من المُفارقات العجيبة أن يكون كل من أطراف قوى الحرية والتغيير (مجموعة الأربعة) و(مجموعة قاعة الصداقة) والمكون العسكري وأطراف عملية سلام جوبا متفقين على عدد من النقاط المطلبية التي طالب بها الشارع السوداني سواء كان ذلك في مسيرات 21 من أكتوبر أو حتى مليونية 16 أكتوبر التي تنادي بحكومة كفاءات مُستقلة ومجلس تشريعي وتحول ديمقراطي والتي انتهت إلى الاعتصام السلمي بالقصر الجمهوري وتعتبر من أهم مطلوبات ثورة ديسمبر المجيدة والمتمثلة في الآتي :
أولاً: التمسك بالوثيقة الدستورية.
وثانياً: ضرورة التحول الديمقراطي الذي يفضي في نهاية الفترة الانتقالية إلى انتخابات حرة ونزيهة.
ثالثاً: استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي وأهمها المجلس التشريعي ومفوضيات مكافحة الفساد والانتخابات والدستور.
رابعاً: الجميع متفق على ضرورة وحدة قِوى الثورة وتوسيع قاعدة المشاركة. خامساً: إصلاح مؤسسات الحكم بما في ذلك لجنة إزالة التمكين والمؤسسات العدلية الأخرى وتعيين المحكمة الدستورية والعليا والنيابة …الخ.
بالرغم من اتفاق كافة الأطراف على هذه المبادئ والمطالب المشروعة والضرورية، إلا أن التراشق الإعلامي والتلاسن بين مكونات قِوى اعلان الحرية والتغيير ومحاولة تخوين الأطراف الشريكة في حكومة الفترة الانتقالية وخاصة المكون العسكري كشريك أساسي, إضافةً الى حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق سلام السودان بجوبا أصبحت سمة بارزة لدى جميع الأطراف، نظراً لنقاط الالتقاء والمتفق عليها من الجميع الى حد ما، ونقاط الخلاف على قلتها وعدم أهميتها يمكن أن يُدار حولها حوار ونقاش مفتوح اذا توفرت الإرادة السياسية المطلوبة .
وتشظي قحت وضعف الأداء السياسي للحاضنة السياسية وكذلك ضعف أداء الجهاز التنفيذي, أضر بعملية الانتقال إن لم نقل يشكل تهديدا للحكومة الانتقالية والعملية الانتقالية برمتها. في تقديري أن هناك اموراً في غاية الأهمية يجب على أطراف الحكومة وضعها في الاعتبار أهمها:
-إيقاف الخطاب الاستعلائي والاستفزازي والعنصري من كافة الأطراف.
– وضع خارطة طريق وآليات جديدة لتنفيذ استحقاقات الانتقال.
-وقف التراشق الإعلامي الذي يُوسِّع من هوة الخلاف.
-إجراء حوار مُوسّع يشمل كافة الأحزاب والكيانات السياسية يناقش كافة القضايا التي سكتت عنها الوثيقة الدستورية وأهملتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا.
من الصعوبة بمكان العودة إلى الوراء, وأقصد هنا العودة الى الدائرة الجهنمية “الانقلاب العسكري” أو الحشد والحشد المضاد أو فض الشراكة أو مُحاولة إقصاء أطراف الثورة المجيدة أو مُحاولة التفكير الأحادي الذي لن يقود إلا لمزيد من الفشل والتشظي.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،