اللحظة تأريخية
*ربما الأزمات لا تنتظر هذا التفاوض الذي طال أمده بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بل ربما الخلافات التي دبّت بين مكونات التغيير ترف لا يليق بشعب أرهقته المعاناة، وما تزال قطوعات الكهرباء تحيط به، والماء ينقطع عنه، وصفوف البنزين والجازولين تظلل حياته.
*قوى التغيير عليها ألا تُشمِت فيها من قالوا إنها فوجئت بسقوط النظام، وإنها من بعد ذلك لا تملك حداً أدنى تتفق عليه، ولا رؤية تستند غليها، وإن الذي يفرّق بين مكوناتها، بأكثر من الذي يجمع بينها.
*عجبتُ لموقف قوى الحرية والتغيير من مشروع الوثيقة الدستورية التي قُدّمت للمجلس العسكري، وقبل أن تتلقى ردًا بشأنها، دبّت الخلافات بين مفرداتها، إلى حد رفض الوثيقة وإنكارها، حزب الأمة قال إن الوثيقة لا تمثله، وإنه لم يُستَشَر فيها، ولم يُستَفتَ بشأنها، الحزب الشيوعي بدا رافضاً للوثيقة وما حوتهن وقال إنه لن يقبل بمشاركة العسكريين في المجلس السيادي، وإنه لن يسمح بأن يرافقوا الحكم في الفترة الانتقالية، حزب المؤتمر السوداني قال إن الوثيقة شابها قصور ورافقتها عجلة، وإن الفرصة متاحة لسد نقصها ومعالجة ثغراتها، ربما السؤال هنا من الذي أعدّ هذه الوثيقة، ومن المسؤول عنها، ومن الذي يتبناها، بعد أن نفضت غالب القوى السياسية اليد عنها.
*والحالة هذه، لم يجد المجلس العسكري كبير عناء ليرد على الوثيقة بعد أن رد عليها أصحابها، وبعد أن وجّه سهام النقد لها ممن كان يفترض أن يدافع عن بنودها، ومع ذلك، فإنه بدا واضحاً أن المجلس العسكري تزيّد في ملاحظاته وتوسّع في مقترحاته، لدرجة أننا حسبنا أن الباب قد فتح للاتفاق على دستور، مع أن هذا ليست فترته، إذ تم الاتفاق على أن يكون من القضايا المنظورة في نهاية الفترة الانتقالية، وإنما المطلوب الآن إعلان دستوري يعبُر بنا الفترة الانتقالية ويضبط اختصاصات وصلاحيات مجالس الحكم وأجهزتها.
*وحتى لا تطول فترة المفاوضات، وحتى لا ندع الباب مفتوحاً للتسللات، أرى أن تتجه قوى الحرية والتغيير لتشكيل مجلس الوزراء والمجلس التشريعي الانتقالي، وأن يعهد الى الأخير بإعداد مسودة الإعلان الدستوري، التي على ضوئها يمكن الاهتداء إلى حل متفق عليه بشأن تكوين مجلس السيادة، من حيث عضويته ونسب مشاركة العسكريين والمدنيين فيه.
*لم يعد هناك كثير وقت للمداورة، القضايا لا تنتظر والمتربصون كثر، والأزمات تمسك بتلابيب الوطن، ربما السانحة تاريخية، وربما تجاوز المصالح الآنية والخلافات الأيديولوجية ضرورة للحفاظ على تماسك القوى التي صنعت التغيير، وربما تجمع المهنيين مطلوب منه أكثر من غيره، أن يمد النظر والبصر للذي يجمع القوى الثورية، إنه أمر محزن بحق أن تحقق هذه القوى نجاحاً في ثورتها، وأن ينقل عنها الآخرون كيف أدارت تحوّلاً سلمياً سيظل منارة للبشرية كلها، كيف لهذه القوى التي أحدثت كل هذا، أن تفشل في إدارة تفاوض بينها وبين المجلس العسكري الذي انحاز لها، في حين كان يجب أن تتساند هذه القوى لإنجاز مهمة التغيير التي لأجلها تناصرا وتساندا، وباتت الأنظار معلقة بهما.