عبد الله مسار يكتب : حكومة كفاءات
كَثُر الحديث عن حكومة الفترة الانتقالية والتي قيل عليها أن تكون حكومة تنفيذية من كفاءات وطنية غير حزبية تشمل كل ولايات السودان, مع احتفاظها بالكفاءة والعلم والمعرفة والخبرة والشمول, وأن تكون من أشخاص وطنيين ليسوا من مزدوجي الجنسية أو الجواز وهم عدول ومعروفون ومشهود لهم بالقدرة التنفيذية والعلمية, ولهم بُعد اجتماعي وأثر أهلي, وهم أهل تقوى وورع يخافون الله والعيب, ولديهم من يشكونهم إليه غير منقطعين ولا مُنبتين.
ولكن لماذا حكومة كفاءات وطنية غير حزبية في الفترة الانتقالية, ولماذا لم تكن حكومة حزبية؟ مطلوب حكومة كفاءات وطنية غير حزبية, لأنّ الفترة الانتقالية هي التي تؤسس للحكم الديمقراطي المُنتخبة مؤسساته, وهو فترة مطلوب فيها حكومة تنفيذية مُحايدة تعمل لصالح الوطن وتمتين وتمكين الفترة الانتقالية للعبور وليست حكومة حزبية تعمل لتمكين عناصرها من مؤسسات الدولة وتستفيد من خيرات وريع الدولة لبناء أحزابها, بل حكومة تعمل لتوفر للسودانيين العيش الكريم والظروف المُناسبة التي تُمكِّنهم من قيام انتخابات حرة ونزيهة وفق مفوضية وقانون للانتخابات ولعملية انتخابية سليمة وصحيحة تقود إلى الحكم الديمقراطي للدولة, بل تعمل على تحقيق ذلك للوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية التي تتنافس فيها القوى الحزبية, غاية ذلك الوصول إلى الحكم المدني الراشد المُستمد من الشعب والذي يأتي بتفويض جماهيري وشعبي تختفي بعده دولة الفرد والعسكرة وتتحوّل القوات المسلحة لمهامها المُحدّدة وفق قوانينها وتخضع خضوعاً كاملاً للسلطة المدنية المنتخبة, لذلك الحديث عن حكومة كفاءات وطنية غير حزبية طلبٌ ملزمٌ, لأنّ حكومة بهذا الشكل تكون مُحايدة تعمل لصالح الوطن ولكل أهل السودان, لا تنحاز لأي جهة ولا تعمل لصالح أي فئة, أي لا تعمل لصناعة وتمكين وتقوية أحزابها, وتحول إمكانيات الدولة لصالح تلك الفئات كما تم في فترة حكومة المُحاصصات الحزبية التي حوّلت الدولة لصالح أحزاب “الأربعة طويلة”.
لذلك المُناداة بحكومة كفاءات وطنية ليست عبطاً ولا ضرباً من الخبل, ولكنها مطلوبة لتوفر عمومية المصلحة العامة, وأن تكون موارد البلد لصالح الوطن كله وليس لصالح الأحزاب الحاكمة, خَاصّةً وأنّ شرعية الحكومة الانتقالية, شرعية ثورية ومحكومة بمواقيت مُحدّدة ولفترة زمنية معلومة تنتهي بحكومة مُنتخبة ذات شرعية ديمقراطية انتخابية مؤداها الحكومة المُنتخبة التي تحمل التفويض الشرعي والقانوني, لذلك الإصرار على قيام حكومة كفاءات وطنية ضرورة حتى يتوفّر العدل في المُمارسة وذهاب كل الموارد لصالح عامة الناس وليس لأحزاب بعينها تتمكّن به وتُمكِّن عضويتها وتستغل مصالح الوطن عامة لصالح فئة قليلة تستأثر بتلك الموارد والوظيفة العامة لصالح الأحزاب وفيما نحن فيه من قبل, حيث أنّ أحزابا قلة في العدد والعتاد سيطرت على الدولة, فحوّلتها إلى حظيرة خاصّة بها, بل استغلت إمكانيات الدولة لصالح عضويتها وأرادوا بذلك تقوية أحزابهم وتكبير هذه الأحزاب الصغيرة بإمكانيات الدولة وفي الفترة الانتقالية, ولذلك فسدت الفترة الانتقالية وتحولت إلى فترة تمكين وفساد كبيرين, ولذلك جاءت المطالبة بحكومة محايدة وهي حكومة الكفاءات الوطنية البعيدة جدًا عن الأحزاب, ولذلك كثر ضجيج تلك الأحزاب لأنها سيطرت على الموارد وكرهت ورفضت الفطام من مال وإمكانيات الدولة, ولذلك دفاعاً عن هذه المصلحة أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتى وصفوا تصحيح مسار الثورة بأنها عسكرة الدولة, ولكن الحقيقة هو دفاع عن الباطل الذي ارتكبوه, وعن التمكين الذي حازوه, وعن إمكانيات الدولة التي حوّلوها لأحزابهم.
إذن المطالبة بحكومة كفاءات وطنية غير حزبية هي عدل يتوفر للكل في الفترة الانتقالية, وقفل بلف الدولة الذي يذهب لصالح الأحزاب الحاكمة, وهي عنوان وغرض الفترة الانتقالية ليتساوى الجميع في شأن إمكانيات الدولة.