الخبير العسكري الفريق أول ركن محمد بشير سليمان لـ(الصيحة):
انحياز حميدتي لجانب الثورة أحدث خللاً وأربك المخطط
حوار: نجدة بشارة
رسم المحلل العسكري الفريق، ركن محمد بشير سليمان، صورة قاتمة لمهددات تتربص بالأمن القومي داخلياً وخارجياً، وطالب المجلس العسكري وقوى التغيير بالاحتكام لصوت العقل وتجاوز الصراع تحسباً من الانزلاق في سيناريوهات تُعيد الثورة للمربع الأول، متوقعاً حدوث انقلاب مضاد في حال إطالة الفترة الزمنية.
وحدد المهددات الأمنية الداخلية في هشاشة الدولة، خاصة بعد خروجها من نظام شمولي دكتاتوري قابض، وما زالت تفاصيل الدولة العميقة التي حكمت 30عاماً وليس من الميسور إخراجها من الفعل السياسي بسهولة.
وقال: إضافة إلى أن المعارضة ليست على قلب رجل واحد، في الجانب الآخر، توجد الحركات المسلحة، التي قد تكون جزءاً من الثورة، وتنتظر الوقت المناسب لتحقق أهدافها، ولعل حالة الضعف التي عاشتها البلاد كان يمكن أن تستغلها هذه الحركات لإحراز تقدم في عملياتها باحتلال بعض المناطق، وبالتالي تستطيع أن تصعد التفاوض.
وأوصى بأن تكون قضايا الأمن القومي في المقدمة، وأن ذلك يتطلب تضافر الجهود بين الثوار والمجلس العسكري، وأن يضعوا السودان في مقدمة الأولويات..
فإلى الحوار..
*في البداية، ما تسمي ما حدث ثورة أم ننقلاباً في وجهة نظرك؟
– انقلاب عسكري … لأنه حقيقة ﻻ أستطيع القول بأن هناك مجلساً عسكرياً انتقالياً كاملا الآن، أنما جسم نتج عن انقلاب عسكري، معلوم أن المجلس العسكري حسب العرف يؤسس لمطلوبات من قاموا بالثور ، فيما يؤسس الانقلاب لمن يريد أن يحكم، والصراع القائم الآن واضح بين من يريد أن يحكم، ومن يريد أن يستلم السلطة، وتجري الأحداث دون (تريث) أو تباطؤ من قبل المجلس العسكري لقراءة مطلوبات الثورة والمسار الذي يسلكه المجلس العسكري، يعطي انطباعاً بأنه يريد أن يحكم، وأحسب كأنه يوجه رسالة بأن دعوني أحكم لأثبت قضايا الأمن القومي.
*لكن المجلس ظلّ يردد بأنه زاهد في الحكم وسوف يسلم السلطة للمدنية في أقرب وقت؟
– جولات التفاوض التي جرت بين المجلس العسكري، وإعلان قوى التغيير كان يكفيها جلسة واحدة لحسم خلافاتهما، وإعطاء التجمع انطباعاً بالثقة التي يطلبها من المجلس، وهذا بالتأكيد يؤطر لمسار المستقبل السوداني بعيداً عن أي صراع أو تمترس حول السلطة، مما قد يقود للتنازل، وبالتالي الفشل، والذي لا يحمد عقباه في بداية الثورة، والتي قد تقود لثورة مضادة. وأعتقد أن المجلس ينبغي أن يجلس مع المجموعة التي قادت الثورة في الأرض، أمام القيادة العامة وأن يستمع إلى رؤاهم في إطار تكامل الأدوار، بينما يجب على الثوار أن يفهموا وجهة نظر المجلس، وأحسب أن أهم قضية للمجلس الآن هي الأمن القومي والمهددات الكثيرة التي تواجهه.
