في مثل هذا اليوم قبل تسعة عشر عاماً من الزمان بدأت أولى خطوات سقوط مشروع الحركة الإسلامية في التغيير الاجتماعي والإصلاح السياسي، حينما غدر العسكريون الذين حملتهم الحركة من الوهن إلى القوة وبعض السياسيين التنظيميين بزعيم الحركة الإسلامية ومفكرها الشيخ الراحل حسن الترابي، وإقصاء كامل لكل من قال لا في وجه الرئيس. وشهدت ساحة البرلمان عراكاً حول الدستور بين دعاة الانفتاح وانتقال السلطة من المركز إلى الأطراف، وبين القوة التي بيدها المال والسلطة والسيف ومفاتيح السجون والزنازين والمعتقلات.
في الرابع من رمضان قبل ١٩ عاماً كانت الحركة الإسلامية موحدة ولا تجرؤ قوة في الأرض على منازلتها في ميادين الفكر والخطابة والرأي والرأي الآخر، وكان الشباب المخلص لمبادئ آمن بها يقدم النفس في ساحات القتال بالجنوب، ولم تأبه الحركة لحصار الخارج وعقوبات أمريكا وحرب الجيران، لأنها كانت تستمد قوتها من وحدة صفها لتأتي بعد القوة سنوات الضعف والوهن لتسقط بعد تسعة عشر عاماً من ذلك التاريخ.
تمر اليوم ذكرى الرابع من رمضان والحركة الإسلامية قد سقط مشروعها السياسي، وتفرق قادتها في السجون والمعتقلات، وبات شعار تصفيتها يهتف به حتى من صنعتهم بالأمس وأسبغت عليهم الصفات ورفعتهم في مقام القادة لحماية الوطن العزيز، ولكنهم اليوم يتسابقون تهافتاً لجز أعناق الرجال الذين كانوا لهم مخلصين حتى الأمس القريب.
تمر اليوم ذكرى الرابع من رمضان، والصف الوطني الإسلامي متصدع بين الشعبي ووطني وإصلاح، وخراب ومعتزلة ساءهم فساد السلطة السابقة وعجزها عن إدارة شأن البلاد وصلاح أمور العباد، فوقفوا معارضين لها وساعين لذهابها، ولم تعجز السلطة التي جاءت من رحم الحركة بالبطش بأبناء الوطن وتمزيق جغرافية السودان. ذهب الجنوب لحال سبيله، وتجرعت دارفور مرارة الحرب ومات الآلاف من أجل لا شيء حتى غربت شمس الإنقاذ في الشهر الماضي، وأصبحت شيئاً من التاريخ الإنساني لها ما للتاريخ من أحكام وعبر ودروس .
تمر اليوم ذكرى الرابع من رمضان، وتبقى العبرة والدروس والتأمل في المستقبل الذي يتشكل الآن من رماد الهزيمة إلى آفاق الغد المشرق.
تبقى حركة الإسلام حاضرة وفاعلة مهما تصاعد عواء الخصوم الذين هم أعجز عن تقديم البديل الذي ينتظره الشعب.
في الرابع من رمضان، تشرق شمس الحرية التي تمثل أكسجين الحياة لكل حركة تغيير في الدنيا، ومن هنا تبدأ خطوات المسيرة القادمة مسنودة بصدق الصادقين ودعاء المؤمنين في هذا الشهر الكريم.