الخرطوم: جمعة عبد الله
أدى استمرار التظاهرات الاحتجاجية بالخرطوم ومختلف مُدن الولايات لتأثيرات بالغة على الأنشطة التجارية، وعلّقت بعض الأسواق أعمالها، كما أغلقت محال تجارية بوسط الخرطوم والطرقات الرئيسية وأسواق الأحياء أبوابها كُليّاً يوم أمس، فيما رصدت “الصيحة” خلال تظاهرات أمس الأول، خلو وسط الخرطوم بشكل شبه كلي من النشاط التجاري بإغلاق عمارة الذهب، ومحال المبلوسات وغيرها من المطاعم والبقالات.
فراغٌ حكوميٌّ
وبسبب التغييرات السياسية وما صاحبها من حلٍّ للحكومة المركزية وحكومات الولايات، دفع المواطن ثمناً للفراغ تمثل في غياب الجهات التي من المُفترض بطبيعة مُهمتها مُتابعة توفير السلع وتوزيعها للمستهدفين.
وحتى بغير الاحتجاجات الجماهيرية تُواجه الأنشطة التجارية ركوداً غير مسبوقٍ بسبب التردي الاقتصادي والغلاء، وهو وضع متأزم بالفعل، وتتزايد حدة الازمة مع التظاهرات الراتبة التي تتم بين حين وآخر, وآخرها أمس الأول الأربعاء، وأدّت هذه التظاهرات لتواصل اضطراب الأسواق في الخرطوم، وشهدت حركة التجارة ومبيعات السلع تراجعاً ملحوظاً, كما تراجعت القوة الشرائية لأدنى مستوياتها، فيما أغلق عددٌ من المحال التجارية أبوابها خوفاً من تعرُّضها لخسائر بسبب الحراك الجماهيري الذي انتظم عددًا من المدن والأحياء السكنية بالولاية.
خلو الأسواق
في وسط الخرطوم، كانت الحركة التجارية متوقفة تماماً، وإن عملت بعض المحال التجارية خلال الفترة الصباحية قبل أن تغلق أبوابها قبل الظهيرة، ولكن كثير من المتاجر كانت مغلقة تماماً طوال اليوم، وخلت الشوارع والطرقات بوسط الخرطوم من المارة إلا عدد قليل من المواطنين، وكذلك اقتصر عمل البنوك وأفرعها على الفترة الصباحية, كما فتحت الصيدليات أبوابها بدوام جزئي لساعات محدودة قبل الظهر، وبعد ذلك أُغلقت جميع المتاجر وتوقّفت الأنشطة التجارية كُلِيّاً.
تراجُع الإقبال
وبحسب متابعات “الصيحة” لعدد من أسواق الولاية, فهنالك قلة لمرتادي الأسواق مع تبايُن في الأسعار, حيث اقتصر التبضع على شراء السلع الأساسية والغذائية مثل السكر والدقيق والزيوت، وكذلك الخضروات واللحوم، وبشكل عام، لا تزال السلع متوفرة نسبياً بالأسواق والمتاجر وإن سادت مخاوف من حدوث نُدرة وشُح في بعض السلع حال استمرار الاحتجاجات أو زيادة حدتها في الأيام المقبلة.
وشهدت محليات الخرطوم وأسواقها استمرار العمل في محال تجارية توفر السلع الاستهلاكية كالمعتاد وإن أغلقت أبوابها قبيل الظهيرة خاصةً المحال التي تقع على مقربة من مسار التظاهرات، وفي الأثناء توقّفَ عددٌ من محطات الخدمة البترولية والمخابز عن العمل في ذات التوقيت، وبعضها كان يعمل في الفترة الصباحية بوجود صفوف.
الاحتجاجات بعيون تُجّار
ظاهرياً، لم تبرز بشكل ملموس أيِّ مُعطيات تُشير لنُدرة أو انعدام للسلع الحياتية اليومية، وإن كانت التخوُّفات حاضرة من حُدُوث تطوُّرات مُرتقبة تؤدي لانفلات جديد في الأسواق بسبب الفراغ الحكومي الناتج عن حل جميع المؤسسات الحكومية المعنية بتوفير السلع الاستهلاكية، وفي أيسر الاحوال السلع مع زيادات اسعارها في وضع لا يجد فيه المواطن المال للشراء.
ويتّفق جميع التجار الذين تحدّثوا لـ”الصيحة” على تسبب التظاهرات في خسائر على أعمالهم بسبب توقُّف حركة البيع وتكرار التظاهرات على أيام متقاربة, مَا يضطرهم في كل مرة للتوقُّف عن العمل، في حين أنهم مُواجهون بالتزامات متعددة منها مديونيات مجدولة ورسوم وإيجارات ومنصرفات تسيير وأجور للعمالة، موضحين أن توقف العمل لا يُساعدهم في توفيق أوضاعهم المالية بالصورة المطلوبة، ولفتوا الى ان النشاط التجاري في الاصل متراجع حتى بدون التظاهرات.
