وقائع وكواليس ليلة 11 أبريل.. من أطاح بالبشير؟
الخرطوم: عبد الله عبد الرحيم
في خطوة مفاجئة، كشف الفريق جلال الشيخ، عضو المجلس العسكري الانتقالي المستقيل، تفاصيل جديدة عن الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير والانحياز للثوار، وأقسم جلال و(حلف بالطلاق)، أنه من قاد التغيير، وقال: ذهبت لوزير الدفاع عوض بن عوف، ومدير جهاز الأمن الفريق أول صلاح قوش، وقلت لهما (دي فوضى وما ممكن عشان 30 رجل نخسر الملايين)، وقلت لهما الرئيس لازم يتنحى (بالحسنة أو بالرجالة) حقناً للدماء.
وأضاف جلال، بعدها أصروا أن أكون عضواً بالمجلس العسكري الانتقالي، لكن قلت لهم “سيبونا ونحن كفانا”.
تكثر الأقاويل أخيراً، وكلها تنسج وقائع مغرية للاطلاع تفيد بأن هذا أو ذاك قد أطاح بالرئيس السابق عمر البشير، فهل ثمة مؤامرة تمت وفقاً لحديث الرئيس البشير في بعض الإفادات المنقولة عنه من أنه “يشم رائحة مؤامرة”، حينما سُمح للمحتجين بالوصول لمقر إقامته، وهو ما نهى عنه، ولكن بعض الاجتهادات العسكرية لكبار قادة القوات المسلحة ترى بأنه يمكن أن يسمح لهم بالوصول لتسليم وثيقتهم للقيادة العامة ومن بعدها يمكن فضهم بسهولة، وما لم يكن تتوقعه قيادة الجيش بأن الأمر سيطول عليهم، وقد يتحول لمطالبات برحيل النظام وتنحي الرئيس.. فهل هذه العناصر وحدها هي التي أدت للإطاحة بالبشير أم إن ضغط الشارع هو الذي أسقط الرئيس المخلوع؟.
خطوة إبن عوف
ومن قبل نقلت قناة “سي إن إن”، عبر موقعها الإلكتروني تفاصيل ما وصفته بـ”اجتماع الفجر”، الذي أطاح بالرئيس عمر البشير بعد 30 عاماً في سدة الحكم. ونقلت القناة عن مصادر عسكرية سودانية رفيعة المستوى، أن كبار قادة الأجهزة الأمنية الأربعة في السودان وصلوا إلى مقر إقامة البشير في الساعة الثالثة والنصف فجر ذاك اليوم. وتابعت المصادر أن هؤلاء القادة أخبروا “البشير” أنه ليس أمامه سوى التنحي في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية. وأضافت أن البشير رضخ ووافق على التنحي عن السلطة، ورد على طلب قادة الأجهزة الأمنية، بالقول “على بركة الله”.
وفي وقت سابق، أعلن وزير الدفاع عوض بن عوف، في بيان متلفز “عزل البشير والتحفظ عليه في مكان آمن”، وبدء فترة انتقالية لعامين تتحمل المسؤولية فيها اللجنة الأمنية العليا والجيش. كما أعلن أيضًا حالة الطوارئ لثلاثة أشهر وحظر التجوال لشهر اعتباراً من مساء الخميس يوم الإطاحة بالرئيس. في المقابل، أعلن تجمع المهنيين وتحالفات المعارضة السودانية، رفضهم بيان الجيش “جملة وتفصيلا”، ومواصلة الاعتصام حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية، وبحسب بيانات تجمع المهنيين فإنهم يرون أن اعتصامهم وخروجهم هو ما أدى لسقوط البشير والإطاحة به، ويطالبون بتولي السلطة من بعده في حكومة انتقالية مدتها أربع سنوات.
رواية عبد الخالق
ولكن رواية أخرى وردت عبر صحيفة الواشنطن بوست من أن مدير الطيران الرئاسي الفريق أول ركن صلاح عبد الخالق قد خاطب المتظاهرين أمام مقر القيادة، وقال إنه ليس عليهم الخوف من الجيش، قائلاً هذا الجيش جيشكم، ونحن لن نحاربكم.
