صلاح الدين عووضة يكتب : أبو كرافتة !!
رصة فخيمة..
بدل… وقمصان… وأحذية… ومناديل… وربطات عنق؛ غاية في الفخامة..
وكراسٍ – ومايكات – أفخم..
والكلام ذاته فخيماً… أو كما نقول بعاميتنا السودانية (كلام كبار كبار)..
ولمزيدٍ من ضرورات الفخامة (خُلفت) الأرجل..
فبات باطن كل حذاء فخيم مصوباً نحو الحضور كحذاء البرهان نحو ضيفه..
وكان الضيف هذا مبعوثاً أممياً للوساطة..
علماً بأنا لم نر البرهان هذا (يصوب) حذاءه تجاه أي ضيفٍ آخر سواه..
وما ذاك إلا لأنه (خلف) رِجلاً على رِجل..
فصار حذاء الرِجل اليمنى في مواجهة البرهان الذي رد عليه بالمثل..
وهو الشيء ذاته الذي حدث في حضرة أوباما..
فقد خلف رئيس وزراء إسرائيل رِجله وهو جالس على يمين رئيس أمريكا..
فأصبح حذاؤه في وجه الجالس على شمال أوباما..
وهو رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن؛ فرد عليه هذه الإساءة بالمثل..
فمن حُسن الأدب عدم توجيه باطن الحذاء نحو الآخرين..
أما ما هو أكثر (قلة أدب) من هذا فمثل حديث المخلوع (تحت جزمتي)..
المهم خلونا الآن في موضوعنا..
بعد أن فرغ كل الفخيمين هؤلاء من كلامهم الفخيم أُتيحت الفرصة للأسئلة..
فقام واحدٌ ليس عليه من دلائل الفخامة شيء..
واحد سوداني بسيط؛ علماً بأن الرصة الفخيمة هذه كانت تبثها قناة الجزيرة..
الجزيرة مباشر؛ والبرنامج كان عبارة عن ندوة..
وموضوع الندوة هذه عن الواقع السوداني ما بعد بيان البرهان الأخير..
وما بعد – كذلك – عودة حمدوك إلى المشهد..
وقف هذا البسيط وقال (كلامكم ده كله معلوم للجميع… وكلنا بنقوله)..
ثم أضاف (يعني ما استفدنا منكم أي حاجة)..
وواصل – والأحذية تجاه وجهه – (مفروض تسبقوا الأحداث… لا أن تتبعوها)..
فكان كلام البسيط هذا أشد فخامة من كلام الفخيمين..
نعم هذا ما كان متوقعاً منهم بالنظر إلى ألقابهم… وبدلاتهم… وكرفتاتهم..
ثم بالنظر إلى الكاميرات المصوبة نحوهم..
تماماً كأحذيتهم – الفخيمة – المصوبة نحو الحاضرين… والكاميرات هذه..
وهذا ما ظللنا نقوله عبر هذه الزاوية كثيراً..
أن يسبق الصحفي – أو المحلل السياسي… أو الخبير الاستراتيجي – الأحداث..
لا أن يتبعها بتكاسل… ثم يتفلسف شرحاً..
فقط الشرح المتفلسف هذا هو ما يميز صاحب الكرافتة عن المواطن المسكين..
بيد أنه تميزٌ لا يضيف جديداً يخفى على البسيط هذا..
فكل الناس يعلمون أن حدثاً ما قد وقع؛ ولكن ماذا كان قبلُ؟… وماذا بعدُ؟..
بمعنى الاستقراء… والاستشراف..
أن تقرأ الحدث قبل وقوعه… ثم تستقرئ ما قد يترتّب عليه من أحداث..
ونحن نجتهد عبر زاويتنا هذه أن نقرأ… ونستقرئ..
أن نسبق الحدث؛ لا أن نتبعه… أو نرافقه… أو نوسعه شرحاً ذا فخامة..
ثم نحاول سبر غور ما يعقبه من تداعيات..
وبحمد الله – وفضلٍ من عنده – كل الذي نتوقّعه يحدث كما هو… وفي زمانه..
ولا نقول كلامنا هذا من قبيل الفخر..
وإنما لنوضح شيئاً مهماً؛ وهو أن هنالك فرقاً بين الصحفي وبين السياسي..
فمن الناس من يعيب علينا الوقوف عند حد التنبؤ..
بل إن منهم من يسخر واصفاً إيانا بالعراف… أو المنجم… أو قارئ الكف..
ثم يطالبنا بالحلول… عوضاً عن التوقعات..
وبالأمس طالبني بعضهم بافتراع حل لكل مشكلة يواجهها حمدوك الآن..
ولنفترض – جدلاً – إنني أملك مثل هذه الحلول..
فلماذا إذن لا يأخذونها من قصيرها وينصبوني رئيساً للوزراء بدلاً منه؟..
كل الذي أملكه هو قلمي… وتنبؤاتي..
ولو استمع حمدوك لتحذيراتنا… وتوقعاتنا… وتنبؤاتنا… لما كان هذا حاله..
لا هو؛ ولا حاضنته التي كانت تسخر من تنبؤاتنا..
ولكنه – وأفراد حاضنته – كانوا يدمنون سماع الكلام الفخيم من ذوي الكرافتات..
وهو كلام أكثره (لا يودي ولا يجيب)..
أو كما قال ذاك البسيط لرافعي أحذيتهم الفخيمة تجاه وجهه في ندوة الجزيرة..
فلم يكن ثمة فرقٌ بين بساطته وفخامتهم..
اللهم إلا فرقاً واحداً؛ نصيغه بأسلوب عادل إمام البسيط في مسرحياته..
وهو أن كلاًّ منهم أبو كرافتة..
وهو……………
أبو من غير كرافتة !!.