تقرير: فرح امبدة
دعا الجيش الإثيوبي، جنوده المتقاعدين وقدامى المحاربين، للعودة لصفوفه والمشاركة في العمليات القتالية لصدّ تقدم قوات جبهة تيغراي وحلفاءها في “الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفيدرالية الإثيوبية”، وقبل يومين، طلب رئيس الوزراء، آبي أحمد، من سكان العاصمة أديس أبابا الاستعداد بالأسلحة للدفاع عن أنفسهم وعن الأحياء التي يقطنونها، في الوقت، دعت أمريكا ودول أوروبية وعربية، رعاياها لمغادرة البلاد علي جناح السرعة..
هذه مؤشرات يمكن أن نقيس عليها درجة الأوضاع داخل الجارة الشرقية، إثيوبيا، خاصة وأن الصراع المتطور، دخل على ما يبدو إلى “اللحم الحي” بعد أن حدّدت القوميات المتحالفة هدفها بالاستيلاء على السلطة، والحال هكذا كيف للسودان “المنقسم على نفسه” أن يتعامل مع هكذا تداعيات؟ وهل تركت الصراعات السياسية المحتدمة، عقلاً للتفكير والتعاطي مع ما يجري حوله؟.
الخاسر الأكبر
يعد السودان، الخاسر الأكبر، على مرّ التاريخ، من أي نزاع ينشب داخل الأراضي الإثيوبية، بالنظر إلى أنه الموئل الوحيد، تقريباً، لملايين اللاجئين الفارين من أي عمليات العسكرية، وما يمكن أن يخلّفه ذلك من تداعيات أمنية وإنسانية على أوضاعه الداخلية وهي الأخرى، تشهد صراعاً من نوعٍ آخر، لدرجة أن عدداً من المختصين “تحدثت إليهم الصيحة” رأوا ألّا مناص أمام السودان لتجنب نتائج ما يجري داخل العمق الإثيوبي في أي اتجاه رست سفينته.
وقد تدفّق منذ أن بدأ الصراع الحالي، مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من جحيم المعارك في إثيوبيا إلى ولايتى كسلا والقضارف، بينما يتوقع أن يعبر ما يفوق ذلك إذا ما تحول النزاع إلى حربٍ شاملة، تطال كل الأقاليم، ومعلوم أن أي توترات داخل إثيوبيا تلقي بظلالها السالبة على السودان.
قلق مبرر
لكن ما يثير قلق، الخبراء والمحللين، أن الأوضاع السياسية المتردية، وحالة الانقسام السياسي الحاد في السودان، التي أعقبت القرارات التي اتخذها الجيش، في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وما سبقها من خلافٍ سياسي، جعلت من السودان دولة بعيدة عما يجري على حدوده الشرقية على الرغم من أنه الخاسر الأكبر، إذ أن القوميات التي تتقاتل على السلطة في إثيوبيا تدفع بالملايين من مواطنيها إلى الأراضي السودانية، مع ما يمثل ذلك من حملٍ ثقيل على الأوضاع الأمنية والإنسانية.
ومنذ أن نشب الصراع الحالي، العام الماضي، قرر السودان، أن يكون في خانة المحايد، ولم يوالِ أي طرف، كما لم يرضخ لما يقوله البعض بأن الفرصة قد لاحت له كي يكسب أشواطاً في نزاعه الحدودي مع إثيوبيا، وفي ملف سد النهضة، ومع ذلك لم ينج من أن يكون الأكثر تأثراً من بين دول المنطقة.
تتزامن التطورات الأخيرة في إثيوبيا، مع نزاع من نوع آخر في السودان، بعد أن وصل الخلاف بين شركاء الحكم الانتقالي في البلاد إلى مرحلة حلّ مؤسسات الحكم الانتقالي من قبل الجيش، واعتقال رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، والمضي قدماً في تشكيل حكومة بديلة من طرف واحد لإكمال الفترة الانتقالية، في ظل هذه الأوضاع لا يكاد السودان يلقي بالاً لما يجري داخل جارته الشرقية، حتى أن أحداً لم يتحدث عن ذلك، أحد المحللين قال لـ(الصيحة) بأن ما يجري في إثيوبيا من طرف، قد يكون في صالح الجيش وهو يؤسس لمرحلته الجديدة.
