محمد عثمان الرضي يكتب : الشّعب السُّوداني المُعلِّم
الشعب السوداني, شعبٌ عظيمٌ ومُعلِّم الشعوب في طريقة التعبير عن حقوقه ومطالبه وفي كيفية الحفاظ عليها بشتى الطرق والوسائل السلمية, وفي ذلك ضرب أروع الأمثلة التي أصبحت أنموذجاً يُحتذى به وسيظل الشعب السوداني بوعيه وإدراكه يتصدّر المشهد السياسي على المستوى الإقليمي والدولي, في التحول الديمقراطي الهدف الأسمى والمطلب المنشود.. وقدم من خلاله الشعب السوداني النفس والنفيس وسيقدم الكثير والكثير للوصول إلى مُبتغاه وتحقيق حلمه الذي طال انتظاره ولا يتحقق ذلك إلا بمزيد من التضحيات, ولا بد من دفع الثمن الباهظ للظفر بهذا المبتغى والمنال وقطعاً, الطريق طويل ولكن بعزيمة الرجال طال الزمن أم قصر لا بد من صنعاء وإن طال السفر.
المواكب الهادرة التي انطلقت وانتظمت كل ولايات السودان أول أمس لم تَأتِ من فراغ ولم تجتمع على باطل ولم تكن بهدف التسلية وضياع الزمن ولكنها كانت بمثابة درس في غاية الأهمية والوضوح لا بد أن يعيه الجميع>
الأحزاب السياسية السودانية تحتاج إلى استيعاب الدرس في وترتيب أوضاعها وتُغيِّر من طريقة تعاملها مع المستجدات الجديدة التي طرأت وستطرأ على المشهد السياسي في كل لحظة, إلى جانب تبني خطاب إعلامي راشد ومواكب.
مواكب 21 اكتوبر دلالة واضحة على ارتفاع معدلات الوعي في مختلف شرائح الشعب السوداني وهو بمثابة مؤشر سياسي إيجابي صنعته الأجيال الحالية يفهمها ووعيها المُتقدِّم فالحفاظ عليه أصبح فرض عين أملته الضرورة.
مواكب 21 اكتوبر غيّرت المشهد السياسي ووجّهته صوب الطريق الصحيح, فمن الصعب بمكان التراجع إلى الخلف, بل المضي إلى الأمام وفق خُطى ثابتة ومدروسة بعيدة عن الحماس الزائد والاندفاع إلى المجهول.
الشعب السوداني من الصعب التحكم عليه وبرمجته بالريموت كنترول وفقاً لأيديولوجيات معينة أو خط سياسي محدد, الشعب السوداني تجاوز الأحزاب السياسية التقليدية ذات البرامج الجوفاء والخُطب الرنّانة التي لا يتجاوز فعلها وتأثيرها الموقع الجُغرافي المحدد التي تلقي فيه هذه الخُطب, الشعب السوداني عَبَرَ وتقدّم وتصدّر المشهد وحسم خياراته وترك هذه الأحزاب في المربع الأول مربع التشاكس والخلافات والانقسامات.
من الاستحالة بمكان أن تعود هذه الثورة إلى الوراء لأنها محروسة ومترّسة بتروس منيعة يصعب اختراقها أو تجاوزها, بل انطلقت بسرعة الصاروخ وشارفت على الوصول إلى الهدف المنشود وذلك لم يكن إلا بتضحيات وصمود الأوفياء من أبناء الوطن.
الشحن السالب بلغ ذروته خلال الأيام الماضية وكنا نتوقع سيناريوهات أشدّ قتامةً ومواجهات واحتكاكات, ولكن بحمد الله وبوعي وإدراك الحادبين من أبناء الوطن فوّتنا الفرصة على المتربصين وضربنا أروع الأمثلة في التحضر والرقي والتعامل بعقلانية وحكمة لتجاوز هذه المحطة الخطيرة.
أثبتت قوات الشرطة وبجدارة بأنها حامية الدولة المدنية وظهر ذلك من خلال التعامل مع الثوار وهم يلوِّحون بشارات النصر ويقومون بدورهم على الوجه الأكمل بحيادية ومهنية عالية جداً, فهذا المسلك ليس بجديد على قوات الشرطة التي خرجت من رحم الشعب السوداني وهي الحارس الأمين والمُؤتمن على أرواح وسلامة المواطنين وممتلكاته الخاصّة والعامّة.
الاعتداءت المتكررة التي يتعرّض لها الزملاء الصحفيون أثناء القيام بدورهم في تغطية المواكب ظاهرة خطيرة يجب التوقف عندها, لأنّها بمثابة مؤشر سالب يخصم من رصيد التحول الديمقراطي ويعود بنا إلى الوراء ويظهرنا أمام الآخرين بأننا لا نحترم دور الصحافة والمنوط بها نقل الرأي والرأي الآخر بمهنية وحيادية متجردة, احترامنا للصحافة احترامنا للتحول الديمقراطي المنشود.. ويتماشى ذلك مع شعار الثورة “حرية.. سلام وعدالة”.