اختلال مُعادلة الحل.. تأرجُح وتباين القِوى السياسية
تقرير- الطيب محمد خير
حالةٌ من الارتباك تتصدّر المشهد السِّياسي في السودان على مدار أكثر من أسبوعين لصُعوبة تفسير ما جَرَى في صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر، ففي الوقت الذي يُحاول فيه العسكريون الدفاع عن موقفهم, مُشددين على تمسُّكهم بميثاق الفترة الانتقالية والتزامهم بتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه في الوثيقة، يعتبر أنصار رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك أن ما حدث لا يعدو أن يكون انقلاباً على المرحلة الانتقالية وميثاقها وتأكيد رغبة الجيش في الانفراد بالحكم، ويتّضح من سياق الأحداث التي سبقت الخطوة التي اتخذها قائد القوات المسلحة الفريق البرهان بحل الحكومة وتعليق العمل بعددٍ من مواد الوثيقة الدستورية, يتّضح أن الطرفين لم يتمكّنا من الوصول لحالة انسجام، كما فشلا في استيعاب متطلبات المرحة الانتقالية، إضافةً إلى رغبة كل طرف في السيطرة على مقاليد الحكم.
تباينٌ
في ظل هذه الأزمة الحالكة التي تُعانيها الدولة السودانية التي تدور في فلكها العديد من المبادرات بتنويعاتها المُختلفة ما بين المحلية والإقليمية والدولية، التي تتفق جميعها على ضرورة البحث عن حلول سياسية سلمية لتحقيق التوافق والمُصالحة بين الفرقاء من شركاء المرحلة الانتقالية, برزت متلازمة التباين في مواقف القوى السياسية السودانية التي يشكلها مساران رئيسيان, الأول يتبنى الدعوة للتصعيد ورفض أي تسوية قبل العودة إلى ما قبل قرارات (25 أكتوبر), والآخر يتبنّى الدعوة للتهدئة وتوجيه مسارات الأزمة لإحداث تقارب بين أطرافها في سبيل الوصول لتسوية.
ويبدو هذا التباين واضحاً من خلال التحركات والتصريحات المُتضاربة داخل قوى الحرية والتغيير وعلى جه التحديد القِوى السياسية المنضوية في مجموعة المجلس المركزي, التي ترى أنها لعبت دوراً أساسياً في الإطاحة بنظام عمر البشير.
وسيطٌ من الداخل
وتظهر حالة الارتباك والتبايُن في مواقف القوى السياسية من خلال التقاطُعات في التحرُّكات التي تجريها في الساحة السياسية والدعوات المتناقضة التي تطلقها, فيما طرحت مجموعة من القيادات السياسية بينهم ممثلون عن مجموعتي الحرية والتغيير المجلس المركزي والميثاق الوطني مبادرة لحل الأزمة. وحسب الناطق باسم المجلس المركزي للحرية والتغيير, الواثق البرير, هذه المجموعة طرحت نفسها كوسيط بين القائد العام للقوات المسلحة الفريق البرهان ورئيس الوزراء المقال د. حمدوك, وأكد الواثق أنّه تمّ قبولهم كوسطاء من قبل القائد العام الفريق البرهان ورئيس الوزراء حمدوك خلال لقائين منفصلين معهما في إطار المبادرة, وضمّت الاجتماعات القيادي بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي د. حيدر الصافي واللواء فضل الله برمة ناصر ويوسف محمد زين من مجموعة المجلس المركزي, وضم الاجتماع من مجموعة الميثاق الوطني, رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ورئيس حزب البعث السوداني يحيى الحسين وعدداً من الأفراد, وأضاف البرير أنّ المجموعة طَرحت على حمدوك مُقترحات لحل الأزمة, وأكد التزام حمدوك خلال اللقاء بما تتوافق عليه القوى السياسية، لكنه لم يكشف عن هذه المقترحات واكتفى بالاشارة إلى طرحها للفريق البرهان.
