المسؤول الأول بالخارجية في عين العاصفة!!
تقرير: مريم أبشر
كثيراً ما تدفع تصاريف الأقدار القائمة على التطورات غير المتوقعة بعض الناس لدفع فواتير بعيدة كل البُعد عن التوجُّهات والقناعات التي دفعتهم لاتخاذها في لحظة ما من الزمن لإنتهاجهم مبدأ المهنية… ذلك ما يُمكن أن ينطبق تماماً على السفير علي الصادق مدير عام إدارة الموارد البشرية بوزارة الخارجية الذي وجد نفسه في مُواجهة عاصفة عنيفة من زملائه كونه قبل التعاطي من موقع المسؤولية مع الوضع الجديد.
مهام
تطورات الأحداث الأخيرة في السودان ومُفاجأة حدوثها رغم وجود مبررات لها, جعلت السفير علي الصادق مدير عام إدارة الموارد البشرية بوزارة الخارجية في واجهة الدبلوماسية السودانية لتبيين وتوضيح ما يجري في السودان بحكم الوصف الوظيفى الذي وجد نفسه فيه من جهة, وعاصفة النقد الجارف من زملائه السفراء من الجهة الثانية جرّاء قيامه بمهمة التكليف لتولي أعباء الوزارة بعد القرارات التي أصدرها القائد العام للجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر, التي حل بموجبها الحكومة التنفيذية وبالتالي تعليق مهام وزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق وإعفاء وكيل وزارة الخارجية السفير محمد شريف, وشملت التوجيهات أن يتولى المديرون العامون بالوزارات مهمة تصريف الأعمال لحين إعلان الحكومة, ولم يسلم الصادق من النقد المُبطّن لوزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق في المُقابلة التي أجرتها معها قناة (بي بي سي) بوصفها للسفراء الذين أبدوا مواقف واضحة بأنهم سفراء الثورة وأن الآخرين سيحفظ مواقفهم التاريخ.
أصل الحكاية
صبيحة اليوم التالي لقرارات القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان, دعا وكيل وزارة الخارجية المكلف بتصريف أعباء الوزارة السفير علي الصادق, كافة السفراء المعتمدين لدى السودان ونقل لهم أن ما جرى في السودان من قرارات لقائد الجيش هي تصحيح لمسار الانتقال الديمقراطي وليس انقلاباً على الحكومة الانتقالية وفق ما نقلته عنه الوسائط الرسمية, فضلاً عن استدعائه للسفير البريطاني الذي سرّبت الوسائط فيديو له انتقد فيه ما جرى وأبلغه ان ما قام به يُعد تجاوزاً وتدخلاً في شؤون البلاد الداخلية.. هذه التحركات وغيرها فتحت موجة من النقد على السفير علي الصادق باعتباره متماهٍ مع الإجراءات التي اتخذها الفريق أول البرهان.