*حدّد لنا هذه المهدّدات الأمنية التي تُحيط بالثورة والبلاد؟
– مهددات خارجية وداخلية، والأخيرة تتمثل في هشاشة الدولة عقب خروجها من نظام شمولي دكتاتوري قابض، وما زالت مفاصل الدولة العميقة التي حكمت 30عاماً وليس من الميسور إخراجها من الفعل السياسي بسهولة، إضافة إلى أن المعارضة ليست على قلب رجل واحد.
في الجانب الآخر، توجد الحركات المسلحة التي قد تكون جزءاً من الثورة، وتنتظر الوقت المناسب لتحقق أهدافها، ولعل حالة الضعف التي عاشتها البلاد كان يمكن أن تستغلها هذه الحركات لإحراز تقدم في عملياتها باحتلال بعض المناطق، وبالتالي تستطيع أن تصعد التفاوض، وإن كان قوى التغيير تقول إن هنالك ممثلين من الحركات دخلت التجمع وتتفاوض مع المجلس، إضافة للمهددات الإقليمية والدولية، لذلك أرى أن قضايا الأمن القومي الان من القضايا الملحة، تتطلب تضافر الجهود بين الثوار والمجلس وليضعوا السودان في مقدمة الأولويات، ثم الوضع في الاعتبار لاحقاً دولة المواطنة والهوية الواحدة، وعدم الإقصاء، لأن هنالك أكثر من (520) قبيلة، وأكثر من (40) حركة مسلحة بالبلا ، هذه قضايا أساسية، لاينبغي لمن سيحكم السودان أن يتجاوزها، خاصة وأنها من معضلات الحكم منذ الاستقلال.
*في اعتقادك ما هي العوامل التي ساهمت في نجاح ثورة الشباب؟
– الإنقاذ لم تستطع طيلة الـ(30) عاماً أن تقدم نموذجاً سياسي يشفع لها رغم أن الشعب السوداني كان أمله كبير مع بدايات الإنقاذ، لكن الإنقاذ انحرفت عن هدفها بتحوير السلطة إلى فئة معينة، وهذه واحدة من أسباب الفشل، إضافة لممارستها لكبت الحريات وعدم الديمقراطية، ثم تطبيقها لشعار المؤتمر الوطني (الإقصائي)، إما معنا أو ضدنا، ثم استشراء الفساد بصورة كبيرة، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير، هذا غير سياسة المناورة التي اتخذتها سلطة الوطني في سياستها الخارجية والتي قادت ﻻستهداف السودان من الخارج، وهي بالتأكيد سبب في نجاح الثورة، من خلال تدخلها بنصرة الثورة من الخارج وما زالت تتدخل، ونخشى أن يقود ذلك البلاد إلى مزالق أخرى.
* في رأيك كيف يتفادى المجلس ذلك ؟
– الحكم الانتقالي الآن لا يؤثر بصورة كبيرة على السياسة الخارجية، لكن بعد تكوين حكومة (مدنية)، ينبغي لها أن تؤسس لسياسة خارجية فاعلة، وقد تحتاج إلى جهد كبير نسبة لحدوث انحراف للمسار. الآن بعد سقوط النظام السابق لذلك سيدخل الحكومة القادمة في مطب جديد لتقييم مسار السياسة الخارجية .
*إذا أعتبرنا ما حدث انقلاباً قراءتك لكواليس الانقلاب؟
– أتوقّع أن يكون سيناريو الانقلاب قد أُعّد له من قبل (لوبي) من المقربين من الرئيس المخلوع، ومن منسوبي حزبه المقربين، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار إعلان البشير في آخر أيامه قوميته وتخليه عن المؤتمر الوطني، مستفيدين من حالة اﻻعتصام ووقو القوات المسلحة إلى جانب الثورة، ثم الحراك الذي شهده الشارع بعد إذاعة البيان الأول وإعلان تولي وزير الدفاع السابق ونائبه، وهم محسوبون على السلطة السابقة. ورفض الثوار جعلهم يخرجون باكراً، وبالتالي أجهضوا جزءاً كبيراً من سيناريو الانقلاب، وهو الشيء الذي قاد مدير جهاز المخابرات السابق قوش للانسحاب من المسرح السياسي، إضافة إلى وقوف حميدتي بقواته إلى جانب الثورة ، مما أحدث خللاً وإرباكاً لخطط الانقلاب، ثم كان هجوم تجمّع قوى التغيير والثوار على زين العابدين ومجموعته وهم جزء أصيل من دائرة البشير.
