تفعل الانقلابات الاخرى.
نحن قابلنا هذه المشكلة في اكتوبر 1964 ، وانا من الذين شكلوا الحكومة وكنا في اجتماعات مع الاحزاب، وبيننا في جبهة الهيئات كان هناك خلاف عنيف، لأن كل جهة لا تريد أن تمكن جهة أخرى، فنحن كنا حريصين ان لا يتمكن الشيوعيون لأنهم كان لهم وضع مميز وكان بأمكانهم أن يتمكنوا، ونفس الشيء حصل وان كان بدرجة أخف في سبتمبر حركة سوار الدهب وكان هناك صراع بين المجلس العسكري والحكومة المدنية التي تشكلت وما حسم هذا الامر إلا الانتخابات، الآن المسؤولية على رأس هؤلاء ان يعوا الدرس ويصلوا لإتفاق ويتعاملوا مع هذه المرحلة بأعتبار انها أساسية ويحددوا أمورا اساسية لتعالج في هذه المرحلة، لأن الحكم الماضي له إخفاقات في عدة مواقع لاعتبارات جهوية وسياسية، وواضح الخلل فيها، كذلك المحاسبة يمكن أن تتم إذا أوكلنا هذا الأمر لجهات معتبرة قانونية وغيرها، وقد لا تؤتي أكلها بنسبة معقولة ، فألامر ليس انتقاما، ولكن تحقيق الحق وبيان اهمية المسؤولية الوطنية والاخلاقية.
* فترة الاربع سنوات للانتقالية تجد الكثير من الشد والجذب؟
– أيضاً قضية قديمة ظهرت في اكتوبر 64 بطهور تيار يرى أن الثورة يجب ان تستمر وان لا تكون هناك انتخابات ونبقى في جو الثورة عامين آخرين، وكان الناس يقولون أنكم أذا نسيتم سبب قيام الثورة التي كرست لأجل الانتخابات والعودة للنظام الديمقراطي وتعديل المسار عبرها، فلذلك مسألة الاربع سنوات لا منطق لها أبدا،ً فالتغييرات الجذرية لا تأتي إلا بحكومات ذات سند شعبي وواسع.