بَاشَرَ مَهامه حمدوك.. مَلفّات مُهمّة على الطَاولة!!
تقرير: مريم أبشر
“وقّعت على الإعلان السياسي حقناً للدماء ومنع إراقة المزيد، نزولاً لموقف إنساني والحيلولة دون فقدان مزيد من بنات وأبناء السودان شهداء الثورة والنضال”، كانت تلك كلمات رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك عند التوقيع على الإعلان السياسي الذي عاد بعده مباشرة إلى مكتبه لمزاولة أعماله, في وقت أحدثت عودته صدىً واسعاً في الأوساط الإقليمية والدولية، إذ وجدت الخطوة “وهي في نظر مراقبين المخرج الوحيد”, ترحيباً واستحساناً كبيرين، دولياً خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والترويكا، لكن لا يزال المجتمع الدولي يطالب بضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين كما جاء في الإعلان, ووجدت ترحيباً إقليمياً عربياً واسعاً, ودعت الكنغو الديمقراطية الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، الاتحاد بفك تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، في ذات الوقت قُوبل التوقيع بانتقادٍ حادٍ من قِبل قِوى الحرية والتغيير التي تمثل الحاضنة السياسية للحكومة المحلولة، ومن قِبل الشارع السوداني الثائر ضد إجراءات الجيش واستخدام العنف المُفرط الذي تسبب في استشهاد أكثر من أربعين ثائرا حسب إحصائية لجنة الأطباء المركزية، فيما استحسنت قطاعات واسعة عودة حمدوك واعتبرتها خطوة موفقة لاحتواء الموقف ومنع البلاد من الانزلاق والانهيار الكامل.
مهامٌ عصيبةٌ
الاتفاق, منح حمدوك مطلق الحرية في اختيار طاقم حكومته من الكفاءات الوطنية دون الحزبية, ولكن مراقبون يرون أن تشكيل حكومة كفاءات وطنية تضم طيفاً واسعاً من السودانيين بعيداً عن المحاصصات السياسية وبعيداً عن حاضنة تساهم في الاختيار قد يواجه بجملة من المخاطر، وفي ذات الوقت يرى مُراقبون أن جملة من الملفات الثقيلة بانتظار الدكتور حمدوك وهو يدلف إلى مكتبه بعد سبعة وعشرين يوماً من الاحتجاز القسري في منزله بضاحية كافوري، فأيهما يُحظى بالأولوبة لديه وكيف يتم ترتيب تلك الملفات بالنظر للأوضاع الآنية التي تمر بها البلاد من سيولة أمنية وأوضاع اقتصادية مُترتية ووضع هشٍّ في كل أنحاء البلاد, فضلاً عن وضع سياسي مُحتقن فاقم في احتقانه وانقسامه الإعلان السياسي المُوقّع بينه والبرهان.
عَصِيّة على التجاوُز
خبراء ومتابعون لأداء حكومة الدكتور عبد الله حمدوك خلال العامين الماضيين, يرون انه برغم النقد المصوب تجاه الفترة الماضية، إلا أن هنالك إنجازات يصعب تجاوزها واعتبروها منصة أساسية للانطلاق نحو التأسيس للمرحلة المقبلة، وتشمل ملفات مهمة هي السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية.
ويرى الخبير الإعلامي عبد الله آدم خاطر أن تلك الدوائر تمثل ضمانة مهمة للانفتاح نحو العمل الداخلي, ووصف في حديثه لـ(الصيحة) ما حدث بالقصر يوم الأحد وعُرف لاحقاً بـ”الاتفاق السياسي” بأنه عملٌ لفتح الطريق امام الوثيقة الدستورية والعمل عبرها لإنجاز المهام المنصوص عليها والمُكملة للانتقال السياسي والتّحوُّل الديمقراطي المُفضي لحكومة ديمقراطية.
