عودة حمدوك .. ما ينتظره الاقتصاد
الخرطوم: جمعة عبد الله
بعد قلقٍ وترقُّبٍ اقتصادي استمرّ لنحو شهر، تزايدت الآمال باستعادة خطوات الإصلاح في أعقاب الإعلان عن عودة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لمنصبه، وانتظار تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات غير الحزبيّة، ويرى مُراقبون أنّ الخطوة مهمة، بيد أن تحديد مدى النجاح في خطوات تحسين اقتصاد البلاد من عدمه عقب هذه التغييرات يبدو رهيناً لمُعطيات عديدة بعضها لم يحن أوانه بعد، مثل إعلان التشكيل الحكومي الجديد وتحديد السياسات التي سيتم انتهاجها في إدارة البلاد والاقتصاد، وتنتظر الحكومة التي من المُتوقّع أن يعيد تشكيلها رئيس الوزراء، تحديات ثقيلة أبرزها ترتيب البيت الداخلي وتهيئة البيئة الاقتصادية وضمان توفير السلع الاستهلاكية للمواطنين، كتدابير أولية عاجلة قبل مواصلة خطط الإصلاح الاقتصادي التي بدأت منذ أكثر من عامين.
إصلاح التدهور
وخلال العامين الأخيرين, بدأت حكومة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك خطوات جدية في إصلاح الاقتصاد المتدهور منذ عقود، ورغم عدم تحقيق نتائج مُرضية على الصعيد الداخلي، إلا أن تحركاتها الخارجية أثمرت عن بعض المكاسب الاقتصادية التي شملت مسار إعفاء الديون واستقطاب العون المالي من المانحين، والمنظمات الدولية مثل البنك الدولي.
وتدرك الحكومة المُزمع تشكيلها مجدداً، ثقل التحديات الاقتصادية التي ستواجهها، والتي تبدأ من إعداد موازنة العام الجديد 2022م، إلى استعادة المكاسب التي تحققت خلال الفترة الماضية خاصة في المحور الخارجي، وتنشيط الاتفاقيات المُوقّعة وتنفيذها خاصة في جانب الاستثمار واستقطاب تعهدات المانحين والدول الصديقة ومواصلة العمل في مسار إعفاء الديون الكامل وفقاً لمبادرة الهيبك، واستكمال خطوات الاندماج في النظام المصرفي العالمي، اما داخليا فتتركز التحديات في تحسين الخدمات والتنمية الاقتصادية بمفهومها الشامل، علاوة على رفع الإنتاج المحلي وزيادة حجم الصادر في مختلف القطاعات الإنتاجية.
كما لن يغيب عن المسؤولين الجدد، ان التحديات الاقتصادية هي عصب الحراك الجماهيري الذي كلل بالتغيير، وكانت المطالب الاقتصادية والمعيشية هي السبب الرئيسي في بروز وتنامي الأصوات الاحتجاجية، كما كان الاقتصاد هو المتأثر الأكبر بالإخفاقات التي حدثت طوال الفترة الماضية.
صعوبة التوقع
تقول الخبيرة الاقتصادية، الدكتورة إيناس إبراهيم، إن توقع وضع الاقتصاد حالياً يعد من الصعوبة بمكان، وعزت الأمر لعدم اتضاح الرؤية الكلية, بل وعدم تشكيل الحكومة الجديدة نفسها، بالإضافة إلى وجود توقعات بعدم مبارحة المواطنين لساحات الاعتصام الجماهيري مما يُعقِّد – بحسب قولها – لـ”الصيحة” من صعوبة الأوضاع على المسؤولين الجدد، لكنها قطعت بأن الوضع سيكون أفضل من سابقه على اي حال.
