تقرير: صلاح مختار
هُناك رِهَانٌ على العصيان المدني الذي دعا له تجمع المهنيين السودانيين في كسر إجراءات القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان التي اتخذها في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي, ورغم أنّ الحديث عن نجاح أو فشل تلك الإجراءات سابق لأوانه, إلا أن هناك تباينا في تطبيق الخطوة على أرض الواقع بسبب معطيات متعلقة بالحياة السودانية والإجراءات التي اُتّخذت فعلاً للحد منها, ولعل تلك الإجراءات واجهت حملة رفض عاتية بدأت من تجمع المهنيين وبعض مؤسسات الدولة, التي اتخذت العصيان مدخلاً للمقاومة.. ويفصل البعض من خلال تعريف العصيان المدني بأنه هو الرفض المُتعمّد والعلني والسلمي لطاعة الأوامر أو القوانين الظالمة التي تسنها أو تُطبِّقها سلطة تنتهك الحقوق العامة للشعب، أو تقصر في تحقيق مصالحه، أو تنتهك الأهداف الأساسية والقيم الحاكمة لنظامه الدستوري. كما يرى البعض أنّ العصيان المدني، أو كما يُطلق عليه المقاومة السلبية وفق تعريف الموسوعة البريطانية، هو رفض الامتثال لمطالب أو أوامر الحكومة أو سُلطة قائمة بالاحتلال، دون اللجوء إلى العنف، ويكون الغرض عادةً هو فرض تنازلات على الحكومة أو القُوة المُحتلة.
إذن، هل سينجح سلاح المقاومة السلبية في تعطيل الإجراءات التي اتّخذها رئيس المجلس السيادي في الخامس والعشرين من أكتوبر أم ستمضي الأمور كما يُراد لها أن تذهب…؟
أشكال العصيان
يقول أحد منظري العصيان, إن استراتيجية مقاومة التغيير تقوم على مبدأي (اللا تعاون) و(المواجهة) السلمية، وهذا تحدِّده كل مجموعة بحسب مجالها ومهنتها، فعلى سبيل المثال: عمال المواصلات، كسائقي الحافلات وموظفي السكة حديد والمطارات، يحددون الطريقة الأمثل إما بشل حركة المواصلات تماماً من أجل عزلها أو تقليص معدل تشغيلها. في مجال الاتصالات، يجب الإبقاء على خدمات الهواتف والإنترنت التي يستفاد منها في تنسيق وتنفيذ تكتيكات المقاومة السلمية، ويجب التحضير لوسائل اتصال احتياطية, في حين قررت الحكومات تعطيل شبكات ووسائل الاتصال عبر البلاد. إذا لم يستطع موظفو الخدمة المدنية الإضراب بشكل مطلق، فيمكنهم مواصلة عملهم في المكاتب الحكومية حتى لو كان مديروهم انضموا إلى الجهة الأخرى، لكنهم يستطيعون الاستمرار في مواجهتهم من خلال المماطلة البيروقراطية والإخلال بالإجراءات الحكومية المهمة.
بيان التجمع
وكان تجمع المهنيين السودانيين دعا إلى العصيان المدني رفضاً لما سمّاه “الانقلاب العسكري”، وللمطالبة بعودة الحكومة المدنية والإفراج عن المعتقلين السياسيين حسب البيان. وحثّ التجمع في بيان المواطنين على الاستجابة للعصيان المدني، ووضع المتاريس في الشوارع الرئيسية لوقف حركة المرور وإنجاح العصيان. وأضاف البيان أن العصيان المدني شكل من أشكال المقاومة السلمية ضد ما وصفه بالأنظمة الديكتاتورية, ومن المتوقع أن تلقى الدعوة استجابةً من كيانات عدة، أبرزها القطاع المصرفي والطبي والتعليمي, وتعهد تجمع المهنيين السودانيين بمواصلة الاحتجاج حتى تشكيل حكومة مدنية كاملة، لقيادة العملية الانتقالية التي بدأت في أعقاب سقوط نظام البشير.
