طالتها أيادي التخريب وتُهدِّدها المخاطر .. حقول النفط تدميرٌ مُمنهجٌ.. مَن المسؤول؟!
(293) حالة تخريبية للحقول في الفترة من يناير وحتى أغسطس 2021
انخفض إنتاج النفط بعد انفصال الجنوب من 400 – 500 ألف برميل في اليوم إلى 60 ألفاً فقط
(62000) برميل بواقع (3.5) مليون دولار حجم خسارة حقل واحد أُغلق لمدة شهر لهذا السبب
عُمّال: نعيش أوضاعاً صعبة ومُهدِّدات أمنية بالغة التعقيد
نقابي: لم تُسد الثغرات الأمنية وما زال الوضع كما هو عليه
مُختص في النفط: فشلت وزارة النفط في رصد أي ميزانيات مالية حقيقية لتطوير الحقول وزيادة الإنتاج
خبير أمني: كلفة الشركات على أنظمة الحماية تُشكِّل نحو ١% من أي ضرر يحدث
تحقيق- انتصار فضل الله
شهدت حقول النفط في السودان هذا العام ما لم تشهده منذ سنوات من تعطُّل عملية الإنتاج جرّاء مخاطر الأمن والسلامة والاقتحام والهجمات المتواصلة والأعطال المُستمرة التي برزت في عددٍ من المناطق, الأمر الذي كبّد الشركات خسائر فادحة..
وتحيط بعدد يفوق عشرة آلاف عامل في الحقول الواقعة في ولايات شرق دارفور وجنوب وغرب كردفان وولاية النيل الأبيض, تحدياتٌ أخرى وقفت عائقاً أمام العمل والإنتاج، وشكا البعض من التعرُّض لمُختلف النشاطات غير الإنسانية.
وكشف متحدثون من داخل الحقول لـ”الصيحة”, عن عمليات تخريبية تقودها جهات مجهولة بالنسبة لهم تهدف للإقعاد بالقطاع وهي ما وصفوها بالسلوك غير الأخلاقي وغير المسؤول.
قرار وعدم استقرار
كان العامل محمد الذي يناهز عمره 45 عاماً, أحد الأفراد الذين يعملون في سلسلة متواصلة في حقول النفط، يمثلون هم بدايتها ونهايتها, غير أن قوة السلسلة توازي الرابط الأضعف فيها وينعكس انفصال جزء منها سلباً على البقية.
في يناير من العام الحالي, شعر محمد بخطر يهدد حياته بعد أن برزت هجمات واضحة تسعى لتخريب العمل وتعطيل الإنتاج أسهمت في عدم استقرارهم بالحقول، فهو مازال يتخوّف من الخطر الذي تعرّض له بعد تلقيه تهديداً سابقاً بالاختطاف والتعذيب, الامر الذي جعله يفكر جاداً في هجر القطاع والعودة إلى منطقته الأم والعيش وسط أسرته بأمانٍ.
ظل محمد يعمل في حفر آبار النفط قرابة عامين بأحد الحقول في ولاية النيل الأبيض، كان يحسب أن القطاع مستقر ولا تقربه التشوُّهات, لكنه تفاجأ بواقع مختلف، وقال لـ”الصيحة ” إنهم يعيشون أوضاعاً سيئة جداً في ظل مهددات أمنية داخل مناطق البترول يزداد حجمها باستمرار دون التصدي لها من السُّلطات, فقد ظهرت عمليات اختطاف لبعض العُمّال والاقتحام المباشر للمنشآت، مُبدياً حسرة وأسفاً كبيراً لما أسماه الزحف المدمر والسم القاتل والاستهداف الذي يُحيط بالحقول والعاملين معاً.
محمد ليس وحده من يُعاني اضطرابات في الحقول, فهناك الكثير من العمال يواجهون ذات الأوضاع, مؤكدين أنهم يعملون في ظل ظروف بالغة التعقيد ومهددات أمنية, ويتحمّلون فوق طاقتهم لحماية الحقول، مُناشدين السلطات بتوفير الأمن وحماية منتجات النفط وتوفير الأمان وتقليل حجم الخسائر والحد من تأثر الهجمات التخريبية نظراً لأهمية القطاع.
عمليات ممنهجة
يبدو أن إشكاليات عديدة تحيط بالقطاع, بالإضافة إلى ما ذكر, تتشكل في كترة حوادث النهب والسرقات وجرائم النفس والمال، ولخّص سكرتير كتلة اللجنة التسييرية لنقابات العاملين بشركات وإنتاج النفط المهندس مازن عبد الرحمن الحاج خلال حديثه لـ”الصيحة “، تلك الإشكاليات في الاعتداء السافر على الحقول والعاملين معاً, بالإضافة إلى تسلل بعض الأفراد للعبث بمعدات الإنتاج، مشيراً الى أنّ الاستهداف الممنهج للقطاع برز بشدة في الفترة من يناير وحتى أغسطس عام ٢٠٢١م, وذلك باختطاف ثلاثة من العاملين.
