الخرطوم: جمعة عبد الله
تَبدّدت آمال السودانيين في استكمال مسيرة التحول الاقتصادي ووصولها لنهايتها، عقب التغييرات الاخيرة التي طالت بنية الحكومة، فيما يرى مختصون أن استعادة المكاسب التي تحققت خلال العامين الأخيرين، يبدو مهمة “ليست سهلة” ولن تتم إلا وفق تفاهم وتنسيق مع المجتمع الدولي.
مكاسب اقتصاديّة
خلال العامين الأخيرين, بدأت حكومة رئيس الوزراء السابق، د. عبد الله حمدوك خطوات جدية في إصلاح الاقتصاد المتدهور منذ عقود، ورغم عدم تحقيق نتائج مرضية على الصعيد الداخلي، إلا ان تحركاتها الخارجية اثمرت عن بعض المكاسب الاقتصادية التي شملت مسار إعفاء الديون واستقطاب العون المالي من المانحين، والمنظمات الدولية مثل البنك الدولي، لكن ذهاب الحكومة المدنية يجهل بقاء هذه المكاسب “محل شك”.
صورةٌ قاتمةٌ
ورسم اقتصاديون صورة غير مبشرة للأوضاع الاقتصادية في البلاد خلال الفترة المقبلة، وطالبوا في حديثهم لـ”الصيحة”, السلطات بمراعاة المصلحة العامة أولاً، وعدم الزج بالاقتصاد ومعيشة المواطن في الصراعات السياسية، قياساً على الوضع “الهش”, وقالوا ان ذلك يؤثر طبيعياً على جذب الاستثمارات في السودان, فيما يرى بعضهم بقولهم إنه لولا أن الاقتصاد قائمٌ على إمكانات ضخمة لانهار منذ زمن وما زال يقاوم حتى الضربات التي وُجِّهت له في الآونة الأخيرة.
رؤيةٌ غير واضحةٍ
وسيطرت الضبابية وعدم اتضاح الرؤية على التوقعات بشأن مُستقبل اقتصاد السودان بعد أن شكّلت التحديات المُتعدِّدة عصب الحراك الجماهيري الساعي إلى إحداث تحول في العملية السياسية التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمعاش الناس، كما كان الاقتصاد هو المتأثر الأكبر بإخفاقات فترة الشراكة “المدنية – العسكرية” عجزت فيها الحكومة عن معالجة قضايا الناس والتي مازالت تراوح مكانها.
قلقٌ رغم التّطمينات
رغم التطمينات التي بثّها قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بشأن الاتفاقات المسبقة التي تمت خلال العامين الأخيرين وتأكيده الالتزام بها, الا ان المجتمع الدولي لم يتقبّل تلك التبريرات – على الأقل في الوقت الراهن- خاصة فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي, فأوقف البنك الدولي معوناته وكذلك الولايات المتحدة, تبعتها ألمانيا وعدد من الدول التي كانت تدعم عملية الانتقال الديمقراطي في السودان والذي لا يتأتى إلا بإصلاح تام يرتبط غالبه بالمجال الاقتصادي.
مَأزق السِّياسات
ويرى الخبير والمحلل الاقتصادي قاسم الصديق، أنّ السِّياسات التي تبنّتها الدولة عقب التغيير في 2019م وما تلاه والتي كان من مؤشراتها رفع الدعم وتحرير أسعار الصرف وإلغاء الدولار الجمركي، هي سياسة من حيث صحتها بالنسبة لما يحدث في السودان وما يمر به من ازمات هي سياسة “سليمة”, لكن النجاحات لا تكون بين يوم وليلة، لذلك اصطدمت بالمطالبات اليومية والتسرع في ان تجني ثمارها، واضاف: من ناحية انها وضعت الاقتصاد في المسار الصحيح أمرٌ لا شك فيه فيما يختص بالانفتاح على الأسواق العالمية، كما أنها ساهمت في انتعاش جزئي في الثروة الحيوانية وقطاعات فرعية مثل الزراعة بالإضافة إلى المعونات الخارجية الموجّه لنشاطات تنموية وان كانت آثارها مباشرة او غير مباشرة خاصة الدعم في مجال البنيات الأساسية والتي تعتبر اساسية لسياسات تبنّتها الدولة.