تشدُّد
في مُقابل هذه المرونة, برز تيار الصقور داخل مجموعة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير الذي سارع بالنفي على لسان القيادي د. جمال ادريس أي علاقة للمجموعة التي التقت رئيس الوزراء بالمجلس المركزي, وقال إنها تتبع لمجموعة الميثاق الوطني أو مجموعة اعتصام القصر, واتّهم القيادات التي التقت حمدوك بالتآمر على الثورة, وأنها تُحاول تفكيك موقف قوى الحرية والتغيير التي ترفض الحوار قبل العودة لما قبل (25 أكتوبر), مشدداً على تمسكهم بالتصعيد حتى تَتَحَقّق مطالبهم.
انتقال جديد
وفي موقف مُغاير لتيار التهدئة والتصعيد شكّله الحزب الشيوعي بدعوته لتمزيق الوثيقة الدستورية التي كان معمولاً بها طوال العامين الماضيين والاتجاه لكتابة وثيقة أو دستور انتقالي جديد يضع السلطة المدنية الديمقراطية تحت يد الجماهير ونابعة من إرادتها وخاضعة لرقابتها ومُحاسبتها، وتكون قادرة على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية وتحسين معاش الناس، ما وصفه المراقبون بأنّه بَحثٌ عن عملية انتقال جديدة لمرحلة جديدة باتفاقات جديدة ودستور جديد.
تأجيج الصراع
قال القيادي ورئيس الدائرة القانونية بقوى الحرية والتغيير نبيل اديب لـ(الصيحة), إن التقاطعات التي تتم في المواقف بين القوى السياسية تؤجج الصراع الذي لا يمكن أن يكون فيه غالب او مغلوب بأي حال من الأحوال سوى أن يكون عقبة في طريق الوصول لفترة انتقالية هادئة تُحقِّق مطالب الثورة.
وأشار نبيل إلى أن قوة تحالف قوى الثورة ممثلاً في إعلان قوى الحرية والتغيير تكمن في وحدتها في هذه المرحلة الانتقالية ذات المهام المحددة بالوثيقة الدستورية ولا مجال فيها للبرامج وتحقيق التطلعات الحزبية الضيِّقة ويجب الاهتمام بتحقيق المتطلبات الأربعة الخاصة بالفترة الانتقالية الممثلة في الإصلاح القانوني وإعادة السودان ودمجه في المجتمع الدولي وتحقيق استكمال السلام والإصلاح الاقتصادي ولا مبرّر لوجود تقاطُعات ونزاع حول هذه المطالب طالما متّفق عليها، وعلى القوى السياسية أن تهتم ببناء نفسها والاستعداد للانتخابات وما يهمّها وجود مساحة حريات لتوفير مناخ سياسي لتعمل فيه.
غِيرة سياسية
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية والمحلل د. عبده مختار, إن التناقُض في المواقف بين القوى السياسية الناتج عن الغِيرة السياسية والتطلُّعات لتصدُّر المشهد السياسي لتلبية الرغبات الحزبية الضيِّقة هي السبب المُباشر لتفاقُم تعقيدات الأزمة السياسية والوصول بها لطريقٍ مسدودٍ نتيجة الانقسامات داخل المكون المدني.
ورهن د. عبده مختار في حديث ادلى به لـ(الصيحة), نجاح المبادرة التي أطلقتها هذه المجموعة في الوصول لتسوية أن تكون هذه المجموعة أياً كانت شخصيات أو قوى سياسية أو حركات زاهدة وغير طامعة في السلطة ومُناصرة لفكرة تولي الجهاز التنفيذي وإدارة الشق المدني في الدولة من قِبل كفاءات مهنية وطنية مُستقلة وإفساح المجال للفريق البرهان وحمدوك للتوافق لإدارة الدولة دون التأثير عليهم, وأن تتّجه القوى السياسية للتفرُّغ لبناء كياناتها السياسية.