ونوه الحاج إلى حدوث 293 حالة تخريبية لحقول ومربعات النفط المنتجة خلال تلك الفترة ما زالت آثارها باقية، قائلاً: تطورت الأحداث إلى نهب وسرقة آليات ومحاولات لقفل بلف, مما تسبب في إيقاف أحد الحقول فترة 28 يوماً, حيث قُدِّرت خسارته بحوالي 62 ألف برميل بواقع 3.5 مليون دولار جراء التفلتات الأمنية، مضيفاً: تضرر من الأحداث كل أعضاء الكتلة النقابية التي تضم خمس شركات كبرى ومربعات مثل 25، 17، وتو. بي، و6 وهي تمثل الأم, تعمل في إنتاج ونقل الخام, مشيراً إلى شركات أخرى متخصصة في أعمال “السيرفر” وأخرى متخصصة في أعمال مختلفة يواجه العاملون فيها نفس المشاكل.
جهات مجهولة
وأبان عضو سكرتير النقابة، أن الجهات المتسببة في المشاكل مجهولة تماماً، مُحمِّلاً الجهاز التنفيذي للدولة المسؤولية باعتباره المعني بتوفير التأمين والأمن للمواطنين والعاملين والموظفين والشركات، وقال إن الحقول المتضررة تقع في مربعات 25 وهذه تتبع لشركة الرواد ومربع 17 يتبع لشركة شارف وحقل مشترك بين ولايتي غرب كردفان وشرق دارفور، وأضاف أنهم تعاملوا مع هذه المشاكل من خلال إصدار بيانات ومذكرات رُفعت للمُختصين في وزارة النفط, لكنهم ما زالوا يمضون نحو خطوات التصعيد، مبيناً أنهم لا يملكون سوى لفت النظر لهذه المشاكل, داعياً الأجهزة الرسمية القيام بمهامها.
هدوء يسبق العاصفة
وقال مازن إنّ الأزمة التي تواجه الحقول في تلك المناطق الموجودة عامة وشاملة لكل الحقول بالبلاد، موضحاً ان الفترة الحالية تشهد هدوءاً نسبياً للأوضاع الأمنية في الحقول, وتابع “ليست لأنه تمت معالجة الأمور, ولكن للدور الذي لعبه فصل الخريف في إغلاق معظم الطرق التي تغمرها مياه الأمطار بالتالي استعصى على المخربين الوصول إلى الحقول لتنفيذ عملياتهم”.
مؤكداً أن موسم الخريف من الفصول التي يحدث فيها استقرارٌ في مناطق النفط وتتراجع فيه حجم التعديات والنزاعات والمشاكل الأمنية، مردفاً: بالرغم من ذلك لم تُسد الثغرات الأمنية حتى اليوم وما زال الحال في حاله، حيث لم تتم زيادة أفراد الأمن المتواجدين لتأمين المنشآت, كما لم يتم القبض على الجناة, مشيراً لوجود ضعف في فاعلية النيابة في جانب المحاسبة وإنزال العقوبات الرادعة، في ظل حماية ضعيفة جداً للحقول.
مُشيراً إلى أن المشكلة عموماً في أن المنظومة الأمنية غير قادرة على محاكمة الجناة والقبض على المخربين, مؤكداً أنه مهما تمّت زيادة القوات الأمنية والدعم اللوجستي فهو لا يقوم بدوره وأنهم لا يلمسون أي تحرك إيجابي في هذا الجانب.
وأكد عضو التسييرية، عدم الصمود امام ما يتعرض له القطاع من كوارث وازمات، بالتالي تم الاتفاق على عدم انتظار تنفيذ القانون وإسراع الخطى نحو عمل النقابة والانتخاب على أن يأتي القانون لاحقاً, واصفاً الوضع بالخطير مما يتطلب تحرك كل النقابات للمحافظة على انتاج النفط, نظراً لأن الحقول موجودة في مناطق مختلفة, مؤكداً أن الهيئة النقابية قررت اقتحام العمل وإنجاز الجمعية العمومية, مُعلناً أن الفترة القادمة سوف تشهد نشاطاً لانتخاب نقابة جديدة تهدف لوضع نظام أساسي.
