الخرطوم- جمعة عبد الله
أدى استمرار أزمة الشرق، وإغلاق الموانئ لتزايد المخاوف من حدوث نُدرة في السلع، وبالتزامن مع تناقص مخزونات المستوردين والتجار وتوقف إمداد الواردات، تأثرت عدة سلع أساسية مثل السكر والدقيق، وحدثت فيها مؤشرات الندرة مع قُرب الانعدام الكلي، ولعل أبرز انعكاسات هذه المؤشرات تمثلت في الارتفاع المتزايد لأسعار السكر والدقيق.
ارتفاع غير مسبوق
وكشفت متابعات “الصيحة” عن ارتفاع غير مسبوق في اسعار السكر, اذ بلغ سعر كيلو السكر امس 800 جنيه في بعض المحال التجارية وبلغ سعر الجوال عبوة 50 كيلو 40 ألف جنيه مع توقعات تجار تحدثوا لـ”الصيحة” بأن يصل سعر الكيلو 900 جنيه ويصل سعر الجوال الكبير لـ45 ألف جنيه.
وكشفت المتابعات عن اختفاء دقيق سيقا بالباكت من مُعظم البقالات والمحلات التجارية، في وقت بلغ سعر دقيق القمح بالوزن 700 – 800 جنيه، فيما بلغ سعر كيلة دقيق الذرة 4 آلاف جنيه بدلاً من 2700 جنيه، وربع دقيق القمح 2400 جنيه.
وعزا التجار, الزيادة لشح المعروض بسبب أحداث الشرق، وحذّروا من انعدام هذه السلع في القريب العاجل، كما ارتفع ربع البصل من 1500 الى 2 ألف جنيه.
وَضعٌ مُقلقٌ
وبالتزامن مع هذه المعطيات، لا تتوفّر أرقام حقيقية من المصادر الرسمية حول مدى توفر هذه السلع، ولأيِّ مدىً تكفي، وحجم الوارد عبر المعابر الحدودية خاصة من مصر، وبالرغم من تأكيد مصادر حكومية بوصول شحنات من دقيق القمح، إلا أن حجم النقص الفعلي لا يزال غير محدد على وجه الدقة، ويرجح مُختصون عدم كفاية الشحنات المذكورة لسد الفجوة الحادة، التي تمثلت أبرز مظاهرها في إغلاق أكثرية المخابز لأبوابها وتوقفها عن العمل، وحتى المخابز العاملة ضاعفت التسعيرة القديمة للخبز التجاري مع صعوبة الحصول عليه بسبب الصفوف الطويلة.
اختلالات سابقة
وحتى قبل التطورات الأخيرة، لم تكن الأسواق على ما يرام، فمنذ سنوات يتواصل اضطراب الأسواق، وتشهد حركة التجارة ومبيعات السلع تراجعاً ملحوظاً, كما تراجعت القوة الشرائية لأدنى مستوياتها، فيما عانت متاجر الكماليات من ركود غير مسبوق، حيث اقتصر الشراء على السلع الاستهلاكية وبعض المستلزمات الضرورية، وتشير الوقائع حسب البيانات الرسمية الى منطقية هذه الأزمات في ظل تراجع الإنتاج المحلي بكل القطاعات.
ونظراً لعدم توفر تحديث دقيق خلال العامين الأخيرين، يمكن القياس على المؤشرات في العامين الأخيرين، التي تشير بشكل عام ان السودان ينتج 55 بالمائة من احتياجاته من المشتقات النفطية المختلفة، يقل فيها حجم الجازولين بشكل كبير، و30 بالمائة من حاجة الدواء، و25 بالمائة من القمح المخصص لدقيق الخبز، فيما يكلف سد فجوة الدواء المُقدّرة بـ70% بالمائة من الحاجة 600 مليون دولار، مقابل ملياري دولار للدقيق، وهي أرقام تقريبية قابلة للزيادة حسب التغييرات.
تناقص مخزونات
يقول التاجر، عبد الباقي الشيخ حسين، صاحب محل إجمالي بالخرطوم، إن الوضع بات أكثر صعوبة من ذي قبل، بسبب تناقص مخزونات المستوردين والتجار من السلع، موضحاً أن بعضها على وشك النفاد خاصة الدقيق والسكر، مع تزايد مستمر لأسعار السلعتين بفعل الندرة، واحتمالات تمدد إغلاق الموانئ.
وأوضح عبد الباقي لـ”الصيحة” ان ما يحدث بالاسواق هذه الايام “ليس جديداً” رغم زيادة حدة الركود بسبب تردي الوضع الاقتصادي خلال العام الأخير، وقال إن أسباب الازمة معروفة وهي توقف إمداد الواردات التي كانت منتظمة، وقال ان ما يتوفر حتى للحكومة غير كاف لتغطية حاجة الاستهلاك، موضحاً أن الغلاء والندرة يتصدّران هذه الأسباب، بالإضافة إلى الوضع المعيشي الذي يواجهه أغلبية المستهلكين، مشيرا إلى أن المتوافدين على الشراء باتت اقصى احلامهم توفير السلع الأساسية التي تنحصر في السكر والدقيق والزيوت والشاي وبعض الأغراض المنزلية اليومية.
تحذيرات
وحذرت خبيرة الاقتصاد، د. إيناس إبراهيم من خطورة تجاهل الوضع الاقتصادي الحالي، وقالت لـ”الصيحة”، إن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية تشكل ارضية لإصلاح الوضع المعيشي للمواطن وتجنب انفلات الأوضاع في حال استمرار الأزمة هكذا دون حلول جذرية، وقالت ان البيئة الاقتصادية الحالية لا تساعد على تحقيق أدنى طموحات المواطنين، ودعت لأن تشمل الإصلاحات المقترحة، التركيز على المشروعات الإنتاجية خاصة الزراعة وما يتصل بها من الصناعات التحويلية ورفع حجم الصادرات وتذليل العقبات الحكومية أمام المنتجين والتي قالت إنها تتمثل في تعدُّد الرسوم والجبايات لحد أُخرج الكثيرون من دائرة الإنتاج لصعوبة العمل في ظل أوضاع غير محفزة للإنتاج وكثيراً ما يتكبّدون الخسائر.
وتتمثل إحدى مشكلات البلاد في التزايد السنوي لمعدل الاستهلاك مع تناقص الإنتاج أو بقائه على معدل ثابت لعدة سنوات، وهو ما تجلى بالفعل في قطاعات واسعة منها السلع الاستراتيجية والغذائية والمشتقات النفطية.