الخرطوم- آثار كامل
ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر, ارتفعت حمى الصراعات ما بين المكونين المدني والعسكري ابتداءً من الخلافات بين المكونات المدنية في نفسها, مَا استدعى رئيس الوزراء للحديث عنها جهراً وعلانية, قبل أن يطلق عددا من المبادرات لإنقاذ الوضع المتأزم, وجاءت (الآلية الوطنية لمبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حول الانتقال الديمقراطي) التي شملت أكثر من (70) شخصية علها تجد مخرجاً يوصل لجلاء الأزمة وإصلاح قوى الحرية والتغيير, فيما تعنتت بعض القوى السياسية وتمترست خلف رفض الفكرة إجمالاً, وواصلت الآلية مهامها في معالجة القضايا في ظل مشكلة وطنية حقيقية كانت قد وصلت إلى عُنق الزجاجة, فيما أعقبت المحاولة الانقلابية ما حدث بقاعة الصداقة الحرية والتغيير (منصة التأسيس), ليشتد الصراع مع اقتراب موعد انتقال رئاسة السلطة للمدنيين ما أدى لارتفاع حمى التشاكس بين المكونين المدني والعسكري, وأصبحت المُبادرات والوساطات تجرى على قدم وساق لحل الأزمة حتى خرج رئيس الوزراء في الخامس عشر من أكتوبر وسرد (10) نقاط للخروج من الأزمة, فيما لا تزال الأزمة في مكانها حتى تم تكوين لجنة سباعية للحل حيث انقلبت الموازين يوم الخامس والعشرين من أكتوبر عقب خطاب القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان القاضي بفرض حالة الطوارئ بالبلاد وتعليق مواد في الوثيقة الدستورية, بجانب حل مجلسي السيادي والوزراء وإعفاء ولاة الولايات وغيرها من القرارات.. ما قبل الخامس والعشرين وما بعده ظلت الأحداث تتسارع وما زال الكل يبحث عن مخرج للأزمة عبر طريق ثالث أو مولود جديد ليحتوي كل ما يجري الآن.
ثوابت المشهد الآن
أي عملية تأتي خصماً على أهداف ومبادئ الثورة لن تصمد كثيراً أمام شعاراتها المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة, وكل ما يدور الآن لم يتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي معافى وتقبل المكونين البعض وتنفيذ ما ورد في بنود الوثيقة الدستورية وسلام جوبا وتحقيق السلام، فعليه ونقل السلطة إلى حكم مدني وفق الترتيبات التي اتّفقت عليها الأطراف, والناظر إلى العلاقة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير أنها لم تعد عامرة بالثقة وأن مساحات التوافق تناقصت بدرجة كبيرة خصوصاً بعد الأحداث التي جرت مؤخراً, إذ نجد أنّ قِوى الثورة ليست مهتمة على ما يدور الآن بين المكونين, بل لديها أساليبها التي تستطيع ان ترد بها على المكونين العسكري والمدني وهي معروفة ظلت تنتهج نهجاً ثورياً سلمياً منذ بداية الثورة في 19 ديسمبر حتى لحظة سقوط الرئيس المعزول عمر البشير في 11 أبريل, وبات من المُؤكّد أن حالة الغبن الشعبي تجاه المكونين الحاليين، تبدو أكبر من التي كانت تُحرِّك الجماهير ضد المخلوع, فالشوارع لا تخون.
تنازل الطرفين
ويرهن المحلل السياسي صابر الحاج, الحل في الوقت الراهن بجلوس كل الاطراف لحوار وتفاوض يقرب شقة التباعُد بينهما, وأكد في حديث لـ(الصيحة) حتمية جمع الصف, ونوه إلى أن الوثيقة الدستورية واضحة خاصة فيما يتعلق بإدارة الفترة الانتقالية, إذ تنص على أن تدير الفترة أحزاب الفترة الحرية والتغيير وأن المؤتمر الوطني المحلول وكل من شاركه الحكم حتى سقوطه ليس لهم مكان في الفترة الانقالية, مشيراً إلى أنهم حريصون على وحدة السودان والالتزام بالشراكة والوثيقة الدستورية, وأضاف الحاج بأن الوضع ما قبل الخامس والعشرين والآن لا يحمل التصعيد واللغة الحادة, بل لا بد من دراسة المخاطر, ويجب أن يعلم الطرفان بأن البلاد تمضي بالتنازلات وليس بالخلافات والتمسك بما تم التعاهد عليه, والحفاظ على الرؤية الواحدة والخط الواحد والجلوس والتوصل لحل وسط.
وضعٌ جديدٌ
وحصر د. خالد قنديل محمد المحلل السياسي, السيناريوهات التي يُمكن أن تفرزها مالآت ما بعد الخامس والعشرين من أكتوبر في سيناريوهين اثنين, الأول أن يمضي المكون العسكري في الإجراءات التي اتخذها بحجة تصحيح المسار وتكوين حكومة تكنوقراط محددة الاهداف والبرامج وفق ما اعلنه البرهان وصولاً إلى انتخابات, ومعلوم ان المكون العسكري لن يمضي وحده في قيادة البلاد, لجهة أن المجتمع الدولي وقبله الداخل لن يقبل بحكومة عسكرية صرفة, ولذلك مضى في الإعلان عن الترتيبات لتشكيل الحكومة الجديدة, وبرزت العديد من الأسماء لتولي منصب رئيس الوزراء أبرزهم كامل إدريس الذي وصل البلاد بالفعل هو وأسرته، بجانب بروفيسور هنود أبيا كدوف, ما يعني إذا مضى الخيار الأول فهذا يعني مولودا جديدا بلا حاضنة سياسية لقيادة دفة الحكم بالبلاد, وأضاف خلال حديثه لـ(الصيحة) بأن السيناريو الثاني أن يعود رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك وحاضنته السياسية ولكن بمُعادلة جديدة, ونوه قنديل إلى أن الوضع الجديد حال عاد حمدوك إلى موقعه فلن يكون مثل السابق, بحيث أن الحرية والتغيير لن تكون الحاضنة للحكومة مثل ما كانت في السابق, لجهة أن حمدوك سيختار أعضاءً جددا من التكنوقراط.. على العموم الوضع بعد الخامس والعشرين من اكتوبر سيفرز واقعاً مُغايراً في كل الأحوال.
صوت العقل
يرى أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية حسن عبد الرازق بأن ما يحدث الآن عبارة عن حالة يُمكن تشخيصها تحت مسمى احتقان واستقطاب حاد بين الائتلاف الحاكم قوى الحرية والتغير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية ومجموعة العودة لمنصة التأسيس والمجلس العسكري, ولفت في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن الأزمات الحالية منذ أن بدأت تحرُّكات رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بمُبادرات وخارطة طريق يعكس بوضوح عُمق الأزمة بين القوى السياسية, وكان الأجدر والأصح احتواؤها بصوت الحكمة والعقل, ونوه إلى أن عدم التوافق واتخاذ قرارات فردية وعدم الجلوس لا يجدي نفعاً, فلا بد من الحوار لتوحيد الرأي, مشيراً لإجراء حوار مع كل القوى السياسية لضمان التماسك ووحدة الصف دون تفرقة، وعودة الجميع الى الرشد وتحكيم صوت العقل, مُحذِّراً من ظهور انقسامات وانشقاقات وتحالفات جديدة بالمشهد السياسي.