حوار: آمال الفحل
تصوير: محمد نور محكر
وَصَفَ نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل، العلاقة بين المجلس العسكري وقُوى إعلان الحرية والتغيير (بالهشة)، مُبيِّناً أنّ تجمُّع المهنيين الذي يمثل أحد مُكوِّنات قُوى الحُرية والتّغيير مُسيطرٌ على قوى الاعتصام، مُشيراً إلى أن مسألة حل الخلاف بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير تحتاج لجهدٍ وطني، مُبيِّناً أنّ هنالك مجهودات تُبذل من قِبل رجال الإدارة الأهلية ومُكوِّنات وطنية لتقريب وجهات النظر، وأكّد صديق في حواره مع (الصيحة) أنّ الخُطُوط تباعدت بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحُرية والتّغيير، وعزا ذلك لعدم وجود وثيقة تحكم العلاقة بينهما، وغياب مرجعية يتم التحاكم إليها حتى لا يحدث اختلافٌ، وقال: يجب ألا يكون العُمر معياراً للمشاركة في الحكومة القادمة، مشيراً إلى أن معيار المشاركة هو القدرة على العطاء وتنفيذ البرامج التي تم رسمها لإعادة بناء الدولة السودانية.. (الصيحة) أجرت حواراً مع الفريق صديق إسماعيل فإلى مضابط الحوار :
*بدايةً كيف تقرأ المشهد السياسي الآن؟
– بعد الانتصار الكبير الذي حقّقه الشعب السوداني في هذه الثورة، من المُتوقّع أن تستمر قُوى الحُرية والتّغيير بالتّنسيق مع المجلس العسكري لتطوير الشراكة بينهم، التي كَانَ من المُتوقّع أن تفضي إلى استقرار حكم وانتقال سلسٍ جداً للسُّلطة التّنفيذيّة للجهاز المَدني، ثُمّ يَعقبها الجهاز التّشريعي، ثُمّ بعد ذلك تَجتمع حلقات المَشهد المدني للحكم في السُّودان بتكوين مجلس السيادة الذي يَتوافق عليه النّاس, ومن أول لقاءين المجلس العسكري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوى إعلان الحرية والتغيير خرجا ببيانٍ مُشتركٍ، وأنّهما اتّفقا بأنهما شريكان، لكن الأيام أثبتت غير ذلك، وأنّ الشراكة هشة، وأحد الأطراف يبدو أنه غير مقتنع، بها وأنّ تجمُّع المهنيين الذي يمثل أحد مُكوِّنات قوى إعلان الحرية والتغيير مُسيطرٌ على قوى الاعتصام، لذلك أصبحت المسألة مُعقّدة وتحتاج إلى جهدٍ وطني وإخلاصٍ، وهنالك مجهودات تُبذل من رجال الإدارة الأهلية أو مُكوِّنات وطنية أخرى لتقريب وجهات النظر، نتمنى لها التوفيق والسداد.
*ذكرت بأنّ الخُطوط أصبحت تتباعد.. مَا الذي جعلها تتباعد في تقديرك؟
– الخطوط تباعدت، لأنّه من الواضح جداً أن الطرفين دخلا في هذه الشراكة وليست بينهما وثيقة تحكم العلاقة، بمعنى أنه لا يُوجد دستورٌ ولم يكن التّغيير الذي حَدَثَ دستورياً، وليس هنالك إعلان دستوري مُتوافق عليه يُنظِّم العلاقة بين هذه المُكوِّنات، ولم تكن هنالك أي صورة من صور الوثائق التّنظيمية التي تُنظِّم العلاقة بين الناس وأصبح كل شخصٍ يُشخِّص القضية ويُصوِّرها على حسب مزاجه، فالطرفان ليست لهما مرجعية يتم التحاكُم إليها حتى لا يحدث ذلك الاختلاف.
*يرى البعض أنّه لا يُشارك في الحكومة القادمة إلا من هو دُون الأربعين؟
– الذين يُشكِّلون الحكومة هُم الذين يَضعون المَعَايير، فإذا كانت المعايير التي تُوضع لولاية الأمر العام محكومة بقوى الإجماع الوطني أو قوى إعلان الحُرية والتّغيير ليس هنالك حجب لأحدٍ، وإنما المعيار كان هو الكفاءة والقدرة على المساهمة في إحداث التّطوُّر وإعادة بناء المُؤسّسات وقوميتها، وهذا لا يرتبط بالعمر، وإنما بالقدرة والدراية والقدرة على العَطاء, أما إذا كان الأمر هو أمر الشرعية التي تعتقد أنّها هي التي أحدثت كل التغيير، وهي التي تستطيع أن تصنع أيِّ شيءٍ فهذا في تقديري حديثٌ قاصرٌ, إذا أخذنا مثلاً الذين يتحدثون في الساحة الآن، نجد أن الذين بلغوا منهم أربعين عاماً نجد أنّ تجاربهم في الحياة ضعيفة، والثلاثين خصماً عليهم، بمعنى أنه عندما جاءت الإنقاذ كانت أعمارهم عشرة أعوام وخلال هذه لم يبلغوا الحُلم وقتها، وبالتالي لم يكن باستطاعتهم أن يبلوروا قناعات ويُؤسِّسوا قدرات تُمكِّنهم من إدارة البلد إدارة سليمة، خَاصّةً أن نظام الإنقاذ لم يترك فرصة للقوى السياسية والأفكار لكي يتم التلاقُح بينها لبناء قُدراتهم، هنالك من استطاع أن يبني قُدراته بجهده الذاتي، ومسألة العمر في تقديري لا تحدث أثراً إيجابياً.
