فرح أمبده يكتب :خلوهونايم أحسن
” يعملوها الكبار ويتجرّعوا سمّها الصغار” دون مُواربة أو تردد، يمكن استنساخ هذه المقولة القديمة مع ما يجري للمواطن البسيط، عضو الأغلبية الساحقة الصامتة في السودان، سكان الريف والأطراف في المدن وحتى من هم في القلب، من لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري حولهم، لقد حوّلت الصراعات السياسية حياتهم إلى جحيم، ولياليهم إلى هموم، والأسوأ قد تعصف بحلمهم في إقامة دولة مختلفة عن سابقاتها، دولة “حرية.. سلام وعدالة” وأن لا تتبع ثورته التي سقاها بدماء غالية، سابقاتها في أكتوبر 64 وأبريل 85. محمد أحمد المغلوب على أمره، لا أحدٌ يسأله رأياً أو يلقي له بالاً، عندما يحتاجونه، يعلون من شأنه ويتودّدون إليه، وعندما تنتهي حاجتهم، يلقونه على قارعة الطريق كما الحذاء القديم لينفضوا عنه الغبار عندما تتجدّد حوجتهم مرة اخرى. قبل أسابيع، حُمل البسطاء حملاً إلى باحة القصر، وحشدوهم من الأطراف ومن الولايات، ومنوهم الأماني، وعندما تم لهم الأمر ما أرادوا تركوهم لا يدرون ما يفعلون.
الثورة التي اندلعت في السودان، ثورة شعب، يكذب من يقول إن من أشعلوها مؤيدون له، ويكذب من يقول بأن الشباب الذين رأيتهم أول امس على اطراف شارع الشنقيطي بأم درمان ينقادون لرأيه، خرج الشعب ليقول كلمة واحدة، قبل أن يعود أدراجه وإلى همومه، لن نقبل بأن يحكمنا “فرد” دون إرادتنا لا حزب ولا عسكر، لا فرد لا جماعة، نريد أن نختار مَن يحكمنا ونعطيه الفرصة، وبعد اربع سنوات سنرى ما سنفعل به، من يرى في نفسه الكفاءة فليستعد ويطرح ما عنده.. هكذا بكل بساطة.. قال كلمته وانزوى ليرى ماذا سيفعلون، وفي كل مرة، وعندما يحس بأن خطرا يتهدد ثورته يخرج ويثور.. علّ القوم يدركون؟.
طيب، ما دام الأمر كذلك، ما الداعي لكل هذه الجلبة، من الذي أعطاك الحق لتُقرِّر وحدك.. وتتكلّم وحدك، وتصدر من القرارات ما تشاء، تقيل هذا وتُعيِّن ذاك، من أين لك هذه المشروعية؟ وفي الجانب الآخر من قال لكم بأن الشعب فوّضكم لتتخذوا ما تشاءون من مواقف، ولتتحدّثوا بما تشاءون نيابةً عنه، وتتفاوضوا مع مَن تشاءون باسمه، اسألوا أنفسكم مَن أعطاكم هذا الأمر.
الإجراءات الأخيرة أدخلت المواطن البسيط في دوامة من الهَم لا آخر لها، وتركته ضحية للتجار وصائدي الأزمات، كما أدخلت البلاد ذاتها في سرداب لا نهاية له، وإذا ما استمر الوضع الضبابي الذي يجري فإن غضبة هؤلاء البسطاء لا تستثني أحداً، احذروا غضبة الصابر يا أيها السياسيون، لا تدعو المارد يخرج من قُمقُمِه مرة أخرى، اذا ما فعل فلن ينجو منكم أحد، أدركوا الأمر يا هداكم الله قبل أن!!!!