لا تزال قوى الحرية والتغير وشريكها المجلس العسكري في تنازع وصراع حول السلطة الانتقالية، وبعد أن ترك العسكريون لشريكهم المدني كل مجلس الوزراء يختارونه كيفما شاءت أحزابهم، وما عاد للمجلس العسكري سلطة في رفض أو ترشيح وزير باستثناء وزيري الدفاع والداخلية، ومنح المجلس العسكري حق اختيار أعضاء البرلمان المعين دون حتى تمثيل عسكري من ضباط المعاشات، إلا الذين انخرطوا في الأحزاب بعد تقاعدهم، سعى تحالف قوى الحرية والتغيير إلى الزحف نحو المجلس السيادي المنتظر تشكيله، وبعد تنازل العسكريين الذين يفاوضون قوى الحرية والتغيير منزوعين من أي سند سياسي وداعم لمواقفهم تنازلوا للمدنيين بشراكة في المجلس السيادي، بدأ التنازع هل يتكون المجلس السيادي من مكونيْن متساويين ؟ أم الغلبة للعسكريين؟ أم الغلبة للمدنيين؟ وبلغت المطامع من بعضهم بالمطالبة برئاسة المجلس ليفرضوا على الفريق البرهان ما يشبه شروط المنتصر في معركة لم تنشب أصلاً.
والآن بات المواطن العادي ينتظر تشكيل أي حكومة لسد الفراغ الحالي.
وحكومات الولايات لا يُعرف حتى الآن كيفية اختيار الولاة هل من العسكريين ؟ أم من قوى الحرية والتغيير؟ ومن يملك سلطة التعيين وسلطة الإعفاء؟ وما مصير الحكم المحلي الذي تم تجميده الآن؟
وفي إعلان الحرية والتغيير نصوص تتحدث عن العودة لنظام الأقاليم الخمسة إضافة إلى الخرطوم فهل بمقدور هذه القوى لوحدها ونيابة عن كل ولايات السودان اتخاذ مثل هذا القرار؟
وهل يعتقد الإخوة في الحزبين الرئيسيين في هذا التحالف، ونعني بهما الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر السوداني، أن قراراً مثل هذا سيجد القبول في الولايات من البحر الأحمر وحتى الجنينة، ولماذا لا يترك التقرير بشأن الحكم الفيدرالي إلى الانتخابات القادمة، ويصبح مثل هذا الطرح برنامجاً لهذه الأحزاب أو بعضها وحتى الشريعة الإسلامية التي يسعى البعض لإلغائها الآن، يمكن لهذه الأحزاب وغيرها أن تطرح للشعب مشروعاً للدولة العلمانية، إذا منحهم الشعب تفويضاً لإقامة مثل هذه الدولة، فالأمر للشعب أولاً وأخيراً.
ولكن في الوقت الحالي المطلوب بإلحاح الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات أو تكنوقراط أو حكومة محاصصات حزبية، المهم أن يصبح لنا وزير خارجية مثل سائر الدول ووزير مالية وعدل ورعاية اجتماعية ووزير صحة وآخر للإعلام، ودستور مؤقت يحتكم إليه الناس، ودولة لا يأخذ المواطنون فيها القانون بأيديهم، وأن تعود للخدمة المدنية فاعليتها.
وقد تأثرت إيرادات الدولة بالأوضاع الراهنة واضطربت الاستثمارات الخارجية، وتوقفت المعاملات التجارية في انتظار قدوم الحكومة الجديدة التي بات أمر تكوينها صعباً جداً في مناخ عدم الثقة بين العسكريين وشركاء الثورة من أحزاب اليسار وامتدادات اليسار داخل أحزاب الوسط.