سودان ما بعد الثورة.. سيناريوهات مُحتَملة
قراءة: أم سلمة العشا
حالة الارتباك، والفوضى العارمة، التي تُسيطر على الوضع في السودان، عقب الحادي عشر من أبريل 2019، تشير إلى أن مآلات ونتائج ربما تكون وخيمة، وبحسب مُعطيات الواقع، وفي ظل الاختلاف، وعدم التوصّل، إلى اتفاق، لتسيير الأمور حتى نهاية الفترة الانتقالية، التي لم تُشكّل بعد، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الوضع يصعب السيطرة عليه بكل المقاييس، حال لم يتم تدارُك ما يحدث من اضطراب، وبلبلة، في الساحة، حالياً. فحالة الاحتقان، السائدة والتمسك باستمرارية الاعتصام، يؤكد عدم ثقة متبادلة بين المجلس العسكري، الانتقالي، وتجمع المهنيين السودانيين، وإعلان الحرية والتغيير، ما يتيح الفرصة، لكل المتابعين، والمراقبين لوضع تكهنات لسيناريوهات، غير محتملة، ولا تُحمد عقباها.
محطة تلاقٍ
بدأت السيناريوهات المُحتملة الحدوث في السودان، منذ احتشاد الجماهير بالقيادة العامة للقوات المسلحة، ومحيطها وما جاورها، حيث كانت محطة تلاقٍ، لآلاف الجماهير، الغفيرة، التي لبّت دعوة تجمع المهنيين السودانيين، في السادس من أبريل 2019، تزامناً مع ذكرى انتفاضة أبريل من العام 1985 التي أطاح فيها الشعب بالرئيس الأسبق جعفر نميري، كما أنه احتفاء وتخليد لذات اليوم.
في المقابل انتظمت الدعوات، على نطاق واسع، من قِبل تجمع المهنيين، السودانيين كافة، بدعوة أطلقها “تجمع المهنيين السودانيين” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للمطالبة بـ “الحرية، والسلام، والعدالة”، حماس وسرعة أدت إلى تزايُد أعداد الجماهير، كانت الهتافات تنزل وتنساب بتلقائية، وعفوية، دون تخطيط من قبل الملايين، ضد البشير ونظامه، بدأت بهتاف كان له بالغ الأثر عند الطرف الآخر الحكومة، آنذاك، أخذ هتاف، “تسقط بس”، مساحة لا يضاهيها، غيره من الهتافات الأخرى، فكان أشد إيلاماً لنظام استمر ثلاثين عاماً، حكم خلالها السودان، ما دعا قوات الأجهزة الأمنية، لحسم تلك الاحتجاجات، التي اندلعت في ديسمبر أواخر العام 2018، وأسفرت عن سقوط قتلى ومصابين، في كافة أنحاء السودان.
يوم مختلف
السادس من أبريل، كان يوماً مختلفاً عن بقية أيام الاحتجاجات، الاستعداد المبكر، للدعوات، من قبل إعلان قوى الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين السودانيين، للخروج إلى الشارع، والاصطفاف، تعاطى الجميع، بمختلف مكوناتهم، مع الاعتصام، في السادس من أبريل، متخذين محيط قيادة الجيش مقراً لهم، إذ كان للجيش دور كبير في مناصرة المعتصمين، وحمايتهم من جبروت الأجهزة الأمنية، إلى أن أعلن وزير الدفاع عوض بن عوف، إزالة رأس النظام عن الحكم، واعتقاله، فوراً، وأصبح بعدها، رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي، وتعهد بانتقال سلمي للسلطة، وإجراء انتخابات خلال سنتين.
لم تكن هذه الخطوة مُرضية للمعتصمين، وتجمع المهنيين، ما قاد الشعب السوداني للخروج مرة أخرى بأعداد متزايدة إلى محيط القيادة العامة، تعبيراً عن رفضهم لـ”بن عوف”، رافعين شعار “تسقط تاني”.
بداية الململة
قدر كبير من الشفافية، أظهرها رئيس المجلس العسكري، الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، بتأكيده القاطع احترامه للثورة السودانية، وتعهده بقيام نظام حكم مدني، يفسح من خلاله المجال، للمدنيين، نائياً عن انفراد العسكر بالسلطة، بجانب الانتقال لهذا النظام سلمياً، صاحَب كل ذلك نوع من أزمة الثقة، بين الأطراف الثلاثة(المجلس العسكري، وإعلان الحرية، والتغيير، وتجمع المهنيين السودانيين) كشفت بجلاء حقيقة الموقف بعد الرئيس المخلوع عمر البشير، وما زالت هناك حيرة واضطراب في رؤية الأمور، وعدم وضوح لمستقبل السودان خلال الفترة الانتقالية وما بعدها، ما يفتح الباب واسعاً للجميع، ويتساءلون ما هو مستقبل السودان في الفترة القادمة؟.