*لكن هنالك دعوات شبابية بإبعاد من هم فوق الخمسينات من الممارسة السياسية بما فيهم السيد الصادق المهدي؟
– الثورة التي نَستظل بظل نجاحها هي التي تُنادي بشعار “حرية.. سلام وعدالة”، فكيف يأتي أحدٌ يريد أن يحجر حُرية المُشاركة ويحجب العدالة في حرية توزيع الفُرص، هذا الأمر ليس في يد شخصٍ، وإنّما بإرادة الشعب السوداني، فإذا أراد الشعب السوداني أن يولي أمره لشخصٍ بلغ من العُمر مائة عامٍ فلا حرج في ذلك، ومن يتدخل في هذا الأمر، معنى ذلك أن هنالك ديكتاتورية, والآن مهاتير محمد بلغ من العُمر (92) عاماً وهو الآن يتولى إدارة أكبر دولة موجودة في آسيا وتوجد فيها كفاءات وقُدرات مُتطوِّرة تفوق مهارات الشعب السوداني، ولم تكتفِ بذلك، بل تواصلت مع هذه القامة الكبيرة, لذلك يجب أن لا يكون العُمر سبباً، وإنما المعيار هو القدرة على العطاء وعلى إنفاذ ما هو مُتّفق عليه، والقدرة على تنفيذ البرامج التي يتم رسمها لإعادة بناء الدولة السودانية وإعادتها إلى مصاف الدُّول النّامية والمُتقدِّمَة والمُتطوِّرة.
*تقصد من ذلك مُشاركة جميع القوى السِّياسيَّة الموجودة الآن في الحكومة؟
– نعم، لكن هنالك حالات، ولكل قاعدة استثناء، وهذه قاعدة عامة وما اتّخذه المَجلس العسكري وقراره بحجب المُشاركة عَلَى الحِزب الحَاكم السَّابق باعتباره هو الذي خَلَقَ هذا الوَاقِع الذي ثَارَت عليه الجماهير، وظَلّ مُسيطراً على الدولة خلال الثلاثين عاماً هذا تحجب عنه المُشاركة في الفترة الانتقالية، لكن لا يعني ذلك منعه من مُمارسة النشاط السِّياسي، والعزل السِّياسي عُقُوبة يجب أن توقع من الشعب السودانى وليس من أي مُكوِّن سياسي آخر، فالرؤية السِّياسيَّة أن الفترة الانتقالية تُحكم بالقوى التي أحدثت التغيير، ويحجب هذا الحق من الذين صنعوا الواقع وثاروا عليه الشعب السوداني، ولكن ليس حجباً مُطلقاً، بل مُنظّم بفترة زمنية محددة.
*تتحدث عن مُشاركة الحزب الحاكم السابق وماذا عن أحزاب الحوار الوطني؟
– الأحزاب التي شَاركت في الحوار انقسمت الى ثلاث مجموعات، مجموعة خرجت عن الحوار وكفرت به وأعلنت موقفها وهذه المجموعة انضمت إلى قُوى التّغيير وأبدت تَعاطُفاً مع شعارات الثورة الداعية إلى تغيير النظام وإحداث التحوُّل الديمقراطي، وقوى لم تأخذ مَوقفاً وَاضِحَاً وظلّت تشكو من ظُلم المؤتمر الوطني، لكنها لم تتجرأ أن تأخذ موقفاً إيجابياً, هنالك قوى من الحوار الوطني، ظَلّت حتى آخر لحظة تُنَاصِر الحِزب الحاكم والمؤتمر الوطني في العمل على مُصادمة الشعب السوداني، وفي نفس اليوم الذي انتهى فيه مصير الإنقاذ كانوا يدعون إلى مسيرة تصادُم مشاعر الشعب السوداني، وهؤلاء جنوا على أنفسهم ويشملهم ما حدث للمؤتمر الوطني، أما الذين ذهبوا لمُقاومة النظام السابق يجب أن تُتاح لهم الفرص للمشاركة في المستوى الذي يُمكن أن يُساهموا فيه، أما الذين وقفوا موقف المُتفرِّجين، فعليهم أن يظلوا متفرجين، حتى يُقرِّروا مصيرهم, فالذين خرجوا على المؤتمر الوطني بحجةٍ، ورفضوا الاستمرار في الظلم، ورفضوا الفساد، وعبّروا عن مواقف واضحة جداً في الطريقة التي يُدار بها الوطن، ولم يكونوا جُزءاً في مُقاومة الثورة، فهؤلاء لا أرى أن هنالك سبباً في أن يُمنعوا من المُشاركة.