دبلوماسية الراهن
السفير والخبير الدبلوماسي الطريفي كرمنو الذي اكد في افادته لـ(الصيحة) انه ولج للخارجية فى سبعينات القرن الماضي وعاصر عسكرية (مايو والإنقاذ الوطني) وحكومة مدنية وهي حكومة الصادق المهدي الثانية, الا انهم ظلوا طوال تلك الحقب المتتالية يمارسون عملهم بمهنية بعيداً عن الأنظمة الحاكمة, واضاف ان وزارة الخارجية منذ تأسيسها بعد الاستقلال مُباشرةً وانتظام العمل بها كان مبدأ العمل فيها يقوم على دبلوماسية الوضع الراهن غض النظر عن نوعية الحكم والحاكم, واضاف “الدبلوماسيون في عهد الرئيس نميري كانوا متمسكين بالدفاع عن السودان سلباً وإيجاباً باعتبار الوضع الراهن, ثم جاء المشير سوار الذهب وأعقبه الصادق المهدي, وجاءت الإنقاذ وحكمت 30 عاماً وكان معظم السفراء يدافعون عن حقوق الانسان في السودان, وان الشعب السوداني ليس راعياً للإرهاب”, وأكّد أنّ مهمة الدبلوماسي هي الدفاع عن بلاده وشعبها في تلك اللحظة, غض النظر عن نوع الحكم والحاكم, واشار إلى أن السفير علي الصادق بما أنه قبل أن يتسلم مهمة التكليف ليس له خيار غير الدفاع, واعتبر كرمنو من قدموا استقالاتهم خلقوا وضعاً غير مريح, ولفت الى أنه لا يذكر حتى إبان عهد الرئيس نميري من قدم استقالته, بل إن بعض السفراء تم رفدهم إبان العهد البائد بسبب التمكين وكان من بينهم السفير ابراهيم طه أيوب ولم يقدموا استقالاتهم, وشدد على أن الدبلوماسي مهمته ترتبط بحكومة الوضع الراهن وفقاً للعُرف والمبادئ, بعيداً عن الميول والتوجهات السياسية التي يؤمن بها, وذكر واقعة تتحدّث عن دفاعه المستميت في ندوة أُقيمت بروما إبان العهد البائد كان عنوانها “السودان شعب بلا حقوق”, نظمتها اربع منظمات حقوقية تمكن من إفشالها عبر الدفاع المُستميت عن الشعب السودان, لجهة أنّ الندوة كانت تبحث عن ان الشعب السوداني بلا حقوق ولم تكن عن الإنقاذ بلا حقوق, وقال “مهمتنا كدبلوماسيين الدفاع عن بلادنا وشعبنا”.
مهني ولكن!
السفير والناطق الرسمي باسم الخارجية السابق جمال محمد إبراهيم اعترف بمهنية السفير علي الصادق وقدراته العالية, واشار الى انه سبق وأن عملا سوياً واسهم مع آخرين لأن تختاره الخارجية ليكون ناطقاً رسمياً باسم الخارجية نظراً لمهنيته وانضباطه وليس له لون سياسي, غير أن السفير أشار إلى أن السفير علي الصادق أدخل نفسه في مكان ضيِّق بقبوله ليكون مسؤولاً عن تصريف أعمال الوزارة في أعقاب الإجراءات التي اتخذها القائد العام بإقالة الحكومة التنفيذية الانتقالية والتوضيح الذي نقله للسفراء بأن ما حدث ليس انقلاباً وانما تصحيح للأوضاع, وأضاف ابراهيم: كان في إمكان السفير علي الصادق أن يعتذر خاصة وأنه تبقت على موعد تقاعده أشهر قليلة.
حكومة اليوم
دبلوماسي يعمل حالياً بالوزارة فضّل عدم ذكر اسمه قال لـ(الصيحة), إنّ الدبلوماسية حسب المبادئ والأعراف المعمول بها تشبه إلى حد بعيد الجيش, بمعنى ان موظف الخارجية يتبع لحكومة اليوم, غض النظر عن شكل الحكومة وأياً كان توجهها, وأضاف أن التجرد والمهنية تحتم على الدبلوماسي أن يؤدي عمله وفقاً لحكومة اليوم, لكنه لفت لوجود أنواع عدة من السفراء في وزارة الخارجية, مبيناً أن منهم من دخل للوزارة عبر التعيين (كما حدث في عهد نظام الإنقاذ أو الفترة الانتقالية), وأشار إلى أن بعض سفراء التعيين السياسي الذين أتت بهم الثورة كسفير السودان في بروكسل أبدى عدم رضائه عن ما حدث من تغيير, لجهة أنه أتت به الثورة, واعتبر المصدر ما أبداه من موقف يجد الاحترام من بعض السفراء, وان له مطلق الحرية في أن يتخذ, وكذلك عدد آخر مقدر من السفراء اتخذوا مواقف مماثلة على خلفياتهم السياسية, وامتدح المصدر مهنية السفير علي الصادق, وأشار إلى أن كل تقارير أدائه كانت تضعه في المقدمة, وما قام بهم من واجب أملته عليه المهنية, وإنه يعمل بمبدأ (تبع حكومة اليوم).