استثمار في الأزمة
توقع الصحافي والمحلل السياسي، علاء الدين بشير، في حديث مع (الصيحة)، أن ما يجري في إثيوبيا على المدى المنظور، له تأثير على الخلاف والصراع السياسي الحالي في السودان، فمنذ أن أعلن قائد الجيش قراراته الأخيرة، وكل أنظار العالم متوجهة إلى السودان، وقد تابعنا الضغوط الدولية التي مورست، حتى أصبح موضوع السودان هو الموضوع الأساسي في كل وسائل الإعلام الدولية، وباتت الخرطوم- حسب قوله، قبلة رئيسية للمبعوثين الدوليين، والوسطاء، لكن الصراع الدائر في إثيوبيا سيؤدي لا محالة إلى سحب الأضواء عمّا يجري في السودان وستتحول أنظار العالم وكاميرات الإعلام إلى جهة أديس أبابا وقد بدأ ذلك يحدث بالفعل، لجهة أهمية إثيوبيا كدولة محورية للعالم وللمنطقة، من الناحية الجيوسياسية، ولكونها مقراً لأهم مؤسسات الأمم المتحدة في أفريقيا، كما هي مقر للاتحاد الأفريقي، وللعالم مصالح كبيرة في إثيوبيا.
لكن بشير، يشير إلى ثمن باهظ سيدفعه السودان جراء الصراع الإثيوبي الإثيوبي، ويقول: لا شك أن ما يجري هناك سيفاقم من أزمات السودان المأزوم أصلاً عندما تتضاعف أعداد اللاجئين الفارين من نيران الحرب، والسودان أصلاً يعج باللاجئين منذ عشرات السنين، وقد يضاعف ذلك من الأوضاع الإنسانية الكبيرة والمؤلمة التي خلفتها العمليات العسكرية الجارية، وأفواج اللاجئين الذين يمكن أن يعبروا الحدود إلى جهة البلاد، خاصة وأن ذلك تزامن مع أوضاع غير طبيعية في السودان.
تأثير إيجابي
كما يشير بشير من طرف، إلى ما أسماه “التأثير الإيجابي” لما يجري في إثيوبيا، إذ يقول: العالم قد يرى أن من المهم جداً إيجاد حل عاجل وسريع لما يجري في السودان، قبل أن تتفاقم الأوضاع في إثيوبيا بشكل قد يؤدي إلى إحداث خلل أمني كبير قد يعم الأقليم وقبل أن يصل الصراع إلى مرحلة انهيار الدولة بكل أهميتها للعالم التي ذكرتها، والعالم في ظني قد لا يسمح بوجود انهيار دولتين في هذه المنطقة الحساسة والمهمة، خاصة وأن هناك دولة مشلولة في الجهة الجنوبية “الصومال”، ويضيف “ربما لجأ العالم للضغط على الأطراف السودانية خاصة طرف الجيش لإيجاد حل للمشكلة في حال أن التطورات في إثيوبيا أخذت منحى الحرب الشاملة”.
لكن بشير، لا يرى أن يستفيد الجيش السوداني وهو يقاتل عصابات الشفتة في منطقة الفشقة، التي يقول إنها مدعومة من قبل الجيش الإثيوبي، ويقول: كلا البلدين مشغولتان بما يجري داخلهما، وليس هناك من يستطيع أن يتجاوز أوضاعه الداخلية ليحدث اختراقاً في الحدود، وحتى المليشيات التي كانت تتحرك ستكون في موضع لا تحسد عليه لأنها في حالة تكاثف عمليات اللجوء فلن يكون أمامها خيار غير اللجوء إلى داخل الأراضي السودانية.
الخاسر الأكبر
أما الصحافي المختص في شؤون القرن الأفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، فيقول لـ(الصيحة)، إن السودان هو الأكثر تأثراً بالحرب في إثيوبيا، وأنه الدولة الأساسية التي يقع عليها الضرر الأكبر من أي نزاع يحدث داخل إثيوبيا وليس فقط التطورات الجارية حاليا، ويضيف: السبب أن 40% من سكان تلك البلد البالغ عددهم 115 مليون، يقطنون على الشريط الحدودي مع السودان، وأن إقليمين من الأقاليم المحاددة للسودان تجري داخلهما عمليات عسكرية هما إقليم التقراي والأمهرة، لذلك– الحديث له- من المتوقع أن تكون هناك موجة لجوء كبيرة جداً باتجاه الأراضي السودانية هرباً من الوضع الأمني والوضع الإنساني خاصة وأن الأمم المتحدة تتحدث عن وجود 20 مليون مواطن إثيوبي يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة، وهناك تطور آخر أن التقراي يسيطرون على الطريق الرابط بين إقليم الأمهرة وأديس أبابا وهذا يعني أن سكان تلك المناطق ليس أمامهم خيار غير اللجوء إلى السودان.
