تَقرير- صلاح مختار
الإجراءات التي اتّخذها رئيس المجلس السيادي الفريق اول عبد الفتاح البرهان بحل الحكومة التنفيذية والمجلس السيادي, فتحت الباب أمام طرح سؤال بشأن وضعية اتفاق جوبا في الوثيقة الدستورية, خاصة أن البعض يرى أن الإجراء قد يمس اتفاق سلام جوبا وكل ما هو متعلق بالقاعدة التنفيذية لحكومة حمدوك, التي يراها البعض أنها جانبت الصواب في الوثيقة التي نصت على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة دون مُحاصصات, وبالتالي البعض يرى أنّ التعريف في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة يشمل حتى الحركات التي جاءت بنص اتفاق جوبا لسلام السودان وبالتالي تضمينهم في الحكومة كسياسيين وليسوا كفاءات كما نصت الوثيقة. إذن الى أي مدىً صحة ما ذهب إليه المراقبون؟.
نص الوثيقة
نص الوثيقة الدستورية ارتكز على إحلال السلام ومعالجة جذور الحرب في مناطق النزاعات، كأهم وأبرز القضايا المُلحة التي يجب إيجاد حلول شاملة لها خلال الأشهر الستة الأولى من عُمر الفترة الانتقالية، وتبعاً لذلك جرى تضمين رؤية الحركات المُسلحة في الوثيقة الدستورية. كذلك نصّت الوثيقة قبل تعديلها على أن يمثل مجلس السيادة رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها، وهو القائد الأعلى للقوات، بينما يتولّى مجلس الوزراء السلطة التنفيذية، ويتشكل من رئيس وعدد من الوزراء لا يتجاوز 20 وزيراً من كفاءات وطنية، بالتشاور مع المجلس السيادي، على أن يكون وزيرا الدفاع والداخلية من المكون العسكري بمجلس السيادة.
أطراف الحكومة
لأن اتفاق جوبا جب ما قبله من إجراءات بشأن الفترة الانتقالية أدت إلى فتح الوثيقة, فإن الإجراء الذي اتخذ بشأن تصحيح الفترة الانتقالية يراها البعض أنها تشمل كل أطراف الحكومة بما فيها الجبهة الثورية ممثل الحركات في الحكومة الانتقالية, غير ان القانوني بارود صندل لفت إلى خطاب رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان الذي أشار فيه إلى أنّ الإجراءات لا تُؤثر على أطراف عَملية السَّلام من الوزراء أو أعضاء المجلس السيادي بحكم أنهم جاءوا وفق اتفاق السلام, وبالتالي مواقعهم محفوظة بنص الاتفاق, وقال لـ(الصيحة): حال تم الاتفاق على حكومة أو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة, فإن أطراف عملية السلام لا تشملهم وإن تمّ حل الحكومة, فإن مواقعهم محفوظة واذا شكّلوا مجلس الوزراء غير انه قال في إطار التوافقات التي تتم بين أطراف العملية السياسية يمكن تحريك وزراء من مواقعهم إلى أخرى، مستدلاً على مقولة بأن المادة التي تحكم تكوين مجلس الوزراء في الوثيقة الدستورية تم تعديلها لتكون الحكومة “حكومة كفاءات وطنية” سحبت عنها كلمة مستقلة, كما أنها نصت على أن 25% من عدد وزرائها الذي ترك بغير تحديد من حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا.
سيناريوهات مُتوقّعة
وضعية أطراف السلام بعد الإجراءات الأخيرة كما يراها القيادي بحركة مناوي (أحمد عيسى تغيير), تنطلق من حديث البرهان بأن الإجراءات الاخيرة لن تمس اتفاقية السلام, وأطبق عليه قرار آخر بعودة بعض الوزراء إلى أماكنهم وممارسة عملهم مثل وزارة المالية والاتصالات والثروة الحيوانية, غير أن “تغيير” رسم في حديث لـ(الصيحة) ثلاثة سيناريوها في المشهد السياسي الآن, منها ان حمدوك يشترط حل كل الحكومة بما فيها الحركات التي جاءت بموجب اتفاقية سلام جوبا, ورأى أن هنالك سيناريو آخر وهي مدرسة منصة التأسيس وتوسيع قاعدة المشاركة باعتبار أن واحدة من مطالب المُعتصمين في القصر تتضمن توسيع قاعدة الأحزاب بدلاً من الأحزاب الأربعة المُشكّلة للحكومة السابقة, وقال: المطلوب هو المدرسة التوافيقة وتوسعة قاعدة المشاركة في الحكومة المقبلة.