وَشَكَا تُجّارٌ تحدثوا لـ”الصيحة” من وجود صُعُوبات في توصيل السِّلع والبَضَائع لتراجع حركة النقل بإغلاق الكباري, عَلاوةً على عودة صفوف الوقود وصعوبة التزوُّد بالجازولين لأصحاب شاحنات النقل الكبيرة.
وفي سوق بحري أحد أكبر شمال الخرطوم، واصلت مُعظم المحال التجارية إغلاق أبوابها، فيما كان الركود بائناً على المحال التي ما زالت تعمل، حيث يتجلى ضعف الإقبال على الشراء بسبب الركود العام وشُح السيولة.
ويقول التاجر عبد الباقي الشيخ حسين، صاحب محل إجمالي بالخرطوم، إن ركود السوق “ليس جديداً” رغم زيادة حِدّة الركود بسبب الاحتجاجات، وقال انّ أسباب الركود متعددة، موضحاً أن الغلاء يتصدر هذه الأسباب، بالإضافة إلى الوضع المعيشي الذي يواجهه أغلبية المستهلكين، مشيراً إلى أن غالب المتوافدين على الشراء يبتغون السلع الأساسية التي تنحصر في السكر والدقيق والزيوت والشاي وبعض الأغراض المنزلية اليومية.
وأرجع أحد التجار، فضّل حجب هويته، أسباب الركود للاحتجاجات الشعبية التي ادّت لإغلاق عدد من المحال التجارية مع صُعوبة نقل البضائع بين المخازن والمتاجر, مشيراً إلى أن أزمة الوقود لها دور في زيادة تكاليف النقل الداخلي كما تزيد من تكاليف الترحيل من مواقع الإنتاج حتى الأسواق، قاطعاً بأن العقبات التي تُواجهها الأسواق لا تقتصر فقط على الاحتجاجات بقدر ما تتعلّق بأسباب عديدة أخرى.
ضرورة المُعالجة
تقول الخبيرة الاقتصادية، د. إيناس إبراهيم، أن توقع وضع الاقتصاد حالياً يعد من الصعوبة بمكان، وعزت الأمر لعدم اتضاح الرؤية الكلية, بل وعدم تشكيل الحكومة الجديدة نفسها، بالإضافة إلى وجود توقُّعات بعدم مُبارحة المواطنين لساحات الاعتصام الجماهيري مَا يُعقِّد – بحسب قولها – لـ”الصيحة” من صعوبة الأوضاع على المسؤولين الجدد.
وحذّرت د. إيناس إبراهيم من خطورة تجاهل الوضع الاقتصادي الحالي، وقالت إن الحكومة مطالبة أكثر من أيِّ وقت مضى بإصلاح الوضع المعيشي للمواطن وتجنُّب انفلات الأوضاع في حال استمرار الأزمة هكذا دون حلول جذرية، وقالت ان البيئة الاقتصادية الحالية لا تساعد على تحقيق أدنى طموحات المواطنين، ودعت للتركيز على المشروعات الإنتاجية خاصة الزراعة وما يتصل بها من الصناعات التحويلية ورفع حجم الصادرات وتذليل العقبات الحكومية أمام المنتجين, والتي قالت انها تتمثل في تعدد الرسوم والجبايات, لحدٍّ أخرج الكثيرين من دائرة الإنتاج لصعوبة العمل في ظل أوضاع غير مُحفِّزة للإنتاج وكثيراً ما يتكبّدون الخسائر.
تحقيق مطالب
ويدعو المحلل الاقتصادي قاسم صديق، الدولة الى الاستجابة لمطالب المحتجين والوصول لرؤية ترضي الجميع، وقال لـ”الصيحة”, إن الاقتصاد السوداني قبل الاحتجاجات كان يعاني تعقيدات كثيرة وتأخير الحلول وتراخي الدولة في إيجادها عقد المسألة أكثر بصورة أكبر، وأضاف في حال استمر الوضع الحالي كلما طالت الفترة أكثر يؤدي ذلك لصعوبة حلول القضايا الاقتصادية الراهنة، مشيرا الى أن تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي قضية مهمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مشددا على أهمية وجود الحكمة والرؤية التي يمكن أن يتوافق عليها الجميع دون استثناء، مبيناً أن أي تصرف لا يحتكم للحكمة سوف تكون نتائجه الاقتصادية سالبة على الاقتصاد.
فاتورة باهظة
بدوره يشير الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم، إلى أن الاحتجاجات تكلف الدولة فاتورة الاستعداد الأمني وهي فاتورة كبيرة جداً ترفع الاستعداد للقوات النظامية تتحمّلها خزينة الدولة خصماً على الموارد الشحيحة، وفي المُقابل هذه الاحتياجات وفرت للحكومة دعما خارجيا عبر مُواليها بالخارج تتعاطف مع الراهن السياسي كرت رابح للحكومة تجني منه موارد للدولة، موضحاً أن المعالجات المطلوبة لا يجب أن ترتبط ببقاء أسماء مُعيّنة بالحكومة من عدمها بقدر ما هي مطلب لتحسين معاش المُواطنين وكبح جماح الأسعار التي تتصاعد يومياً دُون ضوابط واضحة.