عودة النظام السابق
أسئلة كثيرة، تراود كثير من السودانيين، عقب نجاح ثورتهم التي قادوها ضد النظام البائد، بجانب، رؤية ممثلة في وجود ثورة مضادة يجري الإعداد لها من أجل إجهاض ثورتهم، هذا بمثابة أحد السيناريوهات المحتملة، ويمثل هاجساً لهم، كما أن عدم سقوط أعمدة النظام السابق، والشعور بأن ما يحدث الآن ما هو إلا مسرحية يجري تمثيلها على الشعب.
نتاج طبيعي
ما يمر به السودان عقب الحادي عشر من أبريل، لم يكن استثنائياً، الثورات العربية، هي خير دليل على ذلك، والتاريخ يؤكد ذلك، فيما قلل المحلل السياسي، عبد الله آدم خاطر، من السيناريوهات الغامضة، ناحية مستقبل السودان بعد ذهاب النظام البائد، وقال “للصيحة” إنه أمر طبيعي أن تحدث الخلافات بين المكونات، الحالية، ممثلة في (المجلس العسكري، الحرية والتغيير، تجمع المهنيين) كما أن من نتائج الثورة، أن تمر الأوضاع بهذه الصورة، التي وصفها بالطبيعية، وقال إنه عاصر عدداً من الثورات وكان شاهداً عليها، وأن ما يحدث الآن حدث، قبل ذلك في عهد الثورات السابقة، التي مرّت علي السودان.
ولفت خاطر الانتباه إلى أن المرحلة القادمة، تتطلب الوعي والإدراك بحجم المسؤولية، التي تقود إلى استقرار السودان، عقب ذهاب النظام البائد، وأوصى بالاستعانة بدروس وعبر التاريخ السابقة للثورات الناجحة، في السودان، ومآلاتها.
دور حكومي
محاسبة رموز النظام السابق، يرددها كثيرون، بجانب الطرق على محاربة الفساد، ومحاسبة المفسدين في عهد النظام السابق، ويرى خاطر أن محاربة الفساد، ومحاسبة المفسدين من رموز النظام السابق، هو دور الحكومة القادمة، التي يُنتظر تشكيلها، فالمرحلة قادمة لا محالة، بتكوين حكومة انتقالية، تعمل على محاربة الفساد، وتهيئة الأجواء لحين إجراء انتخابات، حرة ونزيهة وشفافة.
في المقابل، هنالك رؤية رغم تأكيدات المحلل السياسي، عبد الله آدم خاطر، للسيناريوهات القادمة، من قِبل المحلل السياسي بجامعة إفريقيا العالمية، د. بدر الدين رحمة، بأن ما يحدث في السودان، هو نفس السيناريو، للوصول إلى نهاية متشابهة، مع تغيير الوجوه، وأشار إلى أن المؤتمر الوطني لن يستسلم، وأنه يعمل حالياً على إعادة إنتاج نفسه مرة أخرى، باعتبار أنهم كرت سياسي احترق أمام الرأي العام، وفي الحياة السياسية السودانية، وأنه لابد من استعادة الحكم مرة أخرى بالطرق السلمية، وذلك بعد أن فشلوا في استعادته بالقوة الأمنية.
مخاوف يخشاها البعض، من سيطرة الجيش على الحكم، حيث يُتَّهم بعض الضباط بالانتماء للتيار الإسلامي، ومحاولاتهم للسيطرة على الأمور لحماية قادة النظام السابق، غير أن خاطر قلّل من هذا الحديث، ورأى أنها مجرد اتهامات، كما قال إن الجيش، لا يرغب في السلطة، وأنه يريد فقط تسليمها إلى حكم مدني، فقد كانت هنالك مخاوف بثها البعض بالرغم من تعهدات الجيش بتسليم السلطة لحكومة مدنية، إلا أنهم يرون أنه من الممكن أن يستولي الجيش على الحكم، ومضى خاطر قائلاً، إن المشهد السياسي في السودان يتسم في وقته الراهن، باستقرار سياسي هش، نتيجة لحكم نظام الإنقاذ الذي استمر ثلاثين عاماً، لذا تأتي مقتضيات مرحلة الانتقال الديمقراطي مرهونة بتجليات مستقبلية، يعاد فيها رسم الخارطة السياسية ومراجعة صيغ الائتلافات الراهنة باتجاه تشكيل تحالفات جديدة، وإيجاد صيغة توافُقية للتعايُش والحكم معاً.