قوة دفع
وجزم المحلل السياسي أبو بكر آدم بأن نجاح العصيان المدني يعتمد على عوامل رئيسية, منها ضرورة تكافؤ بين القوى الثورية ووحدة مؤسساتها وانطلاقها من فكرة واحدة وليست مجزأة كما يحدث الآن، بجانب ذلك لا بد من وجود روح للمقاومة، وقوة دفع داخل المجتمع، ويرى في حديث لـ(الصيحة) أن الذي يحدث قد لا يؤثر بشكل فعّال في الوقت الراهن, إلا إذا بدأت ملامحه تتّضح داخل مؤسسات الدولة, وبالتالي الشارع الآن مُنقسمٌ وقوة الدفع الاجتماعي غير واضحة في ظل الاستقطاب الكبير وعدم الثقة التي يفتقدها البعض في القِوى السياسية التي يراها أنها سرقت الثورة ولا يرغب البعض في عودتها خلال فترة الانتقال, ولذلك يُفضّل عليها حكومة التكنوقراط أو المُستقلين, وقال إنّ تجمُّع المهنيين قد يُشكِّل بديلاً آنياً للقوى السياسية في العمل التعبوي. ولكن قد يصطدم بأجندات القوى السياسية التي تضع مصلحتها في المَقام الأول, ورأى أنه إذا أراد الناس الاستمرار في نهج دفاعي على مدى طويل، فإنّ عليهم مراعاة أمرين مُهمّين, الأول يجب منع الطرف الآخر من الحصول على أيٍّ أهدافه من وراء العمل الذي يُمارسونه، سواء كان مكاسب اقتصادية أم أيديولوجية أم سياسية. وقال: من خلال ذلك سيقوم مؤيدو العصيان من مختلف المهن والوظائف بأمور محددة فقط، كأن يستخدم العمال الإضرابات والتأخيرات والمُعوقات. وهو ما يُحدِّد أهدافهم وطريقة تسيير الأمور للوصول إلى غاياتهم.
عوامل العصيان
ويقول أحد المختصين بشأن تشكيل الرأي العام فضّل حجب اسمه, بكل المقاييس العصيان المدني الذي حدث في الأيام الأولى نجح بنسبة كبيرة جداً بسبب أن نسبة الغضب كبيرة, وأن الخطوة كانت صادمة لكثير من المؤيدين من قوى الحرية والتغيير وتجمُّع المهنيين, وقال لـ(الصيحة): تطاول أمد الأزمة وزيادة الضغوط المعيشية على المواطن السوداني المكتوي أصلاً بنيرانها, ربما تجعل نسبة الاستجابة للخطوة الثانية للعصيان المدني أقل بكثير من الأولى, خاصة أن معظم قطاعات الشعب السوداني تعتمد على العمالة اليومية والخاصة, وأيِّ تعطيل للعمل فيها سيكون نتائجه خسائر كبيرة على أصحاب العمل, رغم ذلك فإن أي استجابة أقل ستكون بالتأكيد مؤثرة وستنعكس على الإجراءات التصحيحية ما لم تُعالجها بقرارات لإعادة الوضع لما كان عليه. وأضاف رغم استفحال الأزمة في الوقت السابق, إلا أنه كانت توجد طرق للمعالجة, منها الحوار الذي شكّل في ذلك الوقت آلية لحل الأزمة, لكنه لم يُعط الفرصة الكافية كي يعطي نتائج, رغم أن الجانب العسكري اختار اثنين من أعضائه في الآلية, وتابع: بالتأكيد تكرار العصيان وإن كان في فترات مُتباعدة من شأنه التسبُّب في شل الحكومة التي في الأصل تعاني من الأزمات بسبب انقطاع النت وأزمة الاقتصاد.