*وماذا بشأن قيادات المجلس العسكري الآن؟
أحسب أن المجموعة القائدة للمجلس الانتقالي الآن، سعت لتجاوز كل الحواجز، لكن الدولة العميقة ما زالت تدفع بالشكوك تجاههم ، وعدم الثقة فيما يتعلق بالانقلاب، فأصبح الوضع معقداً، لتبيان موقع المجلس الحالي من السيناريو هل دخولاً فيه أم خروجاً منه، أرى أنه قد نحتاج إلى وقت لتتضح الرؤية، لذا مطلوب من المجلس البيان بالعمل ليثبتوا أنهم ليسوا ضمن السيناريو أو جزءاً من القيادة التي تقود المسار العسكري لإخراج مؤتمر وطني في ثوب جديد، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار ضغط الثوار مع عامل الزمن جعلت البيئة السياسية ذات زخم حول المجلس ، وقد يحتاج للتفكير بهدوء، ثم أن يجلس الطرفان ويضعان الأولويات، وإزالة الشكوك، وعدم الثقة، وأن يضعا استراتيجية للقادم شرط أن يكون السودان في مقدمة الأولويات.
*هل تعتقد أن استجابة المجلس لطلب الثوا ر وعرض صور لرموز النظام السابق سيزيل الشكوك بين الطرفين؟
– لا احسب ذلك ، لأنه من السهولة أن يتم عرض صور للمعتقلين داخل سجنهم، ولكن السؤال المهم، ماذا سيجري بعد ذلك، أعتقد أن ما يمكن أن يزيل الشكوك بين المجلس والثوار التأكيد على تنفيذ مطلوبات الثورة بتمكين القضاء العادل والشروع في محاكمة رموز النظام السابق وما فعلوه خلال الـ30عاماً السابقة.
ولعل الثورة بذلك ستكون أنموذجاً لكل الشعوب في مسارها السلمي، وأشير إلى أنه كلما طالت الفترة الزمنية ستكبر هوة عدم الثقة، وتمتد حتى لدى المواطن البسيط، ولعل المجلس العسكري الآن يحتاج لفعل حقيقي لإعادة التوازن.
*في اعتقادك لماذا يتحفظ المجلس على عدم عرض صور لهم..؟
– من مبدأ الأخلاق والقيم (الستر) في حالة الابتلاء أو الوقوع في الجريمة، ذاك أمر الدين، وأعتقد أن من يقودون الحراك بالتأكيد مدركون لذلك، إلا أنهم يخشون أن يجر (الستر) مع إطالة الوقت إلى ما لا يحمد عقباه، ويبقى الفيصل بدء محاكمتهم، وهو الشيء الذي سيزيح عن المجلس العسكري حالة عدم الثقة التي ظل موسوماً بها، ولم يجد مخرجاً لها .
* أصابع الاتهام توجه ناحية المجلس العسكري وتراه جزءاً من المؤتمر الوطني؟
– بعد انتخابات 2004م، ظل المؤتمر الوطني يؤسس للدولة الأمنية الشمولية، وما كان يقبل إلا بمن يكون معه ويؤيده، وحتى من يؤيده يختارهم من ضعاف الشخصية، وأن لا يستطيع قول كلمة لا مهما راى من باطل، ليكون مطية لأمر النظام، بالتالي أرى أنه لا يحصل على الرتب العالية إلا من كان على ولاء تام للرئيس السابق الذي استطاع تأسيس دولة داخل دولة، وحزب داخل حزب، وما كان ينظرإلى أي مشورة من الحزب أو أفراد، كان فقط يفرض رأيه والذين يؤيدونه يقولون نعم.
*إذن ترى أن اتهام الثوار للمجلس بأنه إعادة إنتاج للوطني معقولة؟
– صحيح، طني، لكنهم بعد سقوط النظام بدأوا يتحولون 180درجة في إطار مطلوبات الدولة الجديدة، تماشياً وتوافقاً مع الثوار، وبعد مساندتهم للثورة بات أمراً يحمد لهم، خاصة وأن الثورة تمضي آمنة في مسارها وهم محتاجون أن يدركوا أن نظام البشير ظلم القوات المسلحة ظلم الحسن والحسين، وهدمها هدما تاماً، وقوّى بالمقابل الأجهزة الأمنية والمليشيات الأخرى (الدفاع الشعبي) (الأمن الشعبي)، وأصبح بالدولة جيشان، على حساب جيش الدولة، لذلك، بات الجيش ليست نسخته الأصلية للدولة، وهذا بالتأكيد يحتاج لمعالجة ليصبح الجيش جيشا واحداً، حتى إذا تعددت حامياته .
*في اعتقادك ما هي مهددات الثورة؟
– عدم تحديد الأهداف الوطنية الذي يمثل الحصن الآمن للاستقرار السياسي، وهذا يقودنا إلى سؤال هل تستطيع أن تعمل قوى الثورة السودانية وفق رؤى وطنية جامعة لتجاوز السلبيات، أم سوف يتكرر سيناريو الفشل الإنقاذي وما سبقها من حكومات، وطالما الثورة ما زالت في بداياتها، أرى أن تكوين المجلس العسكري الانتقالي قد تم على ذات الأخطاء الماضية، وكان حرياً أن تضع الثورة أسبقية والأولوية للقادمين الجدد لحكم السودان، أيضاً تمثل الرؤية السالبة للقوى السياسية نحو الجيش السوداني أحد أهم التحديات والمخاطر التي تؤثر على استقرار البيئة السياسية، علماً بأن السياسيين هم الأكثر استقطاباً استغلالاً للقوات المسلحة في الانقضاض على سلطة الحكم إثباتاً بوقائع التاريخ، كما أنهم الأكثر تآمراً عليها، إضعافاً للجيش، في قواه المادية والمعنوية، ودون سرد حقائق التاريخ نستطيع القول إن رؤية الثوار لدور الجيش لا أقول سالباً لكنها لا تمثل الحد الأدنى الوطني المطلوب لاعتبارية الجيش والحفاظ على هيبته، ولا شك أنها رؤية لا تعبر عن الاتجاه السليم لمؤسسة مطلوب منها أن تدافع عن الوحدة الوطنية، وتحافظ على الأمن القومي السوداني تحقيقاً للبيئة السياسية المستقرة التي تحتاجها الثورة الآن، إن الجيش يحتاج لاستعادة دوره وهيبته وقوميته وتأمين مطلوباته التطويرية والاجتماعية. من خلال التأسيس لبناء دولة المؤسسات القومية التي يمثل الجيش رأس الرمح فيها، حيث الالتزام بصفة الحياد أداء لواجباته الدستورية، وذلك ما يعد أحد وأهم الواجبات، أيضاً من المهددات حين تتحدث بعض قوى الثورة تصنيفاً لمن يخالفها الرأي والفكر دون اعتبار لحرية الرأي وقبول الرأي الآخر، ثم وعيداً ( بالتصفية) لهذه القوى السياسية، فهذه من أخطر المهددات.
*أخيراً… ماذا أنت قائل للمجلس العسكري وقوى التغيير للمرحلة القادمة؟
– الانتصار الحقيقي لم يتحقق بعد، والشوط ما زال بعيداً، بجانب اعتبار عامل الزمن والمهددات الأمنية لذلك، يجب تجاوز الصراع الأيدلوجي، وعدم الإقصاء إلا من كان فاسداً، وقبول الآخر ليقود إلى التأسيس لحكم راشد وشفاف.