الخرطوم: آثار كامل
بعيداً عن ما يحدث من تحرُّكات ووساطات لنزع فتيل الأزمة بين المدنيين والعسكريين، يُواصل الشارع حالة التصعيد الثوري، رفضاً لما أقدم عليه البرهان.
في ذات الأثناء, تحرّكت الوساطات والمبادرات لتقديم المُساعدات لحل الأزمة, منها دولة جنوب السودان، بجانب المبادرات الداخلية التي تضم عدداً من المدنيين وشروعهم في لقاءات مع الطرفين للخروج بحل بجانب الوساطات الأمريكية.
انقلاب الموازين
ربما سلسلة اللقاءات بين د. حمدوك والوساطات التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان، فولكر بيرتيس والمبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان والعسكر لنزع فتيل الأزمة, وتقلُّب بعض الموازين للوصول إلى حل للأزمة العالقة، خصوصاً بعد أن واجهت الشراكة بين المكونين صعوبات لأسباب مختلفة رغم الإيمان والاعتراف الكامل بالثورة ربما تغيّرت المفاهيم والتفاهمات بين المكونين, ولكن لا بد من تجاوز الأزمات بإبداء صفاء النية والابتعاد عن ما يعكر الأجواء.
فرص النجاح
يأمل وسطاء دوليون ومحليون، في التوصل إلى تسوية “عاجلة” لحل الأزمة الناشبة في السودان، منذ إعلان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حل الحكومة المدنية، وتعطيل بنود من الوثيقة الدستورية، في الخامس والعشرين من الشهر المنصرم، وتسبّبت الأزمة في تعطيل دولاب الدولة بشكل شبه كامل، وأدّت إلى انقسام حاد وسط المجتمع، وتشهد الخرطوم منذ نهار أمس تحرُّكات ماكوكية دولية وإقليمية ومحلية بين الأطراف بهدف الوصول إلى “صيغة جديدة” تكون مقبولة من العسكريين والمدنيين وتفتح الطريق لاستكمال ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
ويتوقع سياسيون ومحللون خلال حديثهم لـ(الصيحة) أن تثمر الجهود المكثفة التي تُجرى الآن في الخرطوم، الوصول الى صيغة ما، يتم التوافق عليها من قبل القوة الفاعلة في البلاد، مُشيرين إلى استحالة العودة لمربع ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر، كما لا يمكن أن يكون الجيش صاحب القرار الوحيد في المرحلة المقبلة، ويرون في الحل الوسط أن يتم الاتفاق على د. عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء، بعد إطلاق سراح كل المعتقلين، ويترك له أمر اختيار طاقمه من الكفاءات سواء كانت حزبية أو مستقلة، كما يتم تشكيل مجلس سيادي مغاير، وتسمية أعضاء المجلس التشريعي في مدة لا تتجاوز الشهرين.
التنازل والحوار
قال السفير والمحلل السياسي الرشيد أبو شامة لـ(الصيحة), إن المبادرات المطروحة يمكن أن تنجح ولا بد من أن يتم التنازل من قبل د. عبد الله حمدوك والفريق عبد الفتاح البرهان للوصول الى نتيجة, ولفت أبو شامة الى أن هناك ضغوطاً من الجانب الغربي تمضي بخطىً متسارعة, مشدداً على أهمية إدراك الطرفين ما يتم عمله الآن, خاصةً وأن السودان خلال الفترة السابقة تلقى دعومات كثيرة تحتم أن ينتبه الجميع الى توقف الدعم وبعض القرارات, على سبيل المثال قرارات مؤتمر باريس, منوهاً الى ان حمدوك كموظف دولي مدرك تماماً لذلك, فلا بد من التنازل والوصول إلى حل وسط ووضع مصلحة البلاد في المقام الأول, مضيفاً أن البلاد الآن في وضع الجاهزية لكثير من الاستغلاليين, ويمكن لأي جهة ان تعلن الانفصال, مشيراً إلى أن الوضع الآن يحتاج لحوار وعدم اتخاذ رئيس مجلس السيادة أي قرار بتعيين رئيس وزراء آخر, فقوى الحرية والتغيير لن تسكت على ذلك ولديها طرقها التي تستخدمها, منها التظاهرات السلمية والعصيان المدني والتصعيد الثوري المستمر, فلا بد من الرجوع والجلوس والحوار, وقال: على جميع مكونات الحكومة الحالية من مدنيين وعسكريين وقوى ثورية وحركات الكفاح المسلح وضع مصلحة الوطن نصب أعينهم والعمل على إنجاح الفترة الانتقالية بكسر شوكة الثورة المُضادة.