* وكيف تنظر إلى الخلافات الآن بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحُرية والتّغيير؟
– ما حدث هو نتيجة لعدم وجود مرجعية يتم التحاكُم إليها إذا تنازع الناس.
*طيب أين يكمن الحل الآن؟
– إذا التزم المجلس العسكري بتسليم السُّلطة للقوى المدنية، ينبغي لشريكه الآخر وهو قوى إعلان الحرية والتغيير أن يقدم السؤال الأول لهذا الاختبار، ويقوم بترشيح رئيس الوزراء المطلوب حتى نرى ما هو موقف المجلس العسكري، وهل سيعمل على إتاحة الفُرصة لهذا الشخص الذي تَوافق عليه لتشكيل الحكومة وإسناد المهام التنفيذية لهذه الحكومة، إذا فعل ذلك فهذا يعني دليلاً على الصدق والجدية من الطرف الآخر، ولكن إذا رَفَضَ ذلك يعني أنّ المجلس العسكري قد نَكَثَ عن عهده، فحتى الآن الكُرة في مَلعب قُوى إعلان الحرية والتغيير في أن تقدّم قيادة الجهاز التفيذي، ونرى كيف يتعامل المجلس العسكري بالقبول أم الرفض، ثم بعد ذلك تشكيل الحكومة، وأيضاً علينا متابعة المجلس العسكري وكيفية التعامل معها، فهل يتعامل بها بالتمكين أم بحجب السلطات معها, أما المسألة الثانية ينبغي على الطرفين أن يُحدِّدا المهام، أولاً ما هي مهام المجلس العسكري أو المجلس السيادي والرئاسي، على ضوء هذه المهام يمكن أن ينظر في تركيبته وتشكيله، التشكيل يتم بناءً على المهام والوصف الوظيفي لهذا الجسم، أما الخطوة الثالثة التي من المُفترض أن تبدأ بها قوى الحرية والتغيير هي أن يقدموا على تشكيل المجلس التشريعي (البرلمان)، وحينما تكتمل هذه المُشاورات وتحديد الشخصيات المعنية ويدفع بهم، أما اذا حجب المجلس العسكري عنهم مُمارسة حقهم في تولي السلطة التشريعية تكون هنالك أزمة، أما إذا التزم فهذا دليل على الاستمرارية، فهو الشريك الوحيد لقوى إعلان الحرية والتغيير، وفي تقديري أنّ هذه البلاد تُحيط بها الكثير من المخاطر الأمنية داخلياً وخارجياً مِمّا يتطلّب القيام بالمسؤولية الأمنية والدفاعية كاملة وهذه ليس من مهام المدنيين، وإنّما من مهام المجلس العسكري، فهي توجد فيها سياسات وقرارات وبرامج لن تتخذ بواسطة المجلس المدني، إعلان الحرب وإعلان حالة الطوارىء، فهذه جميعها قضايا تمس المسائل الاستراتيجية في الشأن الوطني، لذلك تمسّك المجلس العسكري بفترة العامين لكي يثبت هذه المعاني في ظل بلد جميعنا نعلم أنّ الوضع الأمني فيها هش، وأنّ الإمكانَات القتالية والسلاح منتشر، فالفترة الانتقالية لا بُدّ أن تحكم بآلية مُنضبطة، وفي تقديري أن التنازُع الموجود الآن هو محاولة لإبعاد المجلس العسكري الذي يتمسك بمسألة العامين، وهذا في تقديري غير صحيح، فالفترة الانتقالية هي استحقاق أخلاقي للشعب السوداني، الشعب السوداني الذي ظل ثلاثين عاماً مُغيّباً عن شأنه وإدارة أمره، فالآن قامت الثورة وبشّر بأن الأمر سيعود له، فيجب أن نسرع بإعادة الأمر للشعب السوداني، لذلك العامان اللذين قررهما المجلس العسكري يجب أن تكون، ويمكن أن تتم دون هذه الفترة إذا أسرعنا الخُطى نحو بناء الدولة المدنية.
*ما تعليقك على حديث الإمام بضرورة عدم الانجراف لاستفزاز المجلس العسكري؟
– قُوى الحُرية والتغيير بمكوِّناتها وباعتراف مُتبادل بينها والمجلس العسكري، أكّدت أنّها شريكة في إحداث التغيير وسَتعمل على تحقيق مَقاصد الثورة، ولكن سُرعان ما حدث تنازُع وتَعَطّلت المسألة أكثر من أسبوع، ولا ندري إلى أي محطة ستسير مسيرة الثورة.