وحكى الجنرال صلاح تفاصيل الانقلاب، وقال: لم أوافق في البداية، لكن هذا هو التغيير الذي أراده الشباب، ويعكس هذا الواقع التوترات الأوسع في السودان.
وأطاح الفريق أول عبد الخالق وغيره من كبار الجنرالات بحسب الواشنطن بوست، بالرئيس البشير في انقلاب غير دموي ليلة 11 أبريل قبل بزوغ الفجر، حيث استخدموا أجهزة التشويش لحجب هواتفه المحمولة، وقال عبد الخالق للصحيفة: عندما أدرك البشير أنه تم التغلب عليه بدا متفاجئاً وغاضبًا كاشفاً للمرة الأولى عن تفاصيل كيف تم تصميم الانقلاب.
وقال إنه وفي منتصف ليلة 10 أبريل، اجتمعت القيادة العليا العسكرية لمناقشة مصير الرئيس البشير، حسبما قال الجنرال عبد الخالق. بعد ساعة وافقوا على الإطاحة به. خلال الساعات التالية، أطلع الجنرال عبد الخالق ضباطه المبتدئين على الأحداث، وقال للصحيفة عليك التحدث معهم إذ أن من الخطير جدا عدم إخبارهم بما يجري.
في الساعة 5 صباحاً، غير الجيش الحرس المحيط بمنزل الرئيس البشير، وأغلق هواتفه المحمولة وغيرها من الاتصالات. تم إرسال ضابطين للتحدث إليه، الذي كان مرتبكاً، ثم أصبح غاضباً، وأضاف عبد الخالق: لقد شعر أن الناس خانوه، وأضاف: البشير ألقى باللوم على صلاح قوش، رئيس المخابرات في البلاد.
حديث “حميدتي”
وكشف قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، وقائع الأيام الأخيرة للرئيس عمر البشير في السلطة وملابسات عزله. وقال حميدتي في حوار تليفزيوني: الإطاحة بالبشير جاءت بعد إصراره منذ أربعة أشهر على استخدام الوسائل الأمنية لمكافحة المظاهرات السلمية التي تشهدها البلاد، والمؤسسة العسكرية قدمت عدة مقترحات لإخراج السودان من الأزمة، ولكن للأسف البشير لم يأخذ بها، وهو ما أجبر القوات المسلحة على إدارة الموقف لحين اتخاذ قرار بعزله لإنقاذ البلاد. وأشار حميدتي، إلى أن المؤسسة العسكرية أبلغت البشير قرارها الحاسم بأنه تم عزله وعليه التنحي، وقد خضع للأمر الواقع المفروض عليه. وأضاف حميدتي: لكن في ذات الوقت تنحي الرئيس ليس عادياً، لأنه وافق بعد ضغط من القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية. وروى حميدتي أن وفداً عسكرياً من اللجنة الأمنية العليا توجه إلى مقر إقامة البشير بعد صلاة فجر الخميس، وأبلغه بأن اللجنة تشعر بخطورة الأوضاع في البلاد، وتخشى من خروج الأمور عن نطاق السيطرة، وأن اللجنة قررت تولي السلطة مكانه لفترة محدودة، ووضعه فوراً قيد الإقامة الجبرية. فما كان منه إلا أن أومأ برأسه علامة الموافقة على التنحي ونطق ببضع كلمات عن الشريعة والبلاد، قبل أن يتم سوقه، بيد إن حميدتي أشار إلى أن ما تم ليس إنقلاباً عادياً وإنما جاء بعد ضغط من الجيش السوداني.
