الخرطوم: فرح أمبدة
أحدثت التداعيات التي أعقبت قرار حل حكومة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، قبل ثلاثة أسابيع، ربكة وسط دبلوماسية الأمم المتحدة المعنية بالتعامل مع الازمة السودانية، الامر الذي ادى الى تراجع دورها وخفوت صوتها، خلال الأيام القليلة الماضية، واصطدمت الجهود التي كان يقوم بها الممثل الخاص للأمم المتحدة في الخرطوم، فولكر بيرتيس، فور صدور القرارات بحائط من الرفض، من قِبل قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، لكن الباب قد فتح أمام لاعب آخر من مسؤولي الامم المتحدة هو مدير برنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيزلي ليقوم بدور مماثل، الأمر الذي ادى إلى استياء مسؤولين كبار في المنظمة والدول الغربية، واعتبروها عملاً دبلوماسياً مستقلاً.
وما شجّع المسؤول الأممي على التحرك، دون تنسيق ضوء أخضر حصل عليه قبل أشهر، إبان المُفاوضات التي أدت إلى توقيع اتفاق مبادئ وقّعه حمدوك مع عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية – شمال، لكن اسم بيزلي، برز على نحوٍ لافتٍ في عام 2018 عندما نجح في جعل الأطراف السودانية المُتعادية وقتها، أن تتّفق على فتح الأبواب لإيصال المُساعدات الإنسانية للمناطق الخاضعة لسيطرة الحركة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، بعد تعذُّر ذلك لنحو 7 سنوات، ما أتاح نقل مُساعدات غذائية لآلاف المدنيين.
ونشرت مجلة “فورين بوليسي” الامريكية، تقريرا أعده كل من كولام لينتش وروبي غريمير، قالا فيه إن هناك غضباً وعدم ارتياح من “الدبلوماسية الحرة” التي يقوم بها المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي في السودان، وأضافا أن محاولات ديفيد بيزلي التي لم تحصل على موافقة أو دعم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، أثارت غضب المسؤولين وسط الطرفين.
وكان من المقرر، بحسب التقرير، أن يزور بيزلي الخرطوم قبل ثلاثة أسابيع وتحديداً في 30 أكتوبر، في مهمة دبلوماسية تدفع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، للتفاوض مع رئيس وزراء الحكومة المنحلة، عبد الله حمدوك، ولكن الرحلة ألغيت فجأةً بعد أن علم الممثل الخاص للأمم المتحدة في الخرطوم، فولكر بيرتيس بهذه المبادرة، التي لم توافق عليها الأمم المتحدة ولم ينسق بشأنها مع الدول الغربية، وطلب من بيزلي تأجيل خطط سفره, وأشارت المجلة إلى أن اقتراح بيزلي تَعَارَضَ أيضاً مع مطالب قادة المعارضة في السودان في تلك الأيام، حينما كانوا يدعون إلى استعادة الحكم المدني قبل إجراء أي مفاوضات مع الجيش واستبعاد قادة الانقلاب في السودان من المشاركة في الحكومة المستقبلية.
هندسة تسوية
ونقلت فورن بولسي عن جوناس هورنر، كبير محللي شؤون السودان في مجموعة الأزمات الدولية، قوله إن “محاولة برنامج الغذاء العالمي المستقلة لهندسة تسوية تفاوضية في السودان يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مُقيّدة ومُدمِّرة لتحركات المجتمع الدولي والأمم المتحدة”، وأشار أشخاص مُطّلعون إلى أنّ مُشاركة بيزلي أعاقت الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الرئيس الأميركي جو بايدن للتفاوض على حل للأزمة.
وقال مصدر دبلوماسي مطلع على الأمر للمجلة، دون ان تذكر اسمه “إن تحركات بيزلي أثرت سلبياً على الدبلوماسية الأميركية من خلال تقديم وسيط أو محاور جديدة”، وأعرب العديد من الدبلوماسيين المُطّلعين على الوضع عن قلقهم من أنشطة بيزلي، وأكدوا أنها تضعف حملة الضغط على المكون العسكري. وأشاروا إلى أنها شجّعت الجيش على الاعتقاد بأنه يمكنه الحصول على صفقة أفضل من خلال بيزلي.
لقاءات مُباشرة
وذكرت المجلة أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لم يتطرّق بشكل مباشر إلى جهود بيزلي الدبلوماسية عند الاتصال به للحصول على تعليق، وأضافت أنه قد يكون ألمح إليها في الإشارة إلى “وكلاء الطرف الثالث”.