كلمة الشارع
وربما بدأ المشهد أكثر قتامةً في عيون المحلل السياسي محمد علي فزاري, كونه يرى أن نجاح أي مُبادرة أو وساطة للوضع الحالي مرهونٌ بتراجع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وعودة الأمر إلى ما قبل 25 أكتوبر, لافتاً إلى أن المبادرات الحالية تصطدم بجدار الخلاف حول ما تم وما إن كان انقلاباً أم تصحيحاً للمسار لمعرفة الوضع, وقال فزاري لـ(الصيحة) إن الإجابة على هذا السؤال المُهم سيسهل على المبادرات المطروحة التوصل إلى نتائج إيجابية, لافتاً إلى أنه لا بد في حال عودة رئيس الوزراء هل سيعود بكامل صلاحياته وهل التفويض الممنوح له في تشكيل الحكومة سيتم دون تدخل البرهان, وأضاف: في رأيي الأزمة سودانية والحل سوداني بتهيئة جوٍّ ومناخ حوار اذا لم تُحل كل هذه الوساطات الأزمة القائمة, فان الشارع سيحسم الأمر.
قرار مؤسسات
ويرى القيادي بحزب الأمة وعضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير عبد المطلب عطية بأن مبادرة الشخصيات الوطنية استطاعت أن تحدث اختراقاً في الأزمة, وأشار في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن الاختراق تمحور في قبول المكون العسكري مبدأ التفاوض والتسوية للوضع الحالي, وقال “الآن لا توجد ملامح واضحة, فالاستمرار بالوضع الحالي صعب”, وأشار إلى ان المبادرات المطروحة يُمكن أن تنجح في صنع وضع جديد, وأضاف بأن المُبادرات الخارجية المطروحة الآن بمثابة ضامن للحلول التي يمكن أن تصل إليها المُبادرات الداخلية, ونوه بأن المُبادرات الداخلية من شروطها تهيئة المناخ للحوار, ومن النقاط المُهمة عودة رئيس الوزراء ووقف أي قرارات ورفع التجميد الذي أطال بعض المواد, ووقف العنف وأي حملات يُمكن أن تعزز الغضب الشعبي والتعبير السلمي ومُناقشة شركاء الانتقال, الفكرة الانتقالية الموحدة في القرار بأن لا يكون القرار قرار مؤسسات وليس كتلا او احزابا او حواضن سياسية.
قضايا أساسية
ودعا المحلل السياسي أحمد الجيلي إلى إجراء حوار مع كل القِوى السياسية لضمان التماسك ووحدة الصف دون تفرقة، وأضاف الجيلي أن لا بد من حدوث اتفاق وتفاهم سياسي بين المدنيين والعسكريين, لأنّ ما يجمعهم أكثر مما يُفرِّقهم, خصوصاً أن الخلافات القائمة تتمحور حول مسائل تُصب في مصلحة الإصلاح الداخلي, وقال لـ(الصيحة) ان المشاكل والخلافات السياسية طافية على السطح، وأصبح تأثيرها على المواطن الذي يريد أن يولي من هُم في السلطة الانتباه إلى المطالب الأساسية, التي من أهمها تحقيق العدالة، وإكمال تحقيق السلام, مُطالباً المكونين المدني والعسكري بمُناقشة ومُعالجة القضايا من خلال الحوار الشّفّاف والوُضوح.