رأيٌ مُستنيرٌ
الملف الأول المهم والمطلوب من رئيس الوزراء منحه الأولوية وفقاً لخاطر, هو خلق رأي عام مستنير وموحد رغم التنوع تجاه القضايا والمبادئ الدستورية المُعلنة من أجل الوطن, بجانب استنهاض المواطن السوداني تجاه انتاج معيشته وأكله وشربه مع العمل على توسيع قاعدة الإنتاج من أجل الصادر, ويضيف خاطر أيضاً بأن يولي حمدوك من ضمن أجندته الملحة إكمال الأساس للترتيبات الضرورية الإدارية من أجل الانتقال والإعلان عن الانتخابات الحرة النزيهة, وذلك عبر تعيين لجنة الانتخابات واللجان ذات الصلة, فضلاً عن تكوين المفوضيات والمواعين والمُؤسّسات الدستورية والقانونية الخاصة بدعم السلام والتّحوُّل الديمقراطي كالمجلس التشريعي ومفوضية السَّلام.
مُصالحة وطنية
أما الدكتور آدم الزبير الأكاديمي يرى في حديثه لـ(الصيحة) أن الملفات إجراء مصالحة وطنية شاملة مع القوى السياسية, كونها أولوية تمثل الأساس للبرامج والمشاريع التنموية, واشار الى ان المُصالحة يجب ان تشمل القاعدة الاجتماعية العريضة المتمثلة في القوى السياسية الحيّة والكيانات والطرق الصوفية والإدارات الأهلية, والتقدم خطوة نحو موقف جديد يتناسى فيه الجميع الجراحات, ويرى ان ذلك يتطلب ارادة وطنية وحرصا شديدا, لأن الوطن فوق الجميع ويحتاج الى البناء وفق برامج ومشروعات تقضي توافق وإرادة الكل, ونبه الى انّ الفترة المقبلة تتطلب كذلك إجراء تعديلات ورفد الحكومة بالكفاءات المؤهلة وتوسيع قاعدة المشاركة وعدم الإقصاء وتفتح أبواب العمل امام كل من لم تثبت عليه شبهات, ونَبّه إلى أن الترحيب الدولي بخطوة التوقيع على الإعلان السياسي تتطلب وضع سياسة خارجية حقيقية تضع مصلحة السودان أولوية, وفيما يلي قضية الاعتقالات السياسية المتكررة يرى الزبير أن القضاء على تلك الظاهرة يعتمد في الاساس على إقامة المؤسسات الشرعية المتمثلة في السلطة القضائية والمصرفية والسياسية, فضلاً عن العمل على بناء دولة الدستور وسَن قوانين حقيقية من أجل بناء دولة القانون والعدالة والمُساواة.
الإعلام
إصلاح الإعلام يمثل همّاً أساسياً وقضية ملحة وفق رؤية الخبراء, وأشاروا إلى أن بروز الصراعات والتراشُقات الإعلامية تحتم عمل إصلاحات حقيقيّة على الإعلام بشقيه الحكومي والخاص من أجل تطويره وجعله يعمل بسيمفونية واحدة متكاملة من أجل بناء الوطن الذي يُريده جميع السودانيين.
أفضل حل
ما حدث من توقيع إعلان سياسي يقضي باستكمال الفترة الانتقالية, اعتبره أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات د. صلاح الدومة, أحسن وأفضل الحلول المطروحة, وعزا ذلك إلى أن الضباط المُشاركين في الحكومة الانتقالية يختلفون عن أولئك الذين عاصروا الفترات الديمقراطية السابقة التي جرت في السودان, وأن الأسلم للشعب والبلد مشاركتهم, وأشار إلى أن الإعلان السياسي وضع الحاضنة السياسية في يد البرهان وحمدوك, لافتاً الى أن الحاضنة السياسية السابقة كانت بمثابة كارثة على الفترة الانتقالية, وزاد لـ(الصيحة): إن تقاسُم الحاضنة بين البرهان وحمدوك تحول دون لجوء لحل الحكومة بمفردهم مرة أخرى, فضلاً عن منح حمدوك سلطة تشكيل حكومته وفق تقديرات الكفاءة وفصل من يفشل دون الرجوع لحاضنته كما كان يحدث سابقاً, وأشار إلى أن أولوية حمدوك في إدارة الملفات تركز على ضرورة تشكيل حكومته من كفاءات وتكنوقراط حقيقيين, فضلاً عن إكمال ملفات السلام والمفوضيات وترميم العلاقات الخارجية واستجلاب مزيدٍ من الدعم والقروض, بجانب العمل على تكوين جيش قومي واحد بعقيدة وطنية وشرطة صادقة مهنية تعمل بشفافيةٍ.