الفخّارين.. مهنة تتمسّك بالبقاء
أم درمان: فرح أمبدة– 24 اكتوبر 2021م
لأكثر من ثلاثين عاماً، ظل الحاج عبد الرحمن الكردفاني- “68 عاماً” يقاوم إلحاح زوجته بترك مهنة “صناعة الفخار” التي ورثها عن أجداده، والتوجه إلى دول الاغتراب التي كانت تجتذب إليها السودانيين.
وطيلة العقود الأربعة الماضية كانت زوجته، الحاجة بتول، تطمح في أن تتغير حالها مثل ما حدث لكثير من رفيقاتها اللاتي سافر أزواجهن، لكن الكردفاني، ظل وفياً لمهنته، محدداً هدفه بأن يورثها لأبنائه، ونجح على ما يبدو في ذلك.
في أم درمان، وفي حي العرب حيث تقطن عائلة الكردفاني، وعلى جنبات الأزقة الضيقة التي توصل الحي بالسوق القديم، يشاهد المارة “اتيليهات” على الهواء الطلق، تعرض مشغولات فخارية غاية في الروعة لمبدعين من أجيال مختلفة، بيد أن المعلم العتيق، الحاج الكردفاني، يظل الأكثر شهرة وسطهم، فالرجل العجوز تشرّب المهنة “على أصولها” من والده الذي تشرّبها بدوره من جده.
في حواري المدينة القديمة، في العباسية، أبي روف، الجرافة، ود البخيت، وفي بانت، تمكنت “الأواني الفخارية ومشغولات الزينة” من جذب الناس إليها ويندر أن يخلو منها منزلٌ، وقد باتت تكتسب اسمها وفق اختلاف مادة تصنيعها واسلوب انجازها، لكن حضورها يزداد كثافة مع دخول فصل الصيف.
مهنة صامدة
يقول الكردفاني الابن بكل ثقة لـ(الصيحة)، إن مهنة أجداده ستصمد أمام التغيرات التي تترى ولن تندثر ما دامت محافظة على اتقانها، ويزدحم معرضه بعدة أصناف من الفخاريات المختلفة، برموزها ورسوماتها المميزة، منها، أزيار المياه، زجاجيات المناظر، جِرار الماء، أصايص الزينة وأصايص زراعية إلى جوار خزفيات رملية متناسقة تعرض كديكورات في المنازل والفلل وفي الحدائق.
مهنة صناعة الفخار وسط عائلة الكردفاني قديمة إذ أن جده من أوائل المهنيين الذين عرفتهم أم درمان وقبلها مدينة الأبيض التي قدِم منها، ويشير إلى أنه غير نادم على تشربه الصنعة من والده لأنها تمكّنه من ممارسة العمل الذي يعرف ويُحب، فضلاً عن أنها تدر عليه مبلغاً “يستر الحال”.
تتراوح أسعار الأزيار الكبيرة في مشغل الكردفاني ما بين (800) و(1500) جنيه، والمتوسطة تهبط حتى (500) جنيه، أما الأصايص فتتراوح ما بين (2000) و(10) آلاف حسب الجودة والتشغيلات.
وحسب قوله، فإن دخله يصل إلى مائة ألف جنيه أحياناً ويهبط إلى دون ذلك بكثير في بعض الأيام، لكنه يزداد أيام الجمع والعطلات، ويضيف بأن اشتهار عائلته بهذه الصنعة جعل الزبائن يأتونه من الأحياء البعيدة.. فضلاً عن أن لديه زبائن يعرضون بعض مشغولاته في اتيليهات أخرى بالفنادق وفي قلب الخرطوم وسوق أم درمان القديم.
وحسب قوله، فإن بيوتاً عريقة في أم درمان ما تزال تحتفظ بالأواني والزهريات الفخارية التي صُنعت في زمن جده الأول “وهي ما تزال قادرة على انتزاع الإعجاب”.
المنافسة صفر
ولا يبدي الكردفاني تخوفاً من ظهور منافسة لمشغولاته بعدما عرفت الأسواق المحلية مماثلاً لها من البلاستيك والصيني وحتى من المعادن، ويقول في هذا الصدد: “لا أعتقد ذلك فسكان المدينة ما يزالون يرتبطون بمنتوجاتنا والدليل على ذلك أننا ما زلنا مستمرين وفي المقابل لا يخلو منها منزل”.
وفي حي العباسية، يقول الفنان التشكيلي الصادق زوربا من داخل مشغله الشهير لـ(الصيحة): “صناعة الفخار من أرقى الفنون التي عرفتها الإنسانية لأنها لازمت الحضارات المختلفة منذ أقدم العصور بدليل ما تحتويه المقابر القديمة.. وهو فن من أبسط الفنون وأكثرها صعوبة في آن ولولاها لما عرفت البشرية الكثير من أسرار العالم القديم”، ويضيف: “النوبيون وقدماء المصريين هم اول من صنع الفخار”.
ويشير إلى أن إقبال الناس يزداد في الصيف على شراء الفخاريات لمختلف الاستخدامات، فهناك من يشتريها من أجل النباتات وآخرون يشترونها لأغراض الزينة والديكور أو من أجل أغراض الطبخ والشرب.