مدارس سياسية
ويرى القيادي بحركة تحرير السودان (أحمد عيسى تغيير), أن هناك 3 مدارس لمعالجة الوضع, مشيرا الى ان رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك يتمسك بالمدرسة الأولى التي تُطالب بحل الحكومة الانتقالية كلها بما فيها ممثلي الجبهة الثورية الذين جاءت بهم اتفاقية السلام بعيداً عن الأحزاب أو الحركات. لكن معارضون لهذا الرأي يشيرون إلى أنه جامد غير قابل للتعاطي معه في ظل وجود اتفاقية منحت فرصاً في الحكومة الانتقالية.
أما المدرسة الثانية تتجاوز رؤية حمدوك وإعلان حكومة مدنية من التكنوقراط مع الحفاظ على مكتسبات اتفاقية السلام وهي كما قال شبيه بحكومة (حفتر والسراج في ليبيا) من خلال اعلان حكومة فيها شخصيات غير حزبية مثل النسخة الليبية.
أما المدرسة الثالثة وهي المدرسة التوافيقة التي ينادي بها أصحاب منصة التأسيسية, رافضو الانقلابات العسكرية مع الالتزام بما تم التوافق عليه في جوبا, وقال حتى رئيس المجلس السيادي الفريق أول البرهان دعا للعودة إلى المنصة التأسيسية, وبالتالي حتى القوات المسلحة رافضة لأي انقلاب, لجهة أن الأمور في اتجاه رفض كل أشكال التغيير بالقوة.
تنازلات
فيما ذكر المحلل السياسي عمار سيد أحمد شليعة ان المطالبات بحكومة كفاءات غير حزبية يحتم على الجبهة الثورية الالتزام ايضا بتقديم كفاءات في المناصب التي تتولاها الان وقال لـــ(الصيحة) من غير المقبول ان يصر اعضاء الجبهة الثورية على الآخرين بان يتنازلوا عن مناصبهم لشخصيات مستقلة غير حزبية ويظلوا هم في مناصبهم مبينا ان التنازلات يجب ان تشمل جميع اطراف الحكومة وقال ان الازمة الحالية تحتاج الى تطبيق العدالة على كل مكونات الحكومة بما فيها اطراف سلام جوبا واوضح ان مني اركو مناوي مثلا قام بتكليف شخص في منصب حاكم دارفور الذي يشغله واستقر بالخرطوم لتحقيق مكاسب اخرى وللحصول على منصب ارفع من الذي تولاه ..
وجهات نظر
تحاشي البعض في الدخول لتحليل الوضع الحالي ليس خوفاً من تداعياته, ولكن تريثًا من تغيير بعض المواقف في ظل تدافع الوساطات لتقريب وجهات النظر ونزع فتيل الأزمة, ولذلك قال المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر لـ(الصيحة) مع الاحتفاظ على المكانة العالية للجيش خلال الفترة الانتقالية, فإن ما تم من إجراءات يمكن مراجعته في إطار العادات والتقاليد السودانية ولم الشمل وتنسيق الجهود, ودعا خاطر إلى التمهُّل لبعض الوقت ريثما نقف على نتائج الوساطات التي تقوم بها جهات عدة داخل السودان وخارجه, مُشيراً إلى وجود مجموعات مازالت مُهتمة بالسودان بالإضافة إلى الجوار الإقليمي, ورأى أن السودان يحتاج إلى ذلك بالعودة للوثيقة الدستورية بشكل كامل ومراجعة الأوضاع وفق الوثيقة الانتقالية نفسها.