وقال المتحدث في رد بالبريد الإلكتروني: “فضّلت الولايات المتحدة الحديث مباشرة مع القادة المدنيين والعسكريين في السودان بدلاً من التواصل معهم من خلال طرف ثالث”، وأضاف: “لقد دعمنا باستمرار جهود الوساطة الدولية التي تتماشى مع أهدافنا المُعلنة وندعم بقوة جهود الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للتوصُّل إلى حل للأزمة”، لكن بيزلي على طلب رفض التعليق، وفقاً للمجلة الأميركية.
وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، جريج بارو، “برنامج الأغذية العالمي، بصفته الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2020، دائمًا على استعداد لدعم الحكومات والشركاء ووكالات الأمم المتحدة لاستخدام المساعدة الإنسانية والإنمائية لتعزيز السلام والاستقرار”.
قلق مبرر
وحسب المجلة, فقد أعرب العديد من الدبلوماسيين المُطّلعين على الوضع, عن قلقهم من أن أنشطة بيزلي وموظفيه لديها القدرة على إضعاف حملة الضغط، مِمّا شجّع الجيش على الاعتقاد بأنه يمكنه الحصول على صفقة أفضل من خلال بيزلي.
وظهر اسم ديفيد بيزلي، في سماء السياسة السودانية مؤخراً كلاعب سياسي أكثر منه مسؤول برنامج الغذاء العالمي، إبان مفاوضات اتفاق المبادئ بين الخرطوم، حيث ظهر إلى جانب رئيس الوزراء المنحلة حكومته عبد الله حمدوك وعبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية – شمال في كاودا خلال يناير الماضي.
مُهمّة مُتّسقة
ومع ذلك يعتقد عديد من خبراء الشأن الإنساني أنّ المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء يتجاوز مهامه الإنسانية إلى لعب دور سياسي كان جليًا في ظهوره القوي خلال زيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى كاودا معقل رئاسة الحركة الشعبية خلال يناير الماضي، قبل أي اختراق في ملف السلام مع مجموعة الحلو.
وفيما يرى البعض بأن بيزلي تعدى مهمته الإنسانية الى قضايا السياسة، يقول مسؤول في برنامج الغذاء بمكتب الخرطوم للجزيرة نت, إن المدير التنفيذي لم يتجاوز مهامه وتفويضه حين سعى لتقريب الشقة بين الحكومة السودانية وجماعة الحلو، فالبرنامج الأممي الذي يعد أكبر عملية إنسانية في العالم ينهض أساساً على تقوية المجتمعات الضعيفة، وهو ما لا يمكن إلا بتحقيق السلام والاستقرار.
ونقلت مراسلة الجزيرة نت الصحفية مزدلفة محمد عثمان، عن محمد يوسف المصطفى أحد أبرز قيادات الحركة الشعبية بقيادة الحلو اعتقاده بأنّ بيزلي، الذي كان شاهداً على توقيع اتفاق جوبا، نجح في تحويل البرنامج الأممي ليكون أداة لصنع السلام بدل أن يكون إغاثياً.
علاقة وطيدة
ويذهب الباحث المهتم بالشؤون الاستراتيجية عباس محمد صالح في سياق تعليقه على العلاقة الوطيدة بين الحلو وبيزلي إلى أنها جاءت نتيجة عدة عوامل بينها التاريخ الطويل للوبيات والشخصيات الأميركية المناصرة للمجموعات المسلحة في أطراف السودان.
وقول لمراسلة الجزيرة نت، ان بيزلي وظّف تركيز المجتمع الدولي على ضرورة شمولية العملية الانتقالية بعد سقوط البشير بإشراك كافة الأطراف المهمة، خاصة المجموعات المسلحة، والحاجة إلى إقناع الحلو، الذي يميز حركته عن بقية أطراف منبر جوبا الأخرى، بتمسكه بأجندة سياسية، ورفضه وضع الحركة في كفة الحركات الأخرى، مما جعل التفاوض معه صعبًا.
ويتابع “من هُنا برز بيزلي ليلعب دور المُيسِّر أو المُسهّل بتبني أطروحات الحلو ومواقفه، ونقلها إلى المنظمة التي نقلتها إلى الوساطة الجنوبيّة”.