“قبل مقاومة الاستبداد يجب تهيئة ما يُقاوَم به الاستبداد” .. عبد الرحمن الكواكبي ..!
بعد نجاح ثورة يناير في مصر، كانت الدولة العميقة تعمل – خلف الكواليس – على إثارة سخط الشعب، لتعقيد مهمة الحكومة الجديدة، فتصاعدت أزمة الكهرباء والغاز، ثم انتهت، هكذا مصادفةً، فور عزل الرئيس السابق محمد مرسي وزوال حكم الإخوان..!
ثم ها هو التاريخ يُعيد نفسه في سودان ما بعد الثورة – ببعض التصرّف – وجد الشعب نفسه نهباً لبرمجة مفاجئة لتيار الكهرباء. كان الثوار يملأون الشوارع، وكان تيار الكهرباء منتظماً، ثم ما إن بدأ مسلسل الاشتراطات والمماحكات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حتى انبثق موضوع برمجة التيار الكهربائي من عدم الفراغ الدستوري ..!
وبعد أن تعالت أصوات الاحتجاج تعللت وزارة الكهرباء بتوفير الطاقة لشهر رمضان، حتى ينعم المواطنون بصومهم بلا برمجة. لكن انقطاع الكهرباء استمر في اليوم الأول لشهر رمضان، بل أن الأمر قد تفاقم إلى حركات وبركات طرأت على التيار الذي ظل يتفاوت بين انقطاع تام وحضور ضعيف لا يقوى على تشغيل أجهزة التكييف، فضلاً عن تهديد سلامة أجهزة التبريد ..!
يوم أمس الأول – أول أيام رمضان – استيقظنا شأن معظم سكان الخرطوم على انقطاع تيار الكهرباء، ثم عودته على نحو ضعيف لا يقوى على تشغيل أجهزة التكييف، وظل الأمر هكذا طوال اليوم حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، وكان يمكن لانقطاع التيار أن يظل على حاله، لولا إصرارنا على تقصي الأسباب ومطالباتنا الحثيثة بحل المشكلة ..!
بدأت محاولاتنا بالاتصال طوال اليوم بالرقم “4848”، وظللنا نتلقى إجابة واحدة من خلال برنامج الرد الآلي، بعبارة على غرار “عزيزي المواطن الكهرباء مقطوعة في منطقتك، ونحن نعمل حالياً على إصلاحها، وشكراً”. ومن بين عشرين محاولة لتسجيل بلاغ أفلحت واحدة، في فترة الظهيرة، أخبرتني خلالها موظفة ناعسة الصوت، بلهجة متضجرة أن الكهرباء مقطوعة في منطقة سكني لوجود عطل، وأنهم يعملون الآن على إصلاحه. هكذا دون أن تبذل أي جهد للتحقق من أي معلومة، ودون حرص على تدوين البلاغ اللازم ..!
في تمام التاسعة شددنا الرحال إلى المكتب الرئيس فأخبرونا أنهم يعملون على إصلاحها، ثم بعد كثيرٍ من البحث والتقصي اكتشفنا زيف تلك المعلومة، فذهبنا إلى أقرب مكتب، وهناك كان الناس يتجمهرون في صفوف طويلة، منهم من أتى لتسجيل بلاغ، ومنهم من أتى للسؤال عن مصير بلاغ سابق، وكانت الحجة أن المكتب يعمل بعربة واحدة وهي الآن في مهمة خارج المبنى ..!
وبعد لأيٍ واستعطاف وافق أحد المهندسين على مرافقتنا إلى حيث ما يسمى بالأمية، وهناك قام الرجل بفتح الصندوق ورفع ما يسمى بالسيركل بريكر، فعاد تيار الكهرباء. هكذا بكل بساطة!، ولو لم نفعل لقضينا باقي يومنا في ظلام دامس وحّرٍّ لا يُطاق ..!
بقي أن تعرف أن عدد العربات التي تعمل في كل قسم هي ثلاث، لكن الذي حدث أن كل قسم يعمل الآن بطاقة عربة واحدة بعد سحب عربتين من كل الأقسام بدعوى الصيانة، وبطبيعة الحال كان توقيت السحب بعد نجاح الثورة، وقبل بدء برمجة الانقطاعات الأخيرة ..!
وبحسب فنيين، فإن قطع تيار الكهرباء وإرجاعه سريعاً بطريقة معينة يؤدي إلى أحد أمرين، إما نزول “السيركل بريكر”، أو فصل الكهرباء القادمة من الضغط العالي إلى الأمية، والنتيجة واحدة وهي انقطاع التيار لساعات طوال، بالتزامن مع تفعيل الرد الآلي بقصد تقليل عدد البلاغات ..!
السادة المسؤولون – على سبيل التخصيص أو التأقيت – الفراغ الدستوري لا يعني أن يتم استخدامنا كشعب لتصفية حسابات سياسية، أو شن حروب خفية من الدولة العميقة على ثورة الشعب وقادة التغيير. أوقفوا هذا العبث قبل أن يستوي الماء والحجر ..!