*منافذ الخدمات عندنا، تقطب الجبين في وجوه مرتاديها، وتضع كل خبرتها لصدّهم، إن لم نقُل دحرهم، ، الأمر مسند إلى جلاوزة يجلسون في الاستقبال وعند البوابات، هم لا يُحسنون استقبالك ولا يُحسنون التصرّف حيالك، وكلما أمعنوا في قطع الطريق عليك، وحالوا دون وصولك، كلما ظنوا أن ذلك نجاح لهم، ورصيد يصب في خانة مهنتهم.
*وإذا كنا نتحدث عن إصلاح خدمتنا المدنية، فإن ذلك لن يتحقق بغير هزة، تساقط اليابس من ورقها، وتطرح غير النافع من ثمرها، وتميز بين طيبها وحنظلها، مؤسسات خدمتنا باتت متوانية في أداء واجبها، غير عابئة برضا عملائها، تعذبهم بالانتظار ساعات طوال، ثم هي لا تداوم عملها في أوانها، وإنما تديره وقتما شاءت وفي أوان شاءت، ثم هي لا تُمكّن طالبي الخدمة من الوصول إليها، وإن مُكّنوا لا تُجيبهم إلى طلباتهم ولا تُسعفهم بتأدية خدماتهم، وإنما عليهم أن يتذللوا بين يديها، وأن يطلبوا تعطفها وتكرمها، وأن يتفضلوا بشكرها، بعد أن تكون قد أعنتتهم وكتبت المشقة عليهم.
*ولأننا أصبحنا بين يدي شهر فضيل، هو شهر رمضان الكريم، فإن كثيرين ممن أدمنوا تعطيل مصالح العباد والتسويف فيها، يتخذون من هذا الشهر مطية لتأجيل مصالح المواطنين، بدعوى أنهم مرهقون وغير قادرين، وبدعوى أنهم يداومون على الصلاة في المسجد ثم لا يعودون، وبدعوى أنهم عابدون ومتبتلون وفي حلقات التلاوة منتظمون، هم يظنون بذلك أنهم يحسنون صنعاً، مع أنهم عن الصنع وحسنه أبعد ما يكونون.
*علينا أن نُعيد للخدمة المدنية عامة وللمؤسسات القائمة على مصالح الناس وخدماتهم خاصة، علينا أن نُعيد لها ماضٍ زهت به، وحسن طوق جيدها، ثم دارت دورات من الزمن، أفرغت الخدمة المدنية من خيرة كوادرها، وأضحى التعيين وقفاً على الولاءات والقرابات، وغابت الكفاءات، ومن ثم تدنّت الخدمة وتراجعت كفاءتها وضمُر عطاؤها، وانعكس ذلك على الدولة واضمحلالها، وضعف بنيتها، وتراجع إنتاجها، وتدني إيراداتها، وهو الأمر الذي قادنا إلى أن نعاني في سائر قطاعاتنا، وإلى ارتفاع تضخّمنا وإلى تدهور قيمة عملتنا وإلى تراجُع صادراتنا، وإلى إطباق الحصار علينا، ومن ثم بِتنا نتسيّد ذيل القائمة في كل ترتيب لأمر نُشارك فيه غيرنا.
*اليوم من بعد انتصار إرادتنا، ومن بعد أن أصبح الإصلاح أنشودة نتغنّى بها وشعاراً نرفعه ونلهج به، علينا أن نُحيله إلى واقع عملي، بحيث نستنهض مؤسساتنا، وأن نضع الكفاءات في مكانها، وأن نعتمد معايير علمية وعملية لنحقّق الإتازن لخدمتنا، علينا أن نترجم شعار العميل أولاً كما الزبون أولًا، ترجمة عملية، أن يكون رضا العميل هو المقدم في مؤسساتنا وهو المرعي في نهج أدائنا.
ثم علينا كذلك، أن نتذكّر أن الاستقبال والعاملين عليه يمثلون واجهتنا، وأن علينا أن نتخيّر من يهش في وجوه الناس، ومن يجعل الابتسامة الودودة أول رسالة يستقبل بها الدالفون إلى المؤسسة والطالبون خدمتها، من هذه البوابة يبني الناس حكمهم عن المؤسسة ويرسمون تصوّراتهم.