الخرطوم- الطيب محمد خير
برز على نحو مفاجئ اختراق في جدار الأزمة المستمرة منذ الـ(25) اكتوبر الماضي وانفراج في طريق الحل من خلال مبادرة وطنية طرحتها التنظيمات والأحزاب السياسية، وقوى الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا، والمكون العسكري والقوى المدنية، ورجالات الطرق الصوفية والإدارة الأهلية، بمشاركة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، نصت المبادرة على عودة الدكتور عبد الله حمدوك رئيساً لمجلس وزراء الفترة الانتقالية، مع الاستمرار في إجراءات التوافق الدستوري والقانوني والسياسي الذي يحكم الفترة الانتقالية، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، استكمال المُشاورات مع بقية القِوى السياسية باستثناء المؤتمر الوطني، ومطالب جميع الأطراف الالتزام بالسلمية، واعلاء شأن الوطن ووحدته وسلامة أراضيه وشعبه، والتعافي والتسامي فوق الجراحات من أجل مصالح البلاد العليا.
وقبل التوقيع, بشّر رئيس حزب الأمة السوداني المكلف اللواء فضل الله برمة ناصر بعودة رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك إلى منصبه وتشكيل حكومة مستقلة من الكفاءات وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في إطار الاتفاق بين الجيش والأحزاب السياسية المدنية.
وقال حمدوك في كلمته من منصة التوقيع على الاتفاق السياسي, ان قبوله بالتوقيع جاء لحقن الدماء السودانية والإسهام في فك الاختناق الداخلي والخارجي ويفتح المجال للحفاظ على المكاسب التي تحقّقت في جانب السلام وعودة السودان للمجتمع الدولي وإصلاح الاقتصاد, قاطعاً بأن الاتفاق يحصن الانتقال للوصول الى تحول ديمقراطي راسخ، مشيراً إلى أن أكثر ما يميز السودانيين مقدرتهم على التوافق في اللحظات الحرجة وهذا منذ الاستقلال, مؤكداً استعداده للتعاون من أجل الحفاظ على مكاسب الثورة وحقن دماء السودانيين.
من جانبه, قال القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان, إن الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه يعتبر بداية حقيقية لفترة انتقالية وفق ما كان ينتظره ويتصوّره الشعب السوداني منذ تفجيره لثورته.
وأشار البرهان الى أن الانسداد الذي تم في أفق الحلول حتم عليهم في القوات المسلحة التوقف لإعادة ترتيب الشأن الانتقالي, مضيفاً ان ما تم من اتفاق فرضه ضرورة حقن دماء الشباب السوداني, مشيراً الى الوساطة التي أنجزت الاتفاق لم تبدأ بعد (25) أكتوبر, وانما قبل, وكان حمدوك جزءاً منها, مضيفاً أن حمدوك سيظل محل ثقة للقوات المسلحة لتأسيس شراكة حقيقية.
رغم الارتياح الذي قُوبل به الاتفاق كونه المبادرة السياسية الأولى التي تُطرح من قبل شخصيات معتدلة تتمتّع بقبول ولها صوتٌ مسموعٌ من كافة المكونات, اعتبر البعض ما جاء في بنودها خارطة طريق تُؤسِّس لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة بين المكونين المدني والعسكري, والبدء في عملية انتقال سلس بالاختراق الكبير الذي أحدث في جدار الأزمة المتصلب بتمرس الاطراف في مواقفها.
ومن أبرز ردود الفعل المُتباينة بشأن المبادرة, طفت إلى سطح المشهد السياسي أصوات رافضة لها, حيث سارع التجمع الاتحادي أحد مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير بمهاجمة الاتفاق بإصدار بيان أعلن فيه رفضه جاء فيه (نؤكد أن موقفنا الحاسم هو الانحياز إلى موقف الشارع وتصعيد النضال السياسي ضد المجلس الانقلابي حتى تسليم السُّلطة لحكومة مدنية)، واعلن الحزب الشيوعي على لسان عضو لجنته المركزية كمال كرار تمسُّكه الرافض لأيِّ شراكة بين المكونين العسكري والمدني، وقال ان المشهد السياسي قد تجاوز الشراكة بين المكونين العسكري والمدني, بل تجاوز حمدوك نفسه, وأضاف أن الحزب الشيوعي سيتظاهر لإسقاط أي حكومة يترأسها رئيس ورزاء يأتي به المكون العسكري حتى إن جاء بشيوعي – حد تعبيره.
غير أن رد الفعل الأكبر كان من الشارع, إذ تزامن اعلان التوصل لاتفاق مع مليونية الزلزال التي كان تجمُّع المهنيين قد أعلن لها أمس, تنديداً بإجراءات البرهان فتحولت فور إعلان الاتفاق السياسي وعودة حمدوك الى مليونية لرفض الاتفاق الجديد, حيث خرج عدد من المدن في عدد من الولايات تندِّد بالبرهان وحمدوك معاً مع رفع لافتات تشير الى ان حمدوك تماهى مع قائد الجيش ضد الحاضنة السياسية التي دفعت به لسدة الحكم.
مُقابل الترحيب والرفض بالمُبادرة بعد تكلفة كبيرة من دماء الذين سقطوا والجرحى بسبب الاستقطاب والعُنف والعُنف المُضاد، يبرز السؤال المشروع هل يصمد الاتفاق ويشكل بداية لحل تعقيدات المشهد الراهن وسط الهزّات الارتدادية لموجة المواقف المتباينة حتى على مُستوى الحزب الواحد.؟
اعتبر الباحث والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر, الاتفاق جاء في لحظة حرجة من تاريخ الشعب في منتصف جسر عبوره للضفة الأخرى من مستقبله الديمقراطي.
وقال عبد الله لـ(الصيحة), إن الاتفاق أبرز مقدرة الشعب السوداني للحفاظ على وحدتهم والانتماء الوطني في أحلك الظروف, مضيفاً: من المعروف ليس هناك طريقٌ للمضي للمستقبل دون ان يمر بمنعرجاتٍ، منبهاً الى ضرورة تعامل جميع القوى السياسية والعسكرية والمدنية بعقلانية مع حساسية المرحلة والقضايا التي تحويها في مقابل انقسام الرأي العام الإقليمي والدولي حول المساعدات التي يجب أن تقدم للسودان وهذه النقطة الرئيسية التي يركز عليها حمدوك وحتمت عليه العودة والتوافق مع المكون العسكري عبر هذا الاتفاق حتى تكتمل عملية بناء الدولة المدنية وتعود بعدها القوات المسلحة لعملها المهني وفق المعايير الدولية التي تحكمها.
واشار عبد الله الى ان ارتفاع الأصوات الرافضة واصرارها على المضي في التصعيد بأنه أمرٌ طبيعيٌّ ومتوقعٌ, في أي اتفاق لا بد من وجود اختلاف في وجهات النظر وتتم مُعالجتها بالحوار المستمر المفضي للالتفاف حول مستقبل مشترك وفق المبادئ الدستوريّة.