سيولة أمنية
وقد يضاعف عبور المزيد من اللاجئين الإثيوبيين إلى الأراضي السودانية– حسب رأي أبو إدريس- مزيداً من التعقيدات الأمنية “من التأثيرات المقلقة، وبالنظر إلى حالة السيولة الأمنية في الحدود، يمكن أن تحدث بعض الإشكالات الأمنية حال عبور مزيد من اللاجئين إلى داخل البلاد، مثل عمليات الإتجار بالبشر، وعمليات مرتبطة بتجارة السلاح”.
لكنه بالمقابل، توقع أن تقل الاعتداءات التي كانت تشنها عصابات الشفتة وكانت السبب في نشر الجيش على المناطق الحدودية، حين يقول: حتى قومية الأمهرة الذين كانوا يقاتلون في منطقة الفشقة، أتوقع أن يتوقفوا عن العمليات التي كانوا يقومون بها لأن السودان بالنسبة لهم في ظل الظروف الجارية بمثابة الملاذ لإنقاذ حياتهم، خاصةً وأنهم لم يتمكنوا من زراعة أراضيهم طيلة موسم الخريف المنصرم، لا داخل سهولهم في الأراضي الإثيوبية، ولا في أكثر من 400 فدان كانوا يزرعونها فيما مضى في مناطق الفشقة التي تمت السيطرة عليها من قبل الجيش السوداني، وبهذا فإن وضعهم الإنساني وفق ما يقول سيكون متفاقماً مع ما يجري في العمق الإثيوبي.
وفيما يتعلق بتداعيات ما يجري على السودان يقول أبو إدريس: السودان ليست له مصلحة في عدم الاستقرار في إثيوبيا، بل على العكس تماماً، لأن أراضيه هي المستقبلة لملايين من اللاجئين الذين ليس امامهم خيار غير الاراضي السودانية وهي اصلاً مكتظة باللاجئين الاثيوبيين، مع يشكله ذلك من انعكاسات امنية، من عمليات تهريب البشر والجرائم العابرة للحدود وتجارة السلاح وغير ذلك، ومع أوضاع السودان الحالية سيؤدي الى مفاقمة الاوضاع الانسانية، ويمكن ان يهدد كيان الدولة ذاتها.
التغيير المضر
إلى ذلك، يري د. محمد عبد الله الشريف، الباحث والاكاديمي، في حديثه مع (الصيحة)، ان السودان، من اكثر المتأثرين بما يجري في اثيوبيا، خاصة اذا وصل الامر إلى مرحلة انهيار الدولة أو حتى حدوث تغيير في التركيبة الحاكمة في اديس أبابا حاليا، لانها حسب قوله، تمثل كافة قوميات اثيوبيا “اما اذا حدث تغيير سيكون من قومية التقراي والارومو، وقد تطول الحرب بناءً على ذلك” ويضيف “ليس من مصلحة السودان ان يحدث تغير في التركيبة الحالية وهي التركيبة التي أعقبت اسقاط حكومة منغستو هايلي مريام بداية عقد التسعينات، ويخطئ من يظن استراتيجياً أن يكون تغيير الحكومة الحالية فيه مصلحة للسودان” ويزيد “حتى فيما يخص موضوع سد النهضة، ربما يكون تغيير النظام الحالي من مصلحة مصر اذ قد يصب أي انفراط امني في اثيوبيا في مصلحة المصريين اما بالنسبة للسودان سيلقي بضرر كبير عليه انسانيا وامنيا”.
ويقول الشريف: من مصلحة السودان ان يبقي على حكومة أبي احمد بتركيبتها التي تمثل كل قوميات اثيوبيا، باي شكل من الأشكال، لان ابعاده من السلطة لن يؤدي الى استقرار في اثيوبيا، وعدم الاستقرار يعني انفلات على الحدود الشرقية ويعني مزيداً من دخول اللاجئين الى داخل الأراضي السودانية، مع ما قد يحدثه ذلك من خلل امني في البلاد التي تعاني اصلا من أوضاع سياسية مرتبكة.
ويضيف: من باب أولى، ان نفهم نحن في السودان، ان بقاء التركيبة الحاكمة في مصلحة بلادنا، لذلك علينا ان نركز على الاهداف الاستراتيجية، ومواضيع مثل الفشقة وسد النهضة، مواضيع ثانوية وليست استراتيجية.