الخرطوم- آثار كامل
مضت أكثر من (15) يوماً وما زالت الأحداث تتسارع في ظل الخلافات بين المكونين المدني والعسكري التي نتجت عن خطاب لقائد الجيش البرهان يوم (25) أكتوبر, أعلن فيه حالة الطوارئ, في ظل ذلك تحركت وساطات لنزع فتيل الأزمة, بجانب المبادرات الداخلية التي تضم عدداً من المدنيين.
وسرد البرهان في خطابه, العديد من النقاط, بجانب عقده مؤتمراً صحفياً, أشار فيه إلى تشكيل حكومة كفاءات بتمثيل من كل الولايات, في وقت تسود في المشهد السياسي حالة من الارتباك ومخاوف من تطور الصراع بين القوى السياسية, ولكن الواضح أن الخط المطروح الآن من قِبل الفريق أول عبد الفتاح البرهان تكوين حكومة من كفاءات وطنية غير حزبية مستقلة, لكن ما يُثير المخاوف فعلاً الإشارة إلى أن هذه الحكومة سيتم تشكيلها من ممثلي الولايات, بمعنى أن تتفق كل ولاية على شخص مُستقل ليمثلها في ظل خلافات مُستعرة في معظم الولايات وعدم الاتفاق, كما تكمن المخاطر في الرضاء وعدم الرضاء الذي يمكن أن ينتج جرَاء اختيار ممثلين لتلك الولايات التي تضم في مجتمعاتها إثنيات متعددة يصعب أن تتوافق على شخصية بعينها في ظل استشراء الصراع الإثني داخل بعض الولايات, لا سيما أن بعض تلك الإثنيات متداخلة مع بعض القبائل الحدودية, ما قد يؤدي إلى الاستقطاب الإثني وهو أخطر من الاستقطاب السياسي كما يقول خُبراء المُجتمع.
ما بعد الاستقلال
لم يؤذن مجئ الحكومات الوطنية عقب الاستقلال بانتهاء ظاهرة الصراعات القبلية وانتفائها, فكثير من الموروثات التي برزت فيها الأحزاب السياسية, فكان رافدها الاجتماعي ومكوناتها التنظيمية تأتي من جماهير نشأت على قاعدة القبلية أو المجموعة, ومنها قبائل عرفت بارتباطها بأحزاب محددة ودار جدل كثيف حول بروز القبلية في الساحة السياسية. فالقبلية السياسية باعتبارها بنية لتنظيم علاقات الأفراد التابعين للقبيلة في إطارها دون الخروج عنه إلى إطار الدولة, وإن حدث تفاعلٌ للقبلية مع مؤسسات الدولة فهو حدثٌ لا يخرج عن ظروفه الآنية والمكانية دون تغيير حدود البنية القبلية.
البروز تاريخياً
قال المحلل السياسي د. مصطفى عبد الله في حديثه لـ(الصيحة), إنّ النضال السياسي تاريخياً ارتبط بالطائفية, لكنه يعتبر أن تلك خطوة كانت في ظلام الماضي وقيد مفروض على السياسة يُكبِّل حركتها في اعتلاء سلم التطوُّر والحداثة، وأضاف بأنّ الناظر للساحة السياسية السودانية لا بد له من الإقرار بأن ثمة ظواهر عديدة لا محل لها من الإعراب تأخذ في النمو والتكاثر في سياق العديد من المُتغيِّرات التي لازمت تفاعلاتها, بيد أن التفاعلات لم تأخذ طريقها أو نصيبها من التمحيص والتحليل, ولكن ظهرت في الممارسات العملية لأحزاب في الساحة السياسية، وأشار إلى أنّ في حال اتجاه البرهان لتكوين حكومة كَفاءات مُستقلة باختيار وإجماع أصحاب المصلحة, فإنه يجب أن يبتعد بها عن المحاصصات القبلية حتى لا تؤثر في المشهد السياسي العام.
مُوازنة المعادلة
فيما ذهب أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري عمر عبد العزيز في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن تكوين حكومة كفاءات من الولايات بالإجماع والاختيار والتشاور سيكون لها انعكاسٌ نسبيٌّ على السودان, خاصةً إن تمت الموازنة بشخصيات مستقلة ليست لها أصداء ولم تكن منظمة أو ظهرت كقيادة في الساحة, ولفت إلى ضرورة أن تكون تلك الكفاءات شخصيات ليست منظمة أو لها خلفية سياسية، ونوه إلى حتمية توافر القدرات الإدارية والقدرة القيادية لتكون أساس الاختيار, وأشار عبد العزيز إلى أنّه لا بُدّ من موازنة المُعادلة وفق الكفاءات العلمية والقيادة والإدارة, واوضح قائلاً: إذا كانت هنالك مُشكلة واحدة ستواجه الفريق البرهان هي الاعتذارات المتوقعة من واقع أن الأكاديمين لا يتطلعون إلى المناصب ويزهدون دوماً في العمل, ونجد أن في العهد السابق كانت المناصب وجاهات ووسيلة للكسب, فالتحدي ليس في وجود الخبرات, بل في الاعتذارات التي يُمكن أن تقدم.
توسيع المشاركة
قال الحاج عبد الوهاب الخبير الاستراتيجي, إن المشهد في السودان يعتمد على حكمة وتجاوز الصراعات الدائرة خاصةً الولايات, التي يتّجه البرهان لتشكيل الحكومة منها عبر كفاءات، وأضاف في حديثه لـ(الصيحة) أنه يجب ترميم الحاضنة الوطنية بصورة فورية، ومن ثم تشكيل حكومة كفاءات، مشيراً إلى أنّ السودانيين عليهم أن يضعوا مصلحة بلادهم نصب أعينهم, بجانب توسيع قاعدة المشاركة.
ضرورة التكافؤ
وجزم المحلل السياسي صابر الحاج إلى أن نجاح تكوين حكومة كفاءات من كل ولايات السودان يعتمد على عوامل رئيسية, منها ضرورة التكاتف والتكافؤ بين المكونات الموجودة بالولايات ووحدتها وانطلاقها من فكرة واحدة وليست مجزأة كما يحدث الآن, وأضاف في حديث لـ(الصيحة): في الوقت الراهن الآن ربما تتفق المكونات الموجودة في الولايات في اختيار شخصيات وكفاءات مُستقلة, وبالتالي في ظل هذا الاحتقان والانقسام لا بُدّ من استخدام قوة الدفع الاجتماعي.