خسائر كبيرة
وفقاً لتقارير إعلامية سابقة, فاقت خسائر النفط أكثر من 4 ملايين دولار جراء المهددات الأمنية بمناطق الإنتاج خلال العام الحالي 2021م، وكان وكيل النفط د. حامد سليمان قد رهن أمن البترول بالأمن القومي للبلاد, داعياً للحفاظ على المنشآت النفطية لضمان استمرارية الإنتاج وزيادة الإنتاجية.
وذكر تقرير صادر من الوزارة أن حجم الأضرار والخسائر التي نجمت عن المهددات الأمنية في العام 2020 تجاوزت الـ3 ملايين دولار, ما انعكس على توقف الآبار عن الإنتاج وهدر الوقت في إعادة العمل, موصياً بإنشاء نيابات ومحاكم خاصة بالحقول وتفعيل الدور الرقابي.
مفارقات وأخطاء
يقول الخبير في النفط مهندس أحمد عبد الحليم، انخفض إنتاج النفط بعد انفصال الجنوب من 400 – 500 ألف برميل في اليوم إلى ما دون 150 ألف برميل في اليوم, والآن الإنتاج الفعلي للبترول دون 60 ألف برميل نفط في اليوم من أربع شركات عاملة في مجال إلانتاج, وهي تو بي “النيل الكبرى سابقاً” وإنتاجها حوالي 32 ألف برميل في اليوم من خمسة حقول.. وشركة بتروانيرجي وإنتاجها حوالي 20 ألف برميل في اليوم بعد أن كان إنتاجها حوالي 60 ألفاً قبل عدة أعوام وهي تنتج من سبعة حقول.
بالإضافة الى شركة شارف “استار أويل سابقاً” وإنتاجها حوالي 3 – 5 آلاف برميل في اليوم.. وشركة الراوات وإنتاجها حوالي 1500 – 2500 برميل في اليوم, مشيراً أنها الشركات التي تعرّضت حقولها للهجمات وما زالت.
وقال الخبير النفطي لـ”الصحيفة”، قطاع النفط تأثر بشكل رئيسي بانفصال الجنوب، مما أسهم في خروج الشركات العالمية التي كانت تعمل كشركاء مع الحكومة السودانية في النيل الكبرى وبترودار وشركة النيل الأبيض، لوجود معظم الخام في دولة الجنوب, ومع تدني الإنتاج في الحقول الواقعة في السودان ومع عدم التزام الحكومة السودانية وَفشلها بالتزاماتها المالية تجاه الشركاء أُجبرت الشركات العالمية لعدم تجديد العقودات.
وأضاف: من ناحية أخرى وبعد أن آلت الحقول للحكومة السودانية, فشلت وزارة النفط في رصد أي ميزانيات مالية حقيقية لتطوير الحقول لزيادة الإنتاج. كما فشلت الحكومة المركزية والمحلية والوزارة في حلحلة مشاكل الأهالي, ومع الوعود الكاذبة أصبحت هنالك مشاكل شبه يومية من قفل للحقول وتخريب للآبار وتهديد للمهندسين والعُمّال مع صمتٍ تامٍ للحكومة سواء محلية أو مركزية أو الوزارة المعنية.
تطوير أنظمة الحماية
فيما يرى الخبير في أمن حقول النفط الطاهر حمدان، أن التكلفة التي تنفقها شركات الطاقة على أنظمة الحماية مهما كانت مرتفعة تُشكِّل نحو ١% من أي ضرر يحدث للمنشأة النفطية, مشدداً على أهمية تطوير أنظمة الأمن والحماية المرتبطة بالحقول, مشيراً إلى أن أبرز المخاطر التي تتعرّض إليها الحقول التهديد والتدمير والإرهاب ضد المنشآت, إلى جانب بعض المخاطر مثل الجرائم الإلكترونية التي سبّبت تهديداً مثلما حدث في السابق وهو ما اثّر على مستوى الإنتاج.
مطرقة وسندان السرقات
وبين مطرقة الآثار البيئة للنفط, وسندان السرقات التي تدور في محيط إنتاجه, يظل العاملون فيه يرزحون تحت وطأة هذه التجاذبات.
وبدأت عمليات التنقيب عن النفط في البلاد بعد توقيع اتفاقية مع شركة شيفرون الأمريكية عام 1975, وأعقبت ذلك اتفاقيات كثيرة نجم عنها حفر 95 بئراً استكشافية منها 46 بئراً منتجة مثل حقول سواكن، أبو جابرة، شارف، الوحدة، طلح، هجليج الأكبر وغيرها و49 بئراً جافة, غير أن هذه الاستكشافات لم يتبعها أي نشاط إنتاجي.