أحمد موسى قريعي يكتب: الإسلام السياسي .. يوميات البارود و الدم (14)
زوايا
أحمد موسى قريعي
الإسلام السياسي .. يوميات البارود و الدم (14)
حزب التحرير ولاية السودان
حزب التحرير عبارة عن تكتل إسلامي سياسي يتمدد على مساحة واسعة من العالم الإسلامي خصوصا المنطقة العربية فهو نشط في “فلسطين، ومصر، ولبنان، وسوريا، والأردن، والسودان، وتونس” وله نشاط واسع في تركيا وباكستان وبنغلادش وإندونيسيا وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزيا وغيرها من الدول، وكذلك في بعض الدول الغربية كالمملكة المتحدة وأستراليا وروسيا وأوكرانيا.
لهذا التكتل الصنمي الرجعي “غايتان” سياسيتان في حقيقتهما، وإن كان ظاهرهما غير ذلك، فهو يدعو صراحة كعادة تنظيمات “الهوس الديني” إلى نشر الإسلام، واستئناف الحياة الإسلامية التي توقفت بحسب اعتقادهم في عام 1924م على إثر سقوط الخلافة العثمانية في تركيا.
كما أن الحزب يدعي أنه “حزب انقلابي” أي يدعو إلى تغيير شامل وجذري في كافة مناحي الحياة، رغم الجمود والسطحية اللذان يعاني منهما “عقله الجمعي” الذي يرى أن الانقلاب المتوهم يتم عن طريق إقامة الخلافة الإسلامية وإقامة دولة الإسلام التي تحل محل دول الكفر والفسوق في العالم.
واضح مما تقدم أن حزب التحرير يعاني من “تخلف فكري” مزمن جعله يقسم العالم إلى “دار إسلام” و”دار كفر” وبالتالي عودة الجهاد وغزو الأبرياء وسبي نسائهم وبناتهم، لأن المخيلة التحريرية ما فتئت تحلم بـ “بنات الأصفر”.
تأسس حزب التحرير في القدس مطلع عام 1953م على يد القاضي الشرعي “تقي الدين النبهاني”، بعد دراسة يُعتقد أنها دقيقة لأحوال العالم الإسلامي بعد سقوط الامبراطورية الإسلامية التركية.
مر حزب التحرير في تكوينه بمراحل، أولها المرحلة التأسيسية والتي كانت تتسم بالجهود الفردية “للنبهاني” ومن اقتنعوا بفكرته، ثم جاءت مرحلة إعلان الحزب ومشاركته في الانتخابات البرلمانية في الضفة الغربية عام 1955م، عندما نجح أحد أعضائه ودخل البرلمان ليمثل الحزب في مجلس النواب الأردني. ثم أعقبت ذلك مراحل سرية وأخرى علنية وصراعات وتوسع وتراجع وانتشار.
يتكون الهيكل التنظيمي لحزب التحرير من القيادة السياسية وتسمى “الإمارة” يتولاها “أمير الحزب” الذي يتم انتخابه داخلياً طبقاً لآليات حزبية معينة وتكون مدة إمارته غير محدودة، كما أن إمارته تكون عالمية، بمعنى أنه أمير على كل أفراد الحزب في جميع أنحاء العالم. ثم قيادة الولاية إذ يقود التنظيم في كل ولاية (دولة) لجنة خاصة تسمى “مجلس الولاية”، على رأسها أمير يطلق عليه “معتمد”، مع العلم أن المجلس القيادي أو مجلس الولاية يتشكل من (3 إلى 10) أعضاء، وأن جميع مجالس الولايات (الدول) تخضع لمجلس القيادة السري العالمي.
حزب التحرير السوداني
عرف السودان أفكار حزب التحرير الإسلامي في عام 1963م، من خلال الطلاب السودانيين الذين درسوا بالأزهر. لكن هذه المرحلة ظلت سرية ومحدودة، إلى أن جاءت ثورة اكتوبر 1964م، فخرج حزب التحرير إلى العلن وأطل برأسه قاصدا “دار الإمارة”، إلا أن فرحته “شالها الغراب” وطار وبالتالي لم تكتمل، إذ زج نظام نميري برموزه في السجون والمعتقلات ولم يخرجوا لممارسة العمل السياسي إلا في العام 1977 عندما بايع ومعه حزب الأمة والحركة الإسلامية النظام المايوي. فأخذ الحزب يلملم أطرافه، ولكنه بدأ ضعيفا وعاجزا وظل على هذه الحال إلى أن جاء انقلاب الإنقاذ عام 1989م. فطفا على السطح من جديد، وكان أكثر نشاطا وإيمانا بالإنقاذ، رغم محاولات “شبابه” المحدودة لمعارضتها.
يُعرف حزب التحرير – ولاية السودان نفسه بكلام “عجيب وغريب” وساذج وسطحي وليس له أية علاقة بأدبيات العمل الحزبي المتعارف عليها، إذ يقول عن نفسه بأنه: (حزب سياسي مبدؤه الإسلام، يعمل لإقامة دولة الخلافة) ثم يضيف كلاما مضحكا فيقول: (نحن لا ننتمي إلى السودان، ولكننا ننتمي إلى الإسلام وننتمي للعقيدة الإسلامية ولا ننتمي إلى تراث)، ويقولون أيضاً: (من الطبيعي أن يعمل الإنسان في المجال والمكان الذي يوجد به ويعيش فيه من خلال الدعوة للفكرة الأساسية للحزب، ولكن بصورة عامة للحزب رأي في كل مسألة أو قضية في السودان). أظنكم تحسون بمثل ما أحس به الآن فتتفقون معي أن هذا الكلام “العبيط” لا يحتاج إلى تعليق أو إضافة طالما هذه هي فكرة “الشاب التحريري” في أوربا وأسيا وأمريكا والسودان نفس “الهطل” الفكري.
هذا الحزب بالإضافة إلى حالة “العته” الفكري التي يعاني منها، فهو حزب دكتاتوري شمولي يتغلف بلباس الدين الفضفاض الواسع فيستر ما يظهر من عوراته. فالناطق الرسمي باسمه لا يُغيّر إلا بالوفاة أو الاستقالة أو الإعفاء حال عجزه عن القيام بالواجبات المطلوبة منه، كأنه المتكلم الوحيد في حارة يتصف جميع سكانها “بالبكم”.
لكن مع كل ذلك يُحمد لهذا الحزب تحفّظه على اتفاقية جبال النوبة 2002م، وقوفه ضد اتفاق نيفاشا 2005م، ورفضه للاستفتاء وفصل الجنوب، وانتقاداته لما يجري ويدور في دارفور. ولحزب التحرير شطحات منهجية فلسفية فهو لا يؤمن بالأمور الروحية والتربوية إذ يقول: “ولا توجد في الإنسان أشواق روحية ونزعات جسدية، بل الإنسان فيه حاجات وغرائز لا بد من إشباعها، فإذا أُشبعت هذه الحاجات العضوية والغرائز بنظام من عند الله كانت مسيَّرة بالروح، وإذا أُشبعت بدون نظام أو بنظام من عند غير الله كان إشباعاً مادياً يؤدي إلى شقاء الإنسان”. هذا الكلام الطويل في تقديري هو “نزعة تحريرية” من الحزب تجنح إلى التكفير المبطن لخلق الله.