وصول “برهان”
ويرى البعض حسب مصادر أن خطوة الضباط الكبار في الجيش السوداني جاء بعد أن أحست هيئة القيادة بتحركات واقعية لضباط صغار بالجيش السوداني للقيام بانقلاب في وقت تشهد الساحة السياسية حالة سيولة سياسية واحتشاد كبير للمتظاهرين أمام القيادة العامة. بيد أن ظهور الفريق أول عبد الفتاح البرهان في المشهد ينبئ بأن الأحاديث التي كانت تدور في فلك القوات المسلحة تشير إلى أن الرجل هو من ذهب وتحادث مع الرئيس المخلوع، وقال له بناء على ما ورد في كواليس الانقلاب على البشير، بأن الشارع قد تجاوز البشير وأن حالة الرفض العامة عارمة خارج سور بيت الضيافة مقر إقامة الرئيس البشير. وقالت الأضابير بأن البرهان أكد للرئيس ضرورة تنحيه عن الرئاسة، لأن الوضع لا يحتمل، وربما أدى ذلك إلى فوضى خلاقة بالخارج لوجود الفراغ الدستوري عقب إعلان حالة الطؤارئ بناءً على انطلاق المظاهرات وشيوعها في كل أرجاء البلاد. وتشير المجالس إلى أن هذه الرواية هي الأقرب للحقيقة بعد أن تسلم البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي عقب تنازل عوض بن عوف، وكمال عبد المعروف عن رئاسة المجلس عقب تلاوته البيان الرئاسي لنقل السلطة لمجلس عسكري انتقالي.
وبحسب مصدر مسؤول وقريب من الرئيس أن الفريق وقتها عبد الفتاح البرهان حينما استشعر الخطورة، ذهب واجتمع مع الرئيس السابق، وقال له لا بد من أن تنصرف وتسلم السلطة للجيش ووافق البشير على مضض بعد أن أدرك بأن الساعة قد أزفت، وأن مياهاً كثيرة قد تحركت تحت قدميه، وقال المصدر إن برهان رجل مقبول لدى الجيش، كما أنه لم تعرف له ميول سياسية معروفة، لذلك رأى البشير أن عبد الفتاح هو رجل المرحلة، بيد أن قائده ووزير الدفاع عوض بن عوف ومعه رئيس الأركان كمال عبد المعروف قد استدركا خطورة الموقف، وقام بإعلان الانقلاب عبر البيان التلفزيوني المشهور.
كواليس “القيادي”
وتقول مصادر للصحيفة إن ما جرى ليلة الانقلاب على حكومة البشير، جاء نتاج تحركات كثيرة لضباط داخل القوات المسلحة عقب ولوج المتظاهرين بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، وتشير هذه المصادر إلى أن الرئيس البشير، وجد نفسه أمام واقع مزرٍ مما دفعه لتسهيل أمر انتقال القيادة ورئاسة البلاد للعسكر عقب شعوره بدنو اللحظات الأخيرة لفترة حكمه. ولكن الكواليس التي نضجت خلالها فكرة الانقلاب كانت قد أوعزت للكثير من السياسيين أن البشير لا يمكن أن يسلم أو يتنازل عن الحكم بتلك السهولة، يأتي هذا بينما احتشد المكتب القيادي للحزب الحاكم ليلة الخميس، وهو مساء الأربعاء لوضع خطة محكمة تحول دون اقتلاع النظام وسقوط الإسلاميين. وتقول التسريبات إن البشير طالب القيادات العسكرية بالحسم والقوة في التعامل مع المتظاهرين، الذين افترشوا طرقات القيادة العامة للقوات المسلحة، وطالب بتفريقهم بشتى السبل، حتى ولو أن ذلك أدى إلى سفك الدماء، يعضد هذا تصريحات الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في حديثه لتلفزيون “الهدف” عن كواليس الانقلاب والساعات الأخيرة للرئيس البشير في كرسي السلطة.
وقالت المصادر إن البشير طلب من صلاح قوش تسليم أمر قيادة جهاز الأمن للفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، بعد أن رفض الأول فض التظاهرات بالقوة المفرطة، الشيء الذي دفع ضباط الأمن إلى إعلان موقفهم المنحاز للدولة، وليس لشخص الرئيس وقيامهم باعتقال عبد الرحيم وأحمد هارون رئيس الحزب الحاكم المفوض ومساعد الرئيس البشير الذي قيل أن قواته كانت سوف تستخدم لفض هذا الاعتصام.
وقيل أن هارون حشد قواته للانقضاض على المعتصمين، لولا إعلان اعتقاله ومن معه من قيادات الدولة وإعلان الانقلاب الذي أدى لإجهاض خطوات فض الاعتصام قسرياً. وبالتالي فإن هذه الرواية تعضد ما أعلنه الفريق جلال الشيخ من أنهم، وكان وقتها نائب رئيس جهاز الأمن قد قاموا بإعلان الانقلاب على البشير من داخل ردهات اجتماع المجلس القيادي للحزب.