مختار خواجة يكتب : البرهان وحمدوك.. أكثر من المُتوقّع.. أقل من المأمول
كان مباغتاً توصل الطرفين لاتفاق يعيد حمدوك رئيساً للوزراء، لكنه فن الممكن عندما يعمل، وعندما تتفاعل العوامل الدولية والمحلية بصورة ضاغطة، مع عدم اكتمال الخريطة الداخلية، فالنتيجة تنازلات من نوع ما.
والاتفاق المعروض أكثر ممّا توقُّعه غالب المُحلِّلين – ومن بينهم كاتب هذه السطور-، وأقل ممّا امل فيه الثوار، فحمدوك عاد رغم الدماء، والبرهان لم يحاكم كما هتفت الحناجر حتى طرقت أبواب السماء، وبحساب الربح والخسارة، فقد حقق الطرفان مكاسب وتنازلاً، ويُشكِّك كثيرون في الضمانات وغياب الرعاية الدولية الواضحة عنه.
فالجلي الآن، أنّ الغرب ضغط بقوة بورقة الاقتصاد، فارتبكت المخططات الاقتصادية، فإلغاء إعفاء بقية الديون، وتعليق التعاقدات المتفق عليها للاستثمار، أدّى إلى انسداد الخيارات الاقتصادية، مع عدم تحرك الروس المنشغلين بشرق أوروبا والبحر الأسود مؤخراً، والصينيين المنشغلين بمحادثتهم مع بايدن، واستمرار الضغط الغربي إزاء وقائع السودان وإثيوبيا معاً، جعل البرهان يجد نفسه مُضطرًا للمراجعة، والمُلاحظ تتابع المُبادرات بالتوازي في الشأنين السوداني والإثيوبي.
أما محلياً، فقد تقلّصت خيارات عبد الفتاح البرهان لتشكيل الحكومة أمام عدم تهافت النخبة المدنية – خلافاً للعادة والمألوف – على المنصب، فتعثّرت بذلك خريطة طريق الجنرال، وتدور خياراته بين 8 أسماء كلها اعتذرت عن رئاسة الوزراء، فالمنصب يبدو كمنصب ربان سفينة في بحر لجي، كما أنّ وتيرة ارتفاع الأسعار، وازدياد المخاوف حول الاقتصاد زادت القلق، هذا على الرغم من ثبات سعر الجنيه السوداني، وتباطؤ تقلباته.
والاتفاق الذي حدث مؤخراً مصوغ بلغة دقيقة وواضحة، ومنح العسكر ما أرادوه من توسيع قاعدة الشراكة، وتشكيل حكومة تكنوقراط – كانوا يُطالبون بها وهي موجودة -، وإعادة هيكلة لجنة إزالة التمكين التي هُوجمت من قِبل العسكر، ومن ناحية أخرى، منح الاتفاق المدنيين ما أرادوه من العودة للوثيقة الدستورية، والتعجيل ببقية هياكل السلطة، واستكمال السلام، وعودة عبد الله حمدوك.
اليوم، خسرت حركات الكفاح المُسلّح – خاصة الدارفورية – تأييدها الشعبي، وخرجت بلا مغانم، ومن ناحية أخرى، ارتهن مستقبل حمدوك السياسي باستمرار الاتفاق، فإن أخفق الاتفاق سقطت مبررات حمدوك أمام مُسانديه في الحرية والتغيير وتجمع المهنيين والشارع والذين سارعوا للرفض التام، منقادين للثورة وأحلامها، والتي لا تقبل الحلول الوسط.
أما البرهان، فسيحتاج وقتاً لترميم صورته أمام الشارع، فالقطاعات الميّالة لحكم العسكر لجأت لهذا الخيار تخوفاً من اليسار المتطرف، ولكن هذا اليسار اليوم بعيد عن السُّلطة، فلم يبق سوى البرهان وحمدوك بحكومة تكنوقراط، وعليه فالبيان بالعمل، وهذا هو التحدي.
وفيما يتعلق بالأحزاب، فإن حزب الأمة يبدو الكتلة الحزبية الأكثر تماسكاً، وكذلك حزب المؤتمر السوداني، وتجمع المهنيين، في حين أن قوى “الحرية والتغيير” غدت باهتة أكثر، وبلا لون واضح.
وخارجياً، يبدو السودان في وضع لا يُحسد عليه، فقد غدا كأحد أقاليم الاحتكاك بين روسيا والغرب، وهي مناطق نفوذ مُتنازع عليها، تتّسم بأنها رخوة وهشّة البنية، ويسهل اختراقها والتلاعب بها، ويستوي في ذلك شرق أوروبا والقرن الأفريقي معاً، وهو ما يُعزِّز حالة ضعف الدولة، ويجهدها.
إنّ برامج الإنعاش الاقتصادي التي وضعها حمدوك كَفيلةٌ بإعادة التوازن لبنية السودان الاقتصادية، وانفتاحه على العالم، ويبقى الهاجس الإداري هو المعضلة الأكثر تعقيداً، فيما على الأحزاب تجهيز أجندتها السياسية وبرامجها لمخاطبة الجمهور بعد عام ونصف العام من اليوم، وأخشى أنها لن تفعل.
إنّ نجاح الاتفاقات مرهونٌ بالالتزام بها، وإلا فهي حبر على ورق، والأقلام لم تُرفع، والصحف لم تُجف، والحراك مُتّصلٌ.
* كاتب وروائي سوداني مقيم بدولة قطر