الجنينة: فاطمة علي 25 نوفمبر 2021م
على مدى ثلاثة أيامٍ, عاشت محلية جبل مون بولاية غرب دارفور ساعات عصيبة شهدت اشتباكات أفضت لعشرات القتلى والجرحى ثم اتّسعت دائرة العنف بصورة أكبر لتكون حصيلتها حتى الآن 31 قتيلاً وحرق عدد من القرى ونزوح أهالي المنطقة إلى دولة تشاد, بينما فُقد 20 طفلاً لم يتم العثور عليهم حتى لحظة كتابة التقرير ولم يُعرف مكانهم.
الاشتباكات التي تجددّت صباح الأحد ببن رعاة ومزارعين ينتمون لمكونين قبليين مختلفين متعايشين, تكررت أكثر من مرة, فهي عادةً ما ترتفع في فترة نهايات الخريف, بيد أن تكرار الاقتتال يخلف تكلفة عالية, سيما وأنه يستخدم فيه الأسلحة الثقيلة داخل القرى ويتم حرق القرى.
تحديات
تتعاظم التحديات الأمنية وتتنوع في غرب دارفور ما بين أحداث أمنية في أطراف الولاية، ووجود قوات تابعة لحركات الكفاح المسلح تتنظر دمجها في الجيش عبر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، الذي تتحرّك فيه الحكومة الانتقالية ببطء شديد يصاحب إنفاذه, بيد أن اشتعال المُواجهات القبلية في ولاية غرب دارفور وتنامي جريمة النهب تعتبر تحدياً أمنياً كبيراً وخطورة للإقليم كله.
أسباب
يقول محمد آدم الذي كان شاهد عيان على أحداث العنف بمنطقة صليعة محلية جبل مون, إن أسباب الاقتتال ترجع إلى تأخُّر دفع ديات قديمة وإدخال الرعاة حيواناتهم في المناطق الزراعية لأراضي المزارعين، مؤكدا أن الصراع قديم متجدد, وقال دائماً تستخدم اسلحة ثقيلة تنقل عبر الدراجات البخارية “المواتر” وتستخدم ضد العزل, وقال لـ(الصيحة) “تم حرق خمس قرى بطريقة مرتبة ومريبة”، غير أنه استبعد نظرية المؤامرة وأن تكون الأجهزة الأمنية ضالعة في ذلك, لكن أشار لتراخ أو تعويق لدورها, مشيراً إلى ما اصاب الاجهزة الامنية خلال ٣٠ سنة الماضية, وأعاب على الحكومة عدم جديتها في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية, وشدد على أهمية ابتداع حلول جذرية بالتعاون مع زعماء القبائل، مؤكدا أن هناك ضلعا غائباً في العملية الأمنية, وعزا أن تزايد جرائم القتل والعنف لاتساع رقعة مساحة دارفور مما يصعب السيطرة على المُجرمين.
لا إحساس بالسلام
قطع محمد آدم وهو لا يزال يتحدث لـ(الصيحة) بأن أغلب سكان دارفور لم يلامسوا أي نتائج لسلام جوبا على أرض الواقع, وقال “السلام هشٌ ولم يحقق أي مطالب”, مشيراً الى أن الحرق والقتل مُستمر، ووصفه بسلام الحقائب والمناصب وأنه ليس له تأثير في مناطق الصراع, وأضاف “السلاح مازال في يد المواطنين والقبائل, والبطء في إنفاذ الترتيبات الأمنية ألقى بظلاله على المشهد الأمني في دارفور”, ودعا لتكوين القوة المشتركة لحماية المدنيين وحفظ الأمن من القوات النظامية وقوات حركات الكفاح المسلح, وقال “لا يوجد مَخرج لهذه الأزمة سوى بالتنفيذ الحرفي للاتفاق، واضطلاع الأجهزة الأمنية بدورها المنوط”.
خسائر كبيرة
رغم أنّ هدوءاً حذراً ساد المنطقة أمس, إلا أن (الصيحة) شاهدت حجم الخسائر التي لحقت بالمنطقة, فقد تم حرق منازل السكان حرقاً كاملاً وفقدت النساء أزواجهن وأطفالهن وأموالهن.
وقالت الحاجة حواء, إنّ الوضع الإنساني حرج جداً, فهناك لا تستطيع أن تقول الأمن مستتب أو هناك حياة في تلك المنطقة، وتزامن وصول وفد حكومة إقليم دارفور بقيادة نائب الحاكم المكلف محمد عيسى عليو إلى ولاية غرب دارفور، وأصر على أن يقف على الأوضاع ميدانياً.
وفدٌ ميداني
وقفت حكومة إقليم دارفور بقيادة نائب الحاكم المكلف محمد عيسى ووزير مالية الإقليم عبد العزيز مرسال شدو والمستشار الأمني اللواء أمن حمزة والمستشار السياسي عبد الوهاب همت, على الأحداث التي وقعت بمحلية جبل مون منطقة صليعة, قرى (قوز منو، أم سيالة، أرجأ، حلة عوين وبريتا) برفقة والي ولاية غرب دارفور والأجهزة الأمنية والشرطية وجهاز الأمن والمخابرات وقوات الدعم السريع وقوات حركات الكفاح المسلح.
واستمع عليو إلى لجنة الأمن وطمأنة اللجنة باستقرار الأوضاع, مُبشِّراً أن تكون نتائج مُرضية للطرفين وزار الوفد أهالي الوفد منطقة، ودامرة العمدة أولاد دنقر.
وترحّم الوفد على الموتى, وتمنّى أن يجبر الكسر ويشفي الجرحى والمُصابين ويُعوِّض المظلومين، وقال عليو إنّ مُشكلة دارفور مرّت بظروف مُتعدِّدة بقضايا سياسية, بعضها إثني والآخر عرقي تستغل ظرف الراعي والمزارع، وأضاف أن ما حدث جا بسبب فشل الإدارة الأهلية بدفع الديّات، وتراكم المشاكل، وثمّن دور العسكري حافظ بثباته مع أهله، ووعد العودة مرة أخرى لأهل منطقة قوز منو.
وتأسّف عليو على ما حدث بالمنطقة، ووصف ما وقع بالكارثة على المواطنين العُزّل، متهماً أيدٍ لمن يسمها تزعزع الأمن، مشدداً على ضرورة إنفاذ بند الترتيبات الأمنية، وحث عليو لجنة أمن الولاية بفرض هيبتها.
حرب مفتوحة
ومن جانبه, قال والي ولاية غرب دارفور خميس عبد الله إنّ ما حدث ليس جديداً, لكن بعد توقيع السلام، مشدداً يجب أن يتلمس المواطنون, مضيفاً أن استمرار الصراع بين الراعي والمزارع غير مقبول لنا، وأضاف نعرف هناك احتكاكات محدودة, ولكن لا يمكن أن تمتد للمواطن وتصبح حربا مفتوحة، وشدد على ضرورة أن يتعايش الراعي والمزارع مع بعضهما في أمن وأمان، مؤكداً تمسكهم في حل المشكلة وضرورة السلام الاجتماعي وضرورة التواصل، وتأسّف على الوضع, وأعرب عن أمله أن لا تتكرر تلك الصراعات, مطالبا من الجميع تحمُّل الظروف, مؤكدا الوقوف معهم, معلناً التحدث مع كل المتضررين.