استمرار السياسات
بدوره، يرجح الخبير والمحلل الاقتصادي قاسم الصديق، استمرار الحكومة المتوقع إعادة تشكيلها خلال الفترة المقبلة في نفس السياسات السابقة التي تبنتها الدولة عقب التغيير في 2019م وما تلاه والتي كان من مؤشراتها رفع الدعم وتحرير أسعار الصرف وإلغاء الدولار الجمركي، ويرى انها سياسة من حيث صحتها بالنسبة لما يحدث في السودان وما يمر به من ازمات هي سياسة “سليمة”, لكن النجاحات لا تتحقق بين يوم وليلة، لذلك اصطدمت بالمطالبات اليومية والتسرع في ان تجني ثمارها، واضاف من ناحية أنها وضعت الاقتصاد في المسار الصحيح أمر لا شك فيه فيما يختص بالانفتاح على الأسواق العالمية، كما انها ساهمت في انتعاش جزئي في عدة قطاعات مثل صادر الثروة الحيوانية والقطاع الزراعي بالإضافة الى المعونات الخارجية الموجهة لنشاطات تنموية.
ويشير الصديق لـ”الصيحة” الى أن هذه السياسات نتيجتها وآثارها السالبة التي استدعت دعم الفئات الضعيفة بقدر الاستطاعة, منوهاً إلى أن إعادة تكوين حكومة مدنية سيعيد مؤسسات التمويل الدولية والمانحين للوفاء بتعهداتهم المجدولة، كما سيضمن تدفق المساعدات التنموية في مواقيتها وكذلك استكمال مشروع دعم الاسر الفقيرة “ثمرات”، مشدداً على وجوب إيلولة جميع المؤسسات الاقتصادية الخارجة عن سيطرة الحكومة، او إخضاع جميع الشركات في الدورة الاقتصادية وتكون داخل الاقتصاد القومي وهذا إذا تم سيساعد في نجاح سياسة الدولة لأن عائداتها كبيرة يمكن أن تسهم في سد عجز الموازنة والميزان التجاري – ميزان مدفوعات الدولة, وقال هذه من الضروريات لأن العالم يحاول الآن في مساعدة إعفاء المديونيات بطرق مختلفة, واضاف: يقيني ان عدم تحقيق ولاية وزارة المالية الكاملة على الاقتصاد الكلي فلن تكون هنالك مؤشرات مبشرة للاقتصاد السوداني.
تعامل المجتمع الدولي
واعتبر الصديق انه بدون عودة الحكومة الديمقراطية المدنية في السودان لن يقتنع المجتمع الدولي, لأنّ مجهود رئيس الوزراء كان بمعرفته التامة وعلاقاته المهنية والشخصية الدولية وهو المهندس لتلك السياسَات التي جعلت العالم يخضع للرؤى الجديدة ويعفي السودان من ديون كبيرة ويعمل على إعادته ضمن المنظومة الدولية والمالية، وشكّك في الوصول الى اتفاق يرضي السودانيين او المجتمع الدولي, خاصة وان هنالك مهمة اخرى تتعلق بتسليم قيادة البلاد لسلطة مدنية.
يقول المواطن احمد النور، إن اللحظة المناسبة لوقف معاناة المواطن السوداني “قد حانت”، مشيراً إلى أن تطلعات المواطنين بتحسين الوضع الاقتصادي لا تحدها حدود، رغم إدراكه لحجم المصاعب التي تُحيط بالبلاد، وقال إن بلاده “ليست دولة فقيرة” ولا تنقصها الموارد، بقدر ما تفتقر للإدارة السليمة لهذه الموارد, كما تغيب عنها السياسات الداعمة والمحفزة للإنتاج، وقال لـ”الصيحة” ان أهم مطلوبات تحسين الاقتصاد تتمثل في “معالجات جذرية” تلامس المشكلات التي أدت للوضع الحالي، موضحا أن كل المعالجات السابقة لم تكن تتجاوز كونها “مسكنات” لا تخاطب جذور المشكلات, وبالتالي لم تؤد لنتيجة إيجابية.