ويشير الصديق، ان هذه السياسات نتيجتها وآثارها السالبة التي استدعت دعم الفئات الضعيفة بقدر الاستطاعة الى ان تدخل المجتمع الدولي ومُشاركته في برنامج ثمرات لدعم الاسر الفقيرة، يقول الآن برزت مشكلة الجانب العسكري الذي ظل متمسكاً بألا يكون بعيداً عن القرارات السياسية وهذه تعتبر مشكلة مزمنة, إضافةً إلى أنه يصر أن مؤسساته الاقتصادية لا يمسها أي تغيير أو تؤول إلى القطاع العام وهذه مشكلة اخرى لوجوب إخضاع جميع الشركات في الدورة الاقتصادية وتكون داخل الاقتصاد القومي, وهذا اذا تم سيساعد في نجاح سياسة الدولة, لأن عائداتها كبيرة يمكن ان تسهم في سد عجز الموازنة والميزان التجاري – ميزان مدفوعات الدولة, وقال: هذه من الضروريات لان العالم يحاول الآن في مساعدة اعفاء المديونيات بطرق مختلفة، واضاف: يقيني ان عدم تحقيق ولاية وزارة المالية الكاملة على الاقتصاد الكلي فلن تكون هنالك مؤشرات مبشرة للاقتصاد السوداني.
تعامل المُجتمع الدولي
واعتبر الصديق أنه بدون عودة الحكومة الديمقراطية المدنية في السودان لن يقتنع المجتمع الدولي, لأن مجهود رئيس الوزراء كان بمعرفته التامة وعلاقاته المهنية والشخصية الدولية, وهو المهندس لتلك السياسَات التي جعلت العالم يخضع للرؤى الجديدة ويعفي السودان من ديون كبيرة ويعمل على إعادته ضمن المنظومة الدولية والمالية، وشكّك في الوصول إلى اتفاق يرضي السودانيين او المجتمع الدولي, خاصةً وأن هنالك مهمة اخرى تتعلق بتسليم قيادة البلاد لسلطة مدنية.
هزّاتٌ اقتصاديّةٌ
أما الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الرمادي يقول, كما هو واضح فإن الاقتصاد السوداني خُضع لهزّات عنيفة جداً غير مسبوقة ورغم ذلك لولا انه قائمٌ على إمكانات ضخمة لانهار منذ ازمان طويلة, ولكنه ما زال يُقاوم إلى الآن، ففي الفترة الأخيرة كان الالتزام بشدة من قِبل المُؤسّسات الدولية بدعم السودان وتنفيذ وصفات رغم أنها لم تكن فيها حكمة, بل فيها قسوة شديدة على المواطن, لأننا نعلم أن الدعم للسلع هو صورة مشوهة، ولكن هنالك تشوهات اكبر من ذلك أغفلها الجميع وأصروا على هذه الوصفة.
مَطَبّاتٌ
علاوةً على هذه المعطيات, سيكون من العسير على الحكومة المرتقبة تخطي وتجاوز عدة مطبات كانت حجر عثرة امام سابقاتها من الحكومات، ولم يفلح كثير من محاولات حلها.
وابرز هذه المطبات هي عقبة “الاقتصاد الموازي” بالنظر لما يشكله من ثقل وتأثير، حيث تدار مئات الانشطة الاقتصادية بعيداً عن سيطرة الحكومة، وتدر عائدات ضخمة لا تجد طريقها للقنوات الرسمية على شكل أموال سائلة وأرصدة غير مالية، وتحتاج الحكومة لقرارات شجاعة ومدروسة لتتمكّن من توفيق أوضاع الاقتصاد الموازي، وضمِّه إلى الاقتصاد الرسمي، لأن ذلك يُمكِّنه من زيادة الدخل، والإسراع في تحصيل المتأخرات الضريبية، لأنّها خُطوة مهمة من خطوات الإصلاح الاقتصادي.
عدم الاستقرار الاقتصادي
عدم الاستقرار الاقتصادي هو إحدى الإشكالات التي تؤثر في عملية جذب الاستثمارات، بجانب قضية الانتاج والانتاجية، التي لم يتحقق فيها أهداف الاستثمار وهو زيادة الصادرات من الصمغ العربي والماشية والمعادن والقطن، وأن يتم تخفيض استيراد القمح والأدوية وزيوت الطعام التي يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي منها بقليل من الدعم الحكومي.
وتحتاج الحكومة لاتخاذ الحكومة للعديد من الإجراءات التي من شأنها النهوض بالاقتصاد، مثل: ترشيد الإنفاق العام، أو حتى إعلان التقشف مثلما فعلت دول كبرى عديدة، وتكثيف مكافحة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي.
حُسن استغلال الموارد
ويأتي مطلب حُسن الاستخدام الأمثل للموارد ضمن العقبات، في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى التفكير في أساليب جديدة لرفع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد، في ضوء التحديات التي تُواجه مصادره الرئيسية، والتي تُسجل جميعها تراجعاً مَلحوظاً، خُصُوصاً الدخل من الصادرات الزراعية والثروة الحيوانية والثروة المعدنية، وزيادة عجلة الإنتاج، والحد من الواردات غير الأساسية، وخفض حجم استيراد السلع غير الاستراتيجية وتشجيع الصناعة المحلية والحفاظ على